Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 28-29)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى يامن آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان ، اتقوا الله فى كل ما تأتون وما تذرون ، وداوموا على الإِيمان برسوله - صلى الله عليه وسلم - واثبتوا على ذلك . { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } أى يعطكم بسبب ذلك نصيبين وضعفين من رحمته - سبحانه - وفضله . وأصل الكفل - كما يقول القرطبى - كساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط … أى يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصى ، كما يحفظ الكفل الراكب من السقوط . { وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } أى ويجعل لم بفضله نورا تمشون به يوم القيامة . كما قال - تعالى - { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أى ما فرط منكم من ذنوب ، بأن يزيلها عنكم . { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أى واسع المغفرة والرحمة لمن انقاه وأطاعه . فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وعد المؤمنين على تقواهم وعلى إيمانهم برسوله ، أن يؤتيهم نصيبين من رحمته … وأن يجعل لهم نورا يمشون به ، فيهديهم إلى ما يسعدهم فى كل شئونهم ، وأن يغفر لهم ما سبق من ذنوبهم … فضلا منه وكرما . قالوا وأعطى الله - تعالى - للمؤمنين نصيبين من الأجر ، لأن أولهما بسبب إيمانهم بالرسول - صلى الله عليه وسلم - . وثانيهما بسبب إيمانهم بالرسل السابقين ، كما أعطى مؤمنى أهل الكتاب نصيبين من الأجر احدهما للإِيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والثانى للإِيمان - بعيسى - عليه السلام - الذى نسخت شريعته بالشريعة المحمدية . وقوله - سبحانه - { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ … } رد على مزاعم أهل الكتاب أنهم شعب الله المختار ، وأنهم أفضل من الأمة الاسلامية . قال الجمل ما ملخصه لما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله - تعالى - { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ … } قالوا للمسلمين أما من آمن منا بكتابكم فله أجره مرتين لإِيمانه بكتابنا وكتابكم . ومن لم يؤمن منا بكتابكم فله أجر كأجركم ، فبأى شىء فضلتم علينا ؟ فأنزل الله هذه الآية . و { لاَّ } زائدة ، واللام متعلقة بمحذوف ، هو معنى الجملة الطلبية المتضمنة لمعنى الشرط ، إذ التقدير إن تتقوا وتؤمنوا برسوله ، يؤتكم الله من فضله كذا وكذا - وقد أعلمناكم بذلك - لكى يعلم أهل الكتاب عدم قدرتهم على شىء من فضل الله . أى أنهم لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله … كالكفلين من رحمته وكمغفرة الذنوب - لأنهم لم يؤمنوا برسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم يخلصوا العبادة له - عز وجل - … وقوله - سبحانه - { وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } مؤكد لما قبله ، ومقرر له . أى ليعلم أهل الكتاب عدم قدرتهم على الظفر بشىء من فضل الله إلا إذا آمنوا بالله ورسله … وليعلموا - أيضا - أن الفضل والعطاء بيد الله - تعالى - وحده ، يمنحه لمن يشاء ويختار من عباده ، وهو - سبحانه - صاحب الفضل الواسع العظيم . وعلى هذا التفسير الذى سرنا عليه يكون المقصود من الآيتين تحريض المؤمنين من هذه الأمة على الثبات على تقوى الله - تعالى - واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - فى كل ما جاء به ، وتبشيرهم بالعطاء الجزيل إذا ما فعلوا ذلك . والرد على المتفاخرين من أهل الكتاب ، الذين زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأنهم ليس أحد أفضل منهم ، وأن الأجر ثابت لهم سواء آمنوا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - أم استمروا على كفرهم . قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين الآيتين لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين ، أنزل الله هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ … } فى حق هذه الأمة . وهى كقوله - تعالى - { يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } ومما يؤيد هذا القول - أى أن هذه الآية فى حق هذه الأمة - ما رواه الإِمام أحمد عن ابن عمر قال " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال من يعمل لى من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت اليهود . ثم قال من يعمل لى من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت النصارى . ثم قال من يعمل لى من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ ألا فأنتم الذين عملتم فغضبت النصارى واليهود ، وقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء . قال هل ظلمتكم من أجركم شيئا ، قالوا لا قال فإنما هو فضلى أوتيه من أشاء " . ويرى بعض المفسرين أن الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب ، فيكون المعنى يا من آمنتم بموسى وبعيسى وبمحمد - عليهم الصلاة والسلام - اتقوا الله وآمنوا برسوله - صلى الله عليه وسلم - واثبتوا على ذلك ، يؤتكم الله - تعالى - كفلين من رحمته . وليعلم الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب ، أنهم لن ينالوا شيئا مما ناله المؤمنون منهم . ومن المفسرين الذين ساروا على هذا التفسير الإِمام ابن جرير ، فقد قال - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية يقول - تعالى ذكره - يأيها الذين صدقوا الله ورسوله من أهل الكتابين التوراة والإِنجيل ، خافوا الله ، وآمنوا برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم . . أى يؤتكم أجرين لإِيمانكم بعيسى وبمحمد - عليهما الصلاة والسلام - . ويبدو لنا أن الخطاب فى هذه الآية للمؤمنين من هذه الأمة ، على سبيل الحض والتبشير ، وأن قوله - تعالى - بعد ذلك { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ … } واضح فى ذلك ، وأن جعل الخطاب لمؤمنى أهل الكتاب لا دليل عليه . ولذا قال بعض المحققين هذه الآية الكريمة من سورة الحديد ، فى المؤمنين من هذه الأمة ، وأن سياقها واضح فى ذلك ، وأن من زعم من أهل العلم أنها فى أهل الكتاب فقد غلط ، وأن ما وعد الله به المؤمنين من هذه الأمة ، أعظم مما وعد به مؤمنى أهل الكتاب . وبعد فهذا تفسير لسورة " الحديد " نسأل الله - تعالى - ان يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده - وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .