Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 1-4)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما أخرجه الإِمام أحمد عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن خولة بنت ثعلبة قالت فىَّ والله وفى - زوجى - أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة . قالت " كنت عنده ، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه ، قالت فدخل على يوما فراجعته بشىء فغضب ، فقال أنت على كظهر أمى . قالت ثم خرج فجلس فى نادى قومه ساعة ، ثم رجع ، فإذا هو يريدنى عن نفسى ، فقالت له كلا والذى نفس خوله بيده لا تخلص إلىَّ ، وقلت ما قلت ، حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه … قالت فواثبنى ، فامتنعت عنه ، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عنى . ثم خرجت إلى بعض جاراتى ، فاستعرت منها ثيابا ، ثم خرجت حتى جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلست بين يديه ، فذكرت له - صلى الله عليه وسلم - ما لقيت من زوجى ، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه . قالت فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " يا خويلة ، ابن عمك شيخ كبير فاتى الله فيه " . قالت فوالله ما برحت حتى نزل فىَّ قرآن ، فتغشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يتغشاه ، ثم سرى عنه ، فقال لى " يا خويلة قد أنزل الله فيك وفى صاحبك قرآنا " . ثم قرأ على هذه الآيات " . وفى رواية " أنها أتت النبى - صلى الله عليه وسلم - فقالت له يا رسول الله ، إن أوساً تزوجنى وأنا شابة مرغوب فى ، فلما خلا سنى ، ونثرت بطنى ، جعلنى عليه كأمه ، وتركنى إلى غير أحد ، فإن كنت تجد لى رخصة يا رسول الله فحدثنى بها . فقال - صلى الله عليه وسلم - " ما أمرت بشىء فى شأنك حتى الآن " وفى رواية أنه قال لها " ما أراك إلا قد حرمت عليه " . فقالت يا رسول الله ، إنه ما ذكر طلاقا ، وأخذت تجادل النبى - صلى الله عليه وسلم - ثم قالت اللهم إنى أشكو إليك فافتى ، وشدة حالى ، وإن لى من زوجى أولاداً صغاراً ، إن ضمَّهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلى جاعوا . قالت وما برحت حتى نزل القرآن ، فقال - صلى الله عليه وسلم - " يا خولة أبشرى " ثم قرأ على هذه الآيات " . و " قد " فى قوله - تعالى - { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } للتحقيق ولتوقع الإِجابة من الله - تعالى - على ما جادلت فيه تلك المرأة النبى - صلى الله عليه وسلم - . قال صاحب الكشاف " فإن قلت ما معنى " قد " فى قوله { قَدْ سَمِعَ … } ؟ قلت " معناه التوقع ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله - تعالى - مجادلتها وشكواها ، وينزل فى ذلك ما يفرج كربها " . والسماع فى قوله - تعالى - { سَمِعَ } بمعنى علم الله - تعالى - التام بما دار بين تلك المرأة ، وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - سبحانه - لشكواها ، وحكمه فى تلك المسألة ، بما يبطل ما كان شائعاً بشأنها قبل نزول هذه الآية . وقوله { تُجَادِلُكَ } من المجادلة ، وهى المفاوضة على سبيل المغالبة والمنازعة ، وأصلها من جدلت الحبل إذا أحكمت فتله . وقوله { تَشْتَكِيۤ } من الشكو ، وأصله فتح الشَّكوة - وهى سقاء صغير يجعل فيه الماء - وإظهار ما فيها ، ثم شاع هذا الاستعمال فى إظهار الإِنسان لما يؤلمه ويؤذيه ، وطلب إزالته . والمعنى قد سمع الله - تعالى - سماعا تاما ، قول هذه المرأة التى تجادلك - أيها الرسول الكريم - فى شأن ما دار بينها وبين زوجها ، وفيما صدر عنه فى حقها من الظهار ، وسمع - سبحانه - شكواها إليه ، والتماسها منه - عز وجل - حل قضيتها ، وتفريج كربتها ، وإزالة ما نزل بها من مكروه . وقال - سبحانه - { ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ } بأسلوب الاسم الموصول للإِشعار بأنها كانت فى نهاية الجدال والشكوى ، وفى أقصى درجات التوكل على ربها ، والأمل فى تفريج كربتها ، رحمة بها وبزوجها وبأبنائها . وقوله - سبحانه - { للَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ } جملة حالية ، والتحاور مراجعة الكلام من الجانبين . يقال حاور فلان فلانا فى الكلام إذا راجعه فيما يقوله . أى والحال أن الله - تعالى - يسمع ما يدور بينك - أيها الرسول الكريم - وبين تلك المرأة ، من مراجعة فى الكلام ، ومن أخذ ورد فى شأن قضيتها . والمقصود بذلك ، بيان الاعتناء بشأن هذا التحاور ، والتنويه بأهميته ، وأنه - تعالى - قد تكرم وتفضل بإيجاد التشريع الحكيم لحل هذه القضية . وعبر - سبحانه - بصيغة المضارع ، لزيادة التنويه بشأن ذلك التحاور ، واستحضار صورته فى ذهن السامع ، ليزداد عظة واعتبارا . وجملة { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } تذييل قصد به التعليل لما قبله بطريق التحقيق . أى أنه - سبحانه - يسمع كل المسموعات ، ويبصر كل المبصرات ، على أتم وجه وأكمله ، ومن مقتضيات ذلك ، أن يسمع تحاوركما ، ويبصر ما دار بينكما . قال القرطبى " أخرج ابن ماجة أن عائشة - رضى الله عنها - قالت " تبارك الذى وسع سمعه كل شىء إنى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ، ويخفى على بعضه ، وهى تشتكى زوجها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهى تقول يا رسول الله ! ! أكل شبابى ، ونثرت له بطنى ، حتى إذا كبر سنى . . ظاهر منى ! ! اللهم إنى أشكو إليك . وفى البخارى عن عائشة قالت الحمد لله الذى وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا فى ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله - تعالى - { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } . ثم شرع - سبحانه - فى بيان شأن الظهار فى ذاته ، وفى بيان حكمه المترتب عليه شرعا فقال { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ } . وقوله { يُظَاهِرُونَ } من الظهار ، وهو لغة مصدر ظاهر ، وهو مفاعلة من الظهر . قال الآلوسى والظهار يراد به معان مختلفة راجعة إلى الظهر معنى ولفظا باختلاف الأغراض ، فيقال ظاهر زيد عمراً ، أى قابل ظهره بظهره حقيقة ، وكذا إذا غايظه … وظاهره إذا ناصره باعتبار أنه يقال قوى ظهره إذا نصره " . والمراد به هنا أن يقول الرجل لزوجته أنت على كظهر أمى ، قاصدا بذلك تحريم زوجته على نفسه كتحريم أمه عليه . وكان هذا القول من الرجل لامرأته يؤدى إلى طلاقها منه ، بحيث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وقيل إلى طلاقها منه طلاقاً مؤبدا لا تحل له بعده . وقيل إن هذا القول لم يكن طلاقا من كل وجه ، بل كانت الزوجة تبقى بعده معلقة ، فلا هى مطلقة ، ولا هى غير مطلقة . و " من " فى قوله { مِّن نِّسَآئِهِمْ } بيانية ، لإِفادة أن هذا تشريع عام ، وليس خاصا بخولة بنت ثعلبة ، التى نزلت فى شأنها هذه الآيات . وجملة { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } قائمة مقام الخبر ، ودالة عليه . والمعنى الذين يظاهرون منكم - أيها المؤمنون - من نسائهم بأن يقولوا لهن أنتن علينا كظهر أمهاتنا ، مخطئون فيما يقولون ، فإن زوجاتهم لسن بأمهاتهم . { إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ } أى ليس أمهاتهم على سبيل الحقيقة والواقع إلا النساء اللائى ولدنهم وأرضعنهم ، وقمن برعايتهم فى مراحل الطفولة والصبا والشباب . ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى بقوله { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً } . أى وإن هؤلاء الرجال الذين يقولون لأزواجهم أنتن علينا كظهور أمهاتنا فى الحرمة ، ليتفوهون بما هو منكر من القول ، فى حكم الشرع وفى حكم العقل ، وفى حكم الطبع . وفضلا عن كل ذلك فهو قول كاذب وباطل إذ لم يحرم الله - تعالى - الزوجة على زوجها ، كما حرم عليه أمه . فعلاقة الأزواج بأمهاتهم ، تختلف اختلافا تاما عن علاقتهم بزوجاتهم . وإذاً فالمقصود بهذه الجملة الكريمة التوبيخ على هذا القول ، وهو قول الرجل لزوجته أنت على كظهر أمى ، وذم من ينطق به ، لأنه يعرض مقام الأمهات - وهو مقام فى أسمى درجات الاحترام والتبجيل - - إلى تخيلات قبيحة تصاحب النطق بهذا الكلام . وكعادة القرآن الكريم فى قرن الترهيب بالترغيب ، حتى لا تيأس النفوس من رحمة الله ، ختمت الآية الكريمة بما يدل على فضله - تعالى - . فقال { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } أى وإن الله - تعالى - لكثير العفو والمغفرة ، لمن تاب إليه - سبحانه - وأناب وأقلع عن تلك الأقوال والأفعال التى يبغضها - سبحانه - . ثم أخذت السورة الكريمة فى تفصيل حكم الظهار ، بعد بيان كونه منكرا من القول وزورا ، فقال - تعالى - { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } . وقد اختلف العلماء فى معنى قوله - تعالى - { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } . فمنهم من يرى أن المراد منه ، ثم يرجعون عما قالوا ، قاصدين معاشرة زوجاتهم … أو قاصدين تحليل ما حرموه على أنفسهم بالنسبة لزوجاتهم بسبب الظهار . ومنهم من يرى أن المراد بهذه الجملة العودة إلى ما كانوا يقولونه فى الجاهلية ، بعد أن هداهم الله - تعالى - إلى الإِسلام ، فيكون المعنى ثم يعودون إلى ما كانوا يقولونه فى الجاهلية من ألفاظ الظهار ، التى يبغضها الله - تعالى - . وهذا القول يبدو عليه الضعف من جهة جعله الفعل المضارع الدال على الحال والاستقبال وهو { يُظَاهِرُونَ } ، بمعنى الماضى المنقطع ، ومن جهة جعلهم أن المظاهر بعد الإِسلام ، كان قد ظاهر فى الجاهلية ، مع أن هذا ليس بلازم . إذ لم يثبت أن " أوس بن الصامت " كان قد ظاهر من زوجته فى الجاهلية ، وهذا الحكم إنما هو حق المظاهر فى الإِسلام . ومنهم من يرى أن المراد بهذه الجملة تكرار لفظ الظهار ، فمعنى ثم يعودون لما قالوا ثم يعودون إلى تكرار لفظ الظهار مرة أخرى . وكان أصحاب هذا القول يرون ، أن الكفارة لا تكون إلا بتكرار ألفاظ الظهار ، وهو قول لا يؤيده دليل ، لأنه لم يثبت أن خولة - أو غيرها - كرر عليها زوجها لفظ الظهار أكثر من مرة ، بل الثابت أنه عندما قال لها أنت على كظهر أمى ، ذهبت إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقصت عليه ما جرى بينها بين زوجها . وقد رجح الإِمام ابن جرير الرأى الأول فقال والصواب من القول فى ذلك عندى أن يقال معنى اللام فى قوله { لِمَا قَالُواْ } بمعنى إلى أو فى ، لأ ، معنى الكلام ثم يعودون لنقض ما قالوا من التحريم فيحللونه ، وإن قيل ثم يعودون إلى تحليل ما حرموا ، أو فى تحليل ما حرموا فصواب ، لأن كل ذلك عود له ، فتأويل الكلام ثم يعودون لتحليل ما حرموا على أنفسهم مما أحله الله لهم . والمعنى والذين يظاهرون منكم - أيها المؤمنون - من نسائهم ، ثم يندمون على ما فعلوا ، ويريدون أن يعودوا عما قالوه ، وأن يرجعوا إلى معاشرة زوجاتهم . فعليهم فى هذه الحالة إعتاق رقبة { مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } أى من قبل أن يستمتع أحدهما بالآخر ، أى يحرم عليهما الجماع ودواعيه قبل التكفير . والمراد بالرقبة المملوك ، من تسمية الكل باسم الجزء . واسم الإِشارة فى قوله - سبحانه - { ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } يعود إلى الحكم بالكفارة . أى ذلكم الذى شرعنا لكم - أيها المؤمنون - وهو الحكم بالكفارة إنما شرعناه من أجل أن تتعظوا به ، وتنزجروا عن النطق بالألفاظ التى تؤدى إلى الظهار ، والله - تعالى - خبير ومطلع على كل ما تقولونه من أقوال ، وما تفعلونه من أفعال - وسيحاسبكم على ذلك حسابا دقيقا . وما دام الأمر كذلك ، فافعلوا ما أمركم به ، واجتنبوا ما نهاكم عنه . ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر يسره فى أحكامه فقال { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } . أى ، فمن لم يجد منكم - أيها المؤمنون - رقبة يعتقها ، أو يجد المال الذى يشترى به الرقبة فيعتقها … فعليه فى هذه الحالة ، أن يصوم شهرين متتابعين من قبل أن يستمتع أحدهما بالآخر . { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } أى فمن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين ، لسبب من الأسباب كمرض أو غيره فعليه فى هذه الحالة أن يطعم ستين مسكينا ، بأن يقدم لهم طعاما يكفى لغدائهم وعشائهم بصورة مشبعة . واسم الإِشارة فى قوله { ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } إشارة إلى ما سبق الحديث عنه ، من تشريع يتعلق بالظهار . ومحله إما الرفع على الابتداء ، أو النصب بمضمر معلل بما بعده . أى ذلك واقع ، أو فعلنا ذلك ليزداد إيمانكم بالله ورسوله ، وعملكم بشريعة الإِسلام ، وتنفيذكم للتكاليف التى كلفكم الله - تعالى - بها . { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أى وتلك الأحكام التى ذكرناها لكم هى حدود الله - تعالى - التى لا يجوز تعديها ، فالزموها وقفوا عندها ، وللكافرين الذين يتعدونها ولا يقفون عندها ، عذاب شديد الألم على من ينزل به . هذا ، ومن الأحكام والآداب التى أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى 1 - أن الدعاء متى صدر عن لسان صادق ، وعن قلب عامر باليقين … أجابه الله - تعالى - لصاحبه فى الحال أو فى الوقت الذى يريده - سبحانه - . والدليل على ذلك أن السيدة خولة بنت ثعلبة ، عندما تضرعت إلى الله - تعالى - بالدعاء ، أن يكشف كربها ، وأن يحل قضيتها … أجاب - سبحانه - دعاءها ، وأنزل قرآنا يتلى ، وأحكاما يعمل بها فى شأن الظهار . ورضى الله عن السيدة عائشة فقد قالت الحمد لله الذى وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا فى ناحية البيت . ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله - عز وجل - { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا … } الآيات . وقال القرطبى " المرأة التى اشتكت هى خولة بنت ثعلبة … وقد مر بها عمر بن الخطاب فى خلافته ، والناس معه فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت يا عمر قد كنت تدعى عميرا ، ثم قيل لك يا عمر ، ثم قيل لك يا أمير المؤمنين ، فاتق الله يا عمر ، فإن من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن الحساب خاف العذاب . فقيل له يا أمير المؤمنين ، أتقف هذا الوقوف لتلك المرأة العجوز ؟ فقال والله لو حبستنى من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة . أتدرون من هذه ؟ إنها خولة بنت ثعلبة ، سمع الله قولها من فوق سبع سماوات ، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر " . 2 - أخذ العلماء من قوله - تعالى - { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ … } أنه ليس للنساء ظهار ، فلو ظاهرت امرأة من زوجها لم يلزمها شىء … لأن الحل والعقد ، والتحليل والتحريم فى النكاح ، إنما هو بيد الرجل لا بيد المرأة . ويرى بعضهم أن عليها كفارة يمين ، ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها من مجامعتها . كما أخذ الحنفية والحنابلة والمالكية من هذه الآية ، أن الظهار خاص بالمسلمين ، لأنهم هم المخاطبون ، ولأن غيرهم من الذميين ليسوا من أهل الكفارة . وقال الشافعية كما يصح طلاق الذمى وتترتب عليه أحكامه ، يصح ظهار الذمى وتترتب عليه أحكامه … كذلك أخذ العلماء من هذه الآية صحة ظهار العبد من زوجته ، لأن أحكام النكاح فى حقه ثابتة ، وإذا تعذر عليه العتق والإِطعام . فإنه قادر على الصوم . 3 - يؤخذ من قوله - تعالى - { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً } أن الظهار حرام ، لأن الله - تعالى - قد وصفه بأنه منكر من القول ، وبأنه زور . والفعل الذى يوصف بهذا الوصف ، يجب على المؤمن أن يتنزه عنه . 4 - يرى الحنفية والظاهرية أنه يكفى فى الكفارة بالنسبة للظهار تحرير رقبة حتى ولو كانت كافرة ، لأن الله - تعالى - يقول { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ولو كان الإِيمان شرطا لبينه كما بينه فى كفارة القتل . فوجب أن يطلق ما أطلقه ، وأن يقيد ما قيده ، ويعمل بكل منهما فى موضعه . ويرى جمهور الفقهاء اشتراط الإِيمان فى الرقبة ، لأنه من المعروف حمل المطلق على المقيد إذا كان من جنسه ، وما دام قد ورد النص على كون الرقبة مؤمنة فى بعض الآيات ، فيجب حمل بقية الآيات على ذلك . 5 - دل قوله - تعالى - { مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } على حرمة الجماع قبل التكفير . وألحق بعضهم بالجماع دواعيه من التقبيل ونحوه ، لأن الأصل فى الأحكام أنه إذا حرم شىء منها ، أن يلحق بذلك الشىء المحرم ما يوصل إليه إذ طريق المحرم محرم . ويرى بعضهم أن المحرم إنما هو الجماع فقط ، لأن حرمة الجماع ليست لمعنى يخل بالنكاح ، وعليه فلا يلزم من تحريم الجماع تحريم دواعيه ، فإن الحائض يحرم جماعها دون دواعيه . قال القرطبى ولا يقرب المظاهر امرأته ولا يباشرها ولا يتلذذ بشىء حتى يُكَفِّر ، خلافا للشافعى فى أحد قوليه … فإن وطئها قبل أن يكفر ، استغفر الله - تعالى - وأمسك عنها حتى يكفر كفارة واحدة . وقال مجاهد وغيره عليه كفارتان . 6 - قوله - تعالى - { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ … } صريح فى وجوب تتابع الصوم من غير انقطاع بين الأيام ، فلو أفطر يوما من الشهرين من غير عذر انقطع التتابع ، ولزمه استئناف الصوم من جديد . أما الإِفطار بعذر - كمرض ونحوه - فيرى بعضهم وجوب الاستئناف ، لزوال التتابع الذى صرحت به الآية . ويرى فريق آخر من العلماء ، إن الإِفطار بعذر لا يمنع التتابع . 7 - أخذ العلماء من قوله - تعالى - { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } أن المطلوب من المظاهر أن يطعم هؤلاء المساكين إطعاما يشبعهم فى الغداء والعشاء ، سواء أكان ذلك بالتمليك أم بالإِباحة ، فأيهما وقع من المكفر أجزأه ، وسواء أطعمهم جملة أم متفرقين . وأوجب الشافعية تمليك المساكين … بأن يملك لكل مسكين مُدًّا أو صاعا من غالب قوت البلد الذى يسكنه من عليه الكفارة . أما حكم من عجز عن الكفارة ، فيرى جمهور العلماء أنها لا تسقط عنه ، بل تستقر فى ذمته حتى يتمكن من أدائها ، كسائر الديون والحقوق ، فإنها لا تسقط ، وإنما تبقى فى ذمة من عليه ، حتى يتمكن من أدائها . قال القرطبى " وقد ذكر الله - تعالى - الكفارة هنا مرتبة ، فلا سبيل إلى الصيام إلا عند العجز عن الرقبة ، وكذلك لا سبيل إلى الإِطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام " . هذا ، ومن أراد التوسع فى هذه الأحكام الفقهية ، فعليه يكتب الفروع وببعض كتب التفسير . ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة الذين يحاربون الله ورسوله ، ولا يدركون أنه - سبحانه - معهم أينما كانوا ، ويعلم ما يتناجون به من إثم وعدوان ومعصية للرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ … } .