Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 136-140)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لقد حكت هذه الآيات الكريمة بعض الرذائل التى كانت متفشية فى المجتمع الجاهلى ، أما الرذيلة الأولى فملخصها أنهم كانوا يجعلون من زروعهم وأنعامهم وسائر أموالهم نصيباً لله ونصيباً لأوثانهم ، فيشركونها فى أموالهم فما كان لله صرفوه إلى الضيفان والمساكين ، وما كان للأوثان أنفقوه عليها وعلى سدنتها فإذا رأوا ما جعلوه لله أزكى بدلوه بما للأوثان ، وإذا رأوا ما جعلوه للأوثان أزكى تركوه لها . استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك بأسلوبه الحكيم فيقول { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } . " ذرأ " بمعنى خلق يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءًا أى خلقهم وأوجدهم وقيل . الذرأ الخلق على وجه الاختراع . أى وجعل هؤلاء المشركون مما خلقه الله - تعالى - من الزروع والأنعام نصيباً لله يعطونه للمساكين وللضيوف وغيرهم ، وجعلوا لأصنامهم نصيباً آخر يقدمونه لسدنتها ، وإنما لم يذكر النصيب الذى جعلوه لأصنامهم اكتفاء بدلالة ما بعده وهو قوله { فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } . أى فقالوا فى القسم الأول هذا لله نتقرب به إليه . وقالوا فى الثانى وهذا لشركائنا نتوسل به إليها . وقوله - تعالى - فى القسم الأول { هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ } أى بتقولهم ووضعهم الذى لا علم لهم به ولا هدى . قال الجمل ومن المعلوم أن الزعم هو الكذب ، وإنما نسبوا للكذب فى هذه المقالة مع أن كل شىء لله ، لأن هذا الجعل لم يأمرهم به الله وإنما هو مجرد اختراع منهم . وقال أبو السعود وإنما قيد الأول بالزعم للتنبيه على أنه فى الحقيقة جعل لله - تعالى - غير مستتبع لشىء من الثواب كالتطوعات التى يبتغى بها وجه الله - لا لما قيل من أنه للتنبيه على أن ذلك مما اخترعوه ، فإن ذلك مستفاد من الجعل ولذلك لم يقيد به الثانى ، ويجوز أن يكون ذلك تمهيداً لما بعده على معنى أن قولهم هذا لله مجرد زعم منهم لا يعملون بمقتضاه الذى هو اختصاصه - تعالى - به . ثم فصل - سبحانه - ما كانوا يعملونه بالنسبة للقسمة فقال { فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ } . أى فما كان من هذه الزروع والأنعام من القسم الذى يتقرب به إلى شركائهم ، فإنهم يحرمون الضيفان والمساكين منه ولا يصل إلى الله منه شىء ، وما كان منها من القسم الذى يتقرب به إلى الله عن طريق إكرام الضيف والصدقة ، فإنهم يجورون عليه ويأخذون منه ما يعطونه لسدنة الأصنام وخدامها . فهم يجعلون قسم الأصنام لسدنتها وأتباعها وحدهم ، بينما القسم الذى جعلوه لله بزعمهم ينتقصونه ويضعون الكثير منه فى غير موضعه ، ويقولون إن الله غنى وإن آلهتنا محتاجة . وقد عقب القرآن على هذه القسمة الجائرة بقوله { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أى ساء وقبح حكمهم وقسمتهم حيث آثروا مخلوقا عاجزا عن كل شىء ، على خالق قادر على كل شىء ، فهم بجانب عملهم الفاسد من أساسه لم يعدلوا فى القسمة . هذه هى الرذيلة الأولى من رذائلهم ، أما الرذيلة الثانية فهى أن كثيراً منهم كانوا يقتلون أولادهم ، ويئدون بناتهم لأسباب لا تمت إلى العقل السليم بصلة وقد حكى القرآن ذلك فى قوله . { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } . أى ومثل ذلك التزيين فى قسمة الزروع والأنعام بين الله والأوثان ، زين للمشركين شركاؤهم من الشياطين أو السدنة قتل بناتهم خشية العار أو الفقر فأطاعوهم فيما أمروهم به من المعاصى والآثام . والتزيين التحسين ، فمعنى تزيينهم لهم أنهم حسنوا لهم هذه الأفعال القبيحة ، وحضوهم على فعلها . سموا شركاء لأنهم اطاعوهم فيما امروهم به من قتل الأولاد ، فأشركوهم مع الله فى وجوب طاعتهم ، أو سموا شركاء لأنهم كانوا يشاركون الكفار فى أموالهم التى منها الحرث والأنعام . و { شُرَكَآؤُهُمْ } فاعل { زَيَّنَ } وأخر عن الظرف والمفعول اعتناء بالمقدم واهتماما به ، لأنه موضع التعجب . وقوله { لِيُرْدُوهُمْ } أى ليهلكوهم من الردى وهو الهلاك . يقال ردى - كرضى - أى هلك . وقوله { وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } معطوف على ليردوهم ، أى ليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين اسماعيل - عليه السلام - حتى زالوا عنه إلى الشرك . ويلبسوا مأخوذ من اللبس بمعنى الخلط بين الأشياء التى يشبه بعضها بعضاً وأصله الستر بالثوب ، ومنه اللباس ، ويستعمل فى المعانى فيقال لبس الحق بالباطل يلبسه ستره به . ولبست عليه الأمر . خلطته عليه وجعلته مشتبها حتى لا يعرف جهته ، فأنت ترى أن شركاءهم قد حسنوا لهم القبيح من أجل أمرين إهلاكهم وإدخال الشبهة عليهم فى دينهم عن طريق التخليط والتلبيس . ثم سلى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وهدد أعداءه فقال { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } . أى ولو شاء الله ألا يفعل الشركاء ذلك التزيين أو المشركون ذلك القتل لما فعلوه ، لأنه - سبحانه - لا يعجزه شىء ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات بسبب ما يفعلونه ، بل دعهم وما يفترونه من الكذب ، فإنهم لسوء استعدادهم آثروا الضلالة على الهداية . والفاء فى قوله { فَذَرْهُمْ } فصيحة . أى إذا كان ما قصصناه عليك بمشيئة الله ، فدعهم وافتراءهم ولا تبال بهم ، فإن فيما يشاؤه الله حكما بالغة . ثم حكى القرآن رذيلة ثالثة من رذائلهم المتعددة ، وهى أن أوهام الجاهلية وضلالاتها ساقتهم إلى عزل قسم من أموالهم لتكون حكرا على آلهتهم بحيث لا ينتفع بها أحد سوى سدنتها ، ثم عمدوا إلى قسم من الأنعام فحرموا ركوبها وعمدوا إلى قسم آخر فحرموا أن يذكر اسم الله عليها عند ذبحها أو ركوبها إلى آخر تلك الأوهام المفتراة . استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك فيقول { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ } . حجر بمعنى المحجور أى الممنوع من التصرف فيه ، ومنه قيل للعقل حجر لكون الإِنسان فى منع منه مما تدعوه إليه نفسه من اثام . أى ومن بين أوهام المشركين وضلالتهم أنهم يقتطعون بعض أنعامهم وأقواتهم من الحبوب وغيرها ويقولون هذه الأنعام وتلك الزروع محجورة علينا أى محرمة ممنوعة ، لا يأكل منها إلا من نشاء ، يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء أى لا يأكل منها إلا خدم الأوثان والرجال فقط . وقوله { بِزَعْمِهِمْ } متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل قالوا . أى قالوا ذلك متلبسين بزعمهم الباطل من غير حجة . وقوله { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ } الإِشارة إلى ما جعلوه لآلهتهم ، والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله { أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ } وقوله { حِجْرٌ } صفة لأنعام وحرث ، وقوله { لاَّ يَطْعَمُهَآ } صفة ثانية لأنعام وحرث . هذا هو النوع الأول الذى ذكرته الآية من أنواع ضلالاتهم . أما النوع الثانى فهو قوله - تعالى - { وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا } أى وقالوا مشيرين إلى طائفة أخرى من أنعامهم هذه أنعام حرمت ظهورها فلا تركب ولا يحمل عليها ، يعنون بها البحائر والسوائب والوصائل والحوامى التى كانوا يزعمون أنها تعتق وتقصى لأجل الآلهة . فقوله { وَأَنْعَامٌ } خبر لمبتدأ محذوف والجملة معطوفة على قوله { هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ } . وأما النوع الثالث من أنواع اختراعاتهم الذى ذكرته الآية فهو قوله { وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } . أى وقالوا أيضاً هذه أنعام لا يذكر اسم الله عليها عند الذبح ، وإنما يذكر عليها أسماء الأصنام لأنها ذبحت من أجلها . وقد عقب - سبحانه - على تلك الأقسام الثلاثة الباطلة بقوله { ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ } أى فعلوا ما فعلوا من هذه الأباطيل وقالوا ما قالوا من تلك المزاعم من أجل الافتراء على الله وعلى دينه ، فإنه - سبحانه - لم يأذن لهم فى ذلك ولا رضيه منهم . ثم ختمت الآية بهذا التهديد الشديد حيث قال - سبحانه - { سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أى سيجزيهم الجزاء الشديد الأليم بسبب هذا الافتراء القبيح . ثم يحكى القرآن الرذيلة الرابعة من رذائلهم وملخصها أنهم زعموا أن الأجنة التى فى بطون هذه الأنعام المحرمة ، ما ولد منها حياً فهو حلال للرجال ومحرم على النساء ، وما ولد ميتاً اشترك فى أكله الرجال والنساء . استمع إلى القرآن وهو يفضح زعمهم هذا فيقول { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ } ومرادهم بما فى بطون هذه الأنعام أجنة البحائر والسوائب . أى ومن فنون كفرهم أنهم قالوا ما فى بطون هذه الأنعام المحرمة إذا نزل منها حياً فأكله حلال للرجال دون والنساء ، وإذا نزل ميتاً فأكله حلال للرجال والنساء على السواء . وفى رواية العوفى عن ابن عباس أن المراد بما فى بطونها اللبن ، فقد كانوا يحرمونه على إناثهم ويشربه ذكرانهم وكانت الشاة إذا ولدت ذكراً ذبحوه ، وكان للرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى تركت فلم تذبح ، وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء . قال بعضهم " ومن مباحث اللفظ فى الآية أن قوله " خالصة " فيه وجوه أحدها أن التاء قيد للمبالغة فى الوصف كراوية وداهية فلا يقال إنه غير مطابق للمبتدأ على القول بأنه خبر . وثانيا أن المبتدأ وهو { مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ } مذكر اللفظ مؤنث المعنى ، لأن المراد به الأجنة فيجوز تذكير خبره باعتبار اللفظ وتأنيثه باعتبار المعنى . وثالثها أنه مصدر فتكون العبارة مثل قولهم عطاؤك عافية والمطر رحمة والرخصة نعمة . ورابعها أنه مصدر مؤكد أو حال من المستكن فى الظرف وخبر المبتدأ { لِّذُكُورِنَا } . وقوله { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ } تهديد لهم أى سيجزيهم بما هم أهله من العذاب المهين جزاء وصفهم أو بسبب وصفهم الكذب على الله فى أمر التحليل والتحريم على سبيل التحكم والتهجم بالباطل على شرعه . إنه - سبحانه - حكيم فى أقواله وأفعاله وشرعه ، عليم بأعمال عباده من خير أو شر وسيجازيهم عليها . قال الآلوسى ونصب { وَصْفَهُمْ } - على ما ذهب إليه الزجاج - لوقوعه موقع مصدر يجزيهم فالكلام على تقدير مضاف . أى جزاء وصفهم . وقيل التقدير . سيجزيهم العقاب بوصفهم أى بسببه فلما سقطت الباء نصب وصفهم . ثم قال وهذا كما قال بعض المحققين من بليغ الكلام وبديعه ، فإنهم يقولون ، كلامه يصف الكذب إذا كذب ، وعينه تصف السحر ، أى ساحرة ، وقد يصف الرشاقة ، بمعنى رشيق . مبالغة ، حتى كأن من سمعه أو رآه وصف له ذلك بما يشرحه له . وإلى هنا تكون الآيات الأربعة التى بدأت بقوله - تعالى - { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } … إلخ . قد قصت علينا أربع رذائل من أفعال المشركين وأقوالهم . وإن العاقل ليعجب وهو يستعرض هذه الضلالات - التى حكتها الآيات . يعجب لما تحملوه فى سبيل ضلالاتهم من أعباء مادية وخسائر وتضحيات ، يعجب للعقيدة الفاسدة وكيف تكلف أصحابها الكثير ومع ذلك فهم مصرون على اعتناقها ، وعلى التقيد بأغلالها ، وأوهامها ، وتبعاتها . لكأن القرآن وهو يحكى تلك الرذائل وما تحمله أصحابها فى سبيلها يقول لأتباعه - من بين ما يقول - إذا كان أصحاب العقائد الفاسدة قد ضحوا حتى بفلذات أكبادهم إرضاء لشركائهم … فأولى بكم ثم أولى أن تضحوا فى سبيل عقيدتكم الصحيحة ، وملتكم الحنيفية السمحاء بالأنفس والأموال . هذا وقد عقب القرآن بعد إيراه لتلك الرذائل بقوله . { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ } . قال الإِمام ابن كثير " قد خسر الذين فعلوا هذه الأفاعيل فى الدنيا والآخرة ، أما فى الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم ، وضيقوا على أنفسهم فى أموالهم ، فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم . وأما فى الآخرة فيصيرون إلى أسوأ المنازل بكذبهم على الله وافترائهم " . والتعبير بخسر بدون ذكر مفعول معين يقع عليه الفعل للإِشارة إلى أن خسارتهم خسارة مطلقة من أى تحديد ، فهى خسارة دينية وخسارة دنيوية - كما قال ابن كثير . وقرأ ابن عامر { قَتَّلُوۤاْ } بالتشديد . أى فعلوا ذلك كثيراً ، إذ التضعيف يفيد التكثير . و { سَفَهاً } منصوب على أنه علة لقتلوا أى لخفة عقولهم وجهلهم قتلوا أولادهم . أو منصوب على أنه حال من الفاعل فى قتلوا وهو ضمير الجماعة . والسفه خفة فى النفس لنقصان العقل فى أمور الدنيا أو الدين . وقوله { وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } أى من البحائر والسوائب ونحوهما ، وهو معطوف على { قَتَلُوۤاْ } . ثم بين - سبحانه - نتيجة ذلك القتل والتحريم فقال { قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } أى قد ضلوا عن الصراط المستقيم بأقوالهم وأفعالهم القبيحة وما كانوا مهتدين إلى الحق والصواب . قال الشهاب ، وفى قوله { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } بعد قوله { قَدْ ضَلُّواْ } مبالغة فى نفى الهداية عنهم ، لأن صيغة الفعل تقتضى حدوث الضلال بعد أن لم يكن . فلذا أردف بهذه الحال لبيان عراقتهم فى الضلال ، وإنما ضلالهم الحادث ظلمات بعضها فوق بعض . روى البخارى عن ابن عباس قال إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } . ثم بين - سبحانه - أنه هو الخالق لكل شىء من الزروع والثمار والأنعام التى تصرف فيها المشركون بآرائهم الفاسدة ، وأن من الواجب عليهم أن يستعملوا نعم الله فيما خلقت له فقال - تعالى - { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ … } .