Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 40-45)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَرَأَيْتُكُم } المقصود به أخبرونى ، وكلمة أرأيت فى القرآن تستعمل للتنبيه والحث على الرؤية والتأمل ، فهو استفهام للتنبيه مؤاده أرأيت كذا فإن لم تكن رأيته فانظره وتأمله . والمعنى قل - يا محمد - لهؤلاء المشركين أخبرونى عن حالكم عندما يداهمكم عذاب الله الدنيوى كزلزال مدمر ، أو ريح صرصر عاتية ، أو تفاجئكم الساعة بأهوالها وشدائدها ألستم فى هذه الأحوال تلتجئون إلى الله وحده وتنسون آلهتكم الباطلة ، لأن الفطرة حينئذ هى التى تنطق على ألسنتكم بدون شعور منكم ؟ وما دام الأمر كذلك فلماذا تشركون مع الله آلهة أخرى ؟ إن أحوالكم هذه لتدعو إلى الدهشة والغرابة ، لأنكم تلجأون إليه وحده عند الشدائد والكروب ومع ذلك تعبدون غيره ومن لا يملك ضرا ولا نفعا . والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } للتوبيخ والتقريع والتعجب من حالهم . وجواب الشرط محذوف ، والتقدير إن كنتم صادقين فى أن الأصنام تنفعكم فادعوها . ثم أكد - سبحانه - أنهم عند الشدائد والكروب لا يلجأون إلا إلى الله فقال - تعالى - { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } . بل للإِضراب الانتقالى عن تفكيرهم وأوهامهم ، أى بل تخصونه وحده بالدعاء دون الآلهة ، فيكشف ما تلتمسون كشفه إن شاء ذلك ، لأنه هو القادر على كل شىء { وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } أى تغيب عن ذاكرتكم عند الشدائد والأهوال تلك الأصنام الزائفة والمعبودات الباطلة . وقدم - سبحانه - المفعول على الفعل فى قوله { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ } لإِفادة الاختصاص ، أى لا تدعون إلا إياه ، وذلك يدل على أن المشركين مهما بلغ ضلالهم فإنهم عند الشدائد يتجهون بتفكيرهم إلى القوة الخفية الخالقة لهذا الكون . وفى قوله { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ } استعارة حيث شبه حال إزالة الشر بحال كشف غطاء غامر مؤلم بجامع إزالة الضر فى كل وإحلال السلامة محله . والمقصود فيكشف الضر الذى تدعونه أن يكشفه فالكلام على تقدير حذف مضاف . وجواب الشرط لقوله { إِنْ شَآءَ } محذوف لفهم المعنى ودلالة ما قبله عليه ، أى إن شاء أن يكشف الضر كشفه ، لأنه - سبحانه - لا يسأل عما يفعل . ثم أخذ القرآن فى تسلية النبى صلى الله عليه وسلم وفى بيان أحوال الأمم الماضية فقال - تعالى - { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } . البأساء تطلق على المشقة والفقر الشديد ، وعلى ما يصيب الأمم من أزمات تجتاحها بسبب الحروب والنكبات . والضراء . تطلق على الأمراض والأسقام التى تصيب الأمم والأفراد . والمعنى ولقد أرسلنا من قبلك يا محمد رسلا إلى أقوامهم ، فكان هؤلاء الأقوام أعتى من قومك فى الشرك والجحود ، فعاقبناهم بالفقر الشديد والبلاء المؤلم ، لعلهم يخضعون ويرجعون عن كفرهم وشركهم . فالآية الكريمة تصور لوناً من ألوان العلاج النفسى الذى عالج الله به الأمم التى تكفر بأنعمه ، وتكذب أنبياءه ورسله ، إذ أن الآلام والشدائد علاج للنفوس المغرورة بزخارف الدنيا ومتعها إن كانت صالحة للعلاج . ولقد بين - سبحانه - بعد ذلك . أن تلك الأمم لم تعتبر بما أصابها من شدائد فقال { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } . ولولا هنا للنفى ، أى أنهم ما خشعوا ولا تضرعوا وقت أن جاءهم بأسنا . وقيل إنها للحث والتحضيض بمعنى هلا ، أى فهلا تضرعوا تائبين إلينا وقت أن جاءهم بأسنا . وقد اختار صاحب الكشاف أنها للنفى فقال { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } معناه نفى التضرع ، كأنه قيل . فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا ولكنه جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر فى ترك التضرع إلا عنادهم وقوسة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التى زينها الشيطان لهم " . ثم بين - سبحانه - أن أمرين حالا بينهم وبين التوبة والتضرع عند نزول الشدائد بهم . أما الأمر الأول فهو قسوة قلوبهم ، وقد عبر - سبحانه - عن هذا الأمر الأول بقوله { وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أى غلظت وجمدت وصارت كالحجارة أو أشد قسوة . وأما الأمر الثانى فهو تزيين الشيطان لهم أعمالهم السيئة ، بأن يوحى إليهم بأن ما هم عليه من كفر وشرك وعصيان هو عين الصواب ، وأن ما أتاهم به أنبياؤهم ليس خيراً لأنه يتنافى مع ما كان عليه آباؤهم . هذان هما الأمران اللذان حالا بينهم وبين التضرع إلى الله والتوبة إليه . ثم بين - سبحانه - أنه قد ابتلاهم بالنعم بعد أن عالجهم بالشدائد فلم يرتدعوا فقال - تعالى - { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } . والمعنى فلما أعرضوا عن النذر والعظات التى وجهها إليهم الرسل ، فتحنا عليهم أبواب كل شىء من الرزق وأسباب القوة والجاه . حتى إذا اغتروا وبطروا بما أوتوا من ذلك أخذناهم بغتة فإذا هم متحسرون يائسون من النجاة . ولفاء فى قوله - تعالى - { فَلَمَّا نَسُواْ } لتفصيل ما كان منهم . وبيان ما ترتب على كفرهم من عواقب قريبة وأخرى بعيدة . والمراد بالنسيان هنا الإِعراض والترك . أى تركوا الإِهتداء بما جاء به الرسل حتى نسوه أو جعلوه كالمنسى فى عدم الاعتبار والاتعاظ به لإِصرارهم على كفرهم ، وجمودهم على تقليد من قبلهم . والتعبير بقوله - تعالى - { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } يرسم صورة بليغة لإِقبال الدنيا عليهم من جميع أقطارها بجميع ألوان نعمها ، وبكل قوتها وإغرائها ، فهو اختبار لهم بالنعمة بعد أن ابتلاهم بالبأساء والضراء . وعبر - سبحانه - عن إعطائهم النعمة بقوله { بِمَآ أُوتُوۤاْ } بالبناء للمجهول لأنهم يحسبون أن ذلك بعلمهم وقدرتهم وحدهم ، كما قال قارون من قبل { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } وأضاف - سبحانه - الأخذ إلى ذاته فى قوله { أَخَذْنَاهُمْ } لأنهم كانوا لا ينكرون ذلك ، بل كانوا ينسبون الخلق والإِيجاد إلى الله - تعالى - . وكان الأخذ بغتة ليكون أشد عليهم وأفظع هولا ، أى أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كوننا مباغتين لهم . أو حال كونهم مبغوتين ، فقد فجأهم العذاب على غرة بدون إمهال . وإذا فى قوله { فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } فجائية ، والمبلس الباهت الحزين البائس من الخير ، الذى لا يحير جواباً لشدة ما نزل به من سوء الحال . روى الإِمام أحمد بسنده عن عقبة بن عامر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " وإذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج " ، ثم تلا قوله - تعالى - { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } … الآية . ثم قال - تعالى - { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . الدابر الآخر ، والمعنى فأهلك الله - تعالى - أولئك الأقوام عن آخرهم بسبب ظلمهم وفجورهم ، والحمد لله رب العالمين الذى نصر رسله وأولياءه على أعدائهم ، وفى ختام هذه الآية بقوله { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } تعليم لنا ، إذ أن زوال الظالمين نعمة تستوجب الحمد والثناء على الله - تعالى - . ثم ذكرهم - سبحانه - بنعمه عليهم فى خلقهم وتكوينهم ، وبين لهم إذا سلبهم شيئاً من حواسهم فإنهم لا يتجهون إلا إليه فقال - تعالى - { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ … } .