Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 61, Ayat: 14-14)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والحواريون جمع حوارى . وهم أنصار عيسى - عليه السلام - الذين آمنوا به وصدقوه ، وأخلصوا له ولازموه ، وكانوا عونا له فى الدعوة إلى الحق ، وكانوا اثنى عشر رجلا . يقال فلان حوارى فلان ، أى هو من خاصة أصحابه ، ومنه قول البنى - صلى الله عليه وسلم - فى الزبير بن العوام " لكل نبى حوارى ، وحواريى الزبير " . وأصل الحور شدة البياض والصفاء ، ومنه قولهم فى خالص لباب الدقيق الحوارى ، وفى النساء البيض الحسان الحواريات والحوريات . وسمى الله - تعالى - أصفياء عيسى وأنصاره بذلك لشدة إخلاصهم له ، وطهارة قلوبهم من الغش والنفاق ، فصاروا فى نقائهم وصفائهم كالشىء الأبيض الخالص . والأنصار جمع نصير ، وهو من ينصر غيره نصرا شديدا مؤزرا . والمراد بنصر الله - تعالى - نصر دينه وشريعته ونبيه الذى أرسله بالهدى ، ودين الحق . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو كونوا أنصاراً لله . والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان داوموا وواظبوا على أن تكونوا أنصاراً لدين الله فى كل حال ، كما كان الحواريون كذلك ، عندما دعاهم عيسى - عليه السلام - إلى نصرته والوقوف إلى جانبه . فالكلام محمول على المعنى ، والمقصود منه حض المؤمنين على طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى الاستجابة التامة لما يدعوهم إليه ، كما فعل الحواريون مع عيسى ، حيث ثبتوا على دينهم ، وصدقوا مع نبيهم ، دون أن تنال منهم الفتن أو المصائب . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما وجه صحة التشبيه - وظاهره تشبيه كونهم أنصاراً بقول عيسى { مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } . قلت التشبيه محمول على المعنى ، وعليه يصح ، والمراد كونوا أنصار الله ، كما كان الحواريون أنصار عيسى كذلك حين قال لهم من أنصارى إلى الله . فإن قتل فما معنى قوله { مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } ؟ قلت يجب أن يكون معناه مطابقا لجواب الحواريين { نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ } والذى يطابقه أن يكون المعنى من جندى متوجها إلى نصرة دين الله . والاستفهام فى قوله - تعالى - { مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } للحض على نصرته والوقوف إلى جانبه . وأضافهم - عليه السلام - إليه ، باعتبارهم أنصار دعوته ودينه . وقوله { إِلَى ٱللَّهِ } متعلق بأنصارى ، ومعنى " إلى " الانتهاء المجازى . أى قال عيسى للحواريين على سبيل الامتحان لقوة إيمانهم من الجند المخلصون الذين أعتمد عليهم بعد الله - تعالى - فى نصرة دينه ، وفى التوجه إليه بالعبادة والطاعة وتبليغ رسالته … ؟ فأجابوه بقولهم نحن أنصار دين الله - تعالى - ونحن الذين على استعداد أن نبذل نفوسنا وأموالنا فى سبيل تبليغ دعوته - عز وجل - ومن أجل إعلاء كلمته . وقوله - تعالى - { فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ } مفرع على ما قبله ، لبيان موقف قومه منه . أى قال الحواريون لعيسى عندما دعاهم إلى اتباع الحق نحن أنصار دين الله ، ونحن الذين سنثبت على العهد … أما بقية بنى إسرائيل فقد افترقوا إلى فرقتين فرقة آمنت بعيسى وبما جاء به من عند الله - تعالى - ، وفرقة أخرى كفرت به وبرسالته . وقوله { فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } . بيان للنتائج التى تحققت لكل طائفة من الطائفتين المؤمنين والكافرين . وقوله { ظَاهِرِينَ } من الظهور بمعنى الغلبة ، يقال ظهر فلان على فلان ، إذا تغلب عليه وقهره . أى كان من قوم عيسى من آمن به ، ومنهم من كفر به ، فأيدنا وقوينا ونصرنا الذين آمنوا به ، على الذين كفروا به ، فصار المؤمنون ظاهرين ومنتصرين على أعدائهم بفضله - تعالى - ومشيئته . والمقصود من هذا الخبر حض المؤمنون فى كل زمان ومكان ، على الإِيمان والعمل الصالح ، لأن سنة الله - تعالى - قد اقتضت أن يجعل العاقبة لهم ، كما جعلها لأتباع عيسى المؤمنين ، على أعدائهم الكافرين . قال بعض العلماء وتأويل هذا النص يمكن أن ينصرف إلى أحد معنيين إما أن الذين آمنوا برسالة عيسى - عليه السلام - ، هم المسيحيون إطلاقا ، من استقام ، ومن دخلت فى عقيدته الانحرافات ، وقد أيدهم الله - تعالى - على اليهود الذين لم يؤمنوا به أصلا ، كما حدث فى التاريخ . وإما أن الذين آمنوا هم الذين أصروا على التوحيد فى وجه المؤهلين لعيسى ، والمثلثين وسائر النحل التى انحرفت عن التوحيد . ومعنى أنهم أصبحوا ظاهرين ، أى بالحجة والبرهان ، أو أن التوحيد الذى هم عليه ، هو الذى أظهره الله بهذا الدين الأخير - أى دين الإِسلام - وجعل له الجولة الأخيرة فى الأرض . كما وقع فى التاريخ . هذا المعنى الأخير هو الأرجح والأقرب فى هذا السياق . وبعد فهذا تفسير لسورة " الصف " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصاً لوجهه ، ونافعاً لعباده . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .