Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 7-9)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والاستفهام فى قوله { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } للإِنكار والنفى . والافتراء اختلاق الكذب واختراعه من جهة الشخص دون أن يكون له أساس من الصحة ، وقوله { وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ } جملة حالية . أى ولا أحد أشد ظلما من إنسان يختلق الكذب من عند نفسه على دين الله - تعالى - وشريعته ، والحال أن هذا الإِنسان يدعوه الداعى إلى الدخول فى دين الإِسلام الذى لا يرتضى الله - تعالى - سواه دينا . { وَٱللَّهُ } - تعالى - { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } إلى ما فيه فلاحهم ، لسوء استعدادهم ، وإيثارهم الباطل على الحق . ثم بين - سبحانه - ما يهدف إليه هؤلاء الظالمون من وراء افترائهم الكذب على الدين الحق ، فقال - تعالى - { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ } . والمراد بنور الله دين الإِسلام الذى ارتضاه - سبحانه - لعباده دينا ، وبعث به رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقيل المراد به حججه الدالة على وحدانيته - تعالى - وقيل المراد به القرآن … وهى معان متقاربة . والمراد بإطفاء نور الله محاولة طمسه وإبطاله والقضاء عليه ، بكل وسيلة يستطيعها أعداؤه ، كإثارتهم للشبهات من حول تعاليمه ، وكتحريضهم لمن كان على شاكلتهم فى الضلال على محاربته . والمراد بأفواههم أقوالهم الباطلة الخارجة من تلك الأفواه التى تنطق بما لا وزن له من الكلام . والمعنى يريد هؤلاء الكافرون بالحق ، أن يقضوا على دين الإِسلام ، وأن يطمسوا تعاليمه السامية التى جاء بها النبى - صلى الله عليه وسلم - عن طريق أقاويلهم الباطلة الصادرة عن أفواههم ، من غير أن يكون لها مصداق من الواقع تنطبق عليه ، أو أصل تستند إليه ، وإنما هى أقوال من قبيل اللغو الساقط المهمل الذى لا وزن له ولا قيمة . قال صاحب الكشاف مثَّل حالهم فى طلبهم إبطال نبوة النبى - صلى الله عليه وسلم - بالتكذيب ، بحال من يريد أن ينفخ فى نور عظيم منبثق فى الآفاق يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى فى الإِشراق أو الإِضاءة ، ليطفئه بنفخه ويطمسه . والجملة الكريمة فيها ما فيها من التهكم والاستهزاء بهؤلاء الكافرين ، حيث شبههم - سبحانه - فى جهالاتهم وغفلتهم ، بحال من يريد إطفاء نور الشمس الوهاج ، بنفخة من فمه الذى لا يستطيع إطفاء ما هو دون ذلك بما لا يحصى من المرات . وقوله - تعالى - { وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } بشارة للمؤمنين بأن ما هم عليه من حق ، لا بد أن يعم الآفاق . أى والله - تعالى - بقدرته التى لا يعجزها شىء ، متم نوره ، ومظهر دينه ومؤيد نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولو كره الكافرون ذلك فإن كراهيتهم لظهور دين الله - تعالى - لا أثر لها ولا قيمة . فالآية الكريمة وعد من الله - تعالى - للمؤمنين ، بإظهار دينهم ، وإعلاء كلمتهم ، لكى يزيدهم ذلك ثباتا على ثباتهم ، وقوة على قوتهم . ثم أكد - سبحانه - وعده بإتمام نوره ، وبين كيفية هذا الإِتمام فقال { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ … } . والمراد بالهدى القرآن الكريم المشتمل على الإِرشادات السامية ، والتوجيهات القويمة ، والأخبار الصادقة ، والتشريعات الحكيمة . والمراد بدين الحق دين الإِسلام الذى هو خاتم الأديان . وقوله { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } من الإِظهار بمعنى الإِعلاء والغلبة بالحجة والبرهان ، والسيادة والسلطان . والجملة تعليلية لبيان سبب هذا الإِرسال والغاية منه . والضمير فى " ليظهره " يعود على الدين الحق ، أوعلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أى هو الله - سبحانه - الذى أرسل رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن الهادى للتى هى أقوم . وبالدين الحق الثابت الذى لا ينسخه دين آخر ، وكان هذا الإِرسال لإِظهار هذا الدين الحق على سائر الأديان بالحجة والغلبة . { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } ذلك ، فإن كراهيتهم لا أثر لها فى ظهوره ، وفى إعلائه على جميع الأديان . ولقد أنجز الله - تعالى - وعده ، حيث جعل دين الإِسلام ، هو الدين الغالب على جميع الأديان ، بحججه وبراهينه الدالة على أنه الدين الحق الذى لا يحوم حوله باطل . هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير بعض الأحاديث التى تؤيد ذلك ، ومنها ما ثبت فى الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " إن الله زوى لى الأرض مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتى ما زوى لى منها " . ثم وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين ، أرشدهم فيه إلى ما يسعدهم ، وينجيهم من كل سوء ، فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .