Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 67, Ayat: 23-30)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين - على سبيل تبصيرهم بالحجج والدلائل الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا ، وعلى سبيل التنويع فى الإِرشاد والتوجيه … قل لهم الرحمن - عز وجل - هو الذى أنشأكم وأوجدكم فى كل طور من أطوار حياتكم ، وهو سبحانه - الذى أوجد لكم السمع الذى تسمعون به ، والأبصار التى تبصرون بها الكائنات ، والأفئدة أى والقلوب التى يدركونها بها … ولكنكم - مع كل هذه النعم - { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } خالقكم - عز وجل - . وجمع - سبحانه - الأفئدة والأبصار ، وأفرد السمع ، لأن القلوب تختلف باختلاف مقدار ما تفهمه مما يلقى إليها من إنذار أو تبشير ، ومن حجة أو دليل ، فكان من ذلك تعدد القلوب بتعدد الناس على حسب استعدادهم . وكذلك شأن الناس فيما تنتظمه أبصارهم من آيات الله فى كونه ، فإن أنظارهم تختلف فى عمق تدبرها وضحولته ، فكان من ذلك تعدد المبصرين ، بتعدد مقادير ما يستنبطون من آيات الله فى الآفاق . وأما المسموع فهو بالنسبة للناس جميعا شئ واحد ، هو الحجة يناديهم بها المرسلون ، والدليل يوضحه لهم النبيون . لذلك كان الناس جميعا كأنهم سمع واحد ، فكان إفراد السمع إيذانا من الله بأن حجته واحدة ، ودليله واحد لا يتعدد . وقوله { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } صفة لمصدر محذوف ، أى شكرا قليلا ، و { ما } مزيدة لتأكيد التقليل . وعبر - سبحانه - بقوله { قَلِيلاً } لحضهم على الإِكثار من شكره - تعالى - ، وذلك عن طريق إخلاص العبادة له - عز وجل - ونبذ عبادة غيره . ثم أمره - سبحانه - للمرة الثانية أن يذكرهم بنعمة أخرى فقال { قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } . أى وقل لهم - أيها الرسول الكريم - الرحمن - تعالى - وحده { هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } . أى هو الذى خلقكم وبثكم وكثركم فى الأرض ، إذ الذرء معناه الإِكثار من الموجود … وقوله { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } بيان لمصيرهم بعد انتهاء آجالهم فى هذه الدنيا . أى وإليه وحده - لا إلى غيره - يكون مرجعكم للحساب والجزاء يوم القيامة . ثم حكى - سبحانه - أقوالهم التى تدل على طغيانهم وجهالاتهم فقال { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . والوعد مصدر بمعنى الموعود ، والمقصود به ما أخبرهم به صلى الله عليه وسلم من أن هناك بعثا وحسابا وجزاء … ومن أن العاقبة والنصر للمؤمنين . أى ويقول هؤلاء الجاحدون للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ، على سبيل التهكم والاستهزاء متى يقع هذا الذى تخبروننا عنه من البعث والحساب والجزاء ، ومن النصر لكم لا لنا … ؟ . وجواب الشرط محذوف والتقدير إن كنتم صادقين فيما تقولونه لنا ، فأين هو ؟ إننا لا نراه ولا نحسه . وهنا يأمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم للمرة الثالثة ، أن يرد عليهم الرد الذى يكبتهم فيقول { قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِنْدَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } . أى قل لهم يا محمد علم قيام الساعة ، وعلم اليوم الذى سننتصر فيه عليكم … عند الله - تعالى - وحده ، لأن هذا العلم ليس من وظيفتى . وإنما وظيفتى أنى نذير لكم ، أحذركم من سوء عاقبة كفركم ، فإذا استجبتم لى نجوتم ، وإن بقيتم على كفركم هلكتم . واللام فى قوله { ٱلْعِلْمُ } للعهد أى العلم بوقت هذا الوعد ، عند الله - تعالى - وحده . والمبين اسم فاعل من أبان المتعدى ، أى مبين لما أمرت بتبليغه لكم بيانا واضحا لا لبس فيه ولا غموض . ثم حكى - سبحانه - حالهم عندما يرون العذاب الذى استعجلوه فقال { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } . والفاء فى قوله { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً … } هى الفصيحة . و { لما } ظرف بمعنى حين . و { رأوه } مستعمل فى المستقبل وجئ به بصيغة الماضى لتحقق الوقوع ، كما فى قوله - تعالى - { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ … } و { زُلْفَةً } اسم مصدر لأزلف إزلافا ، بمعنى القرب . ومنه قوله - تعالى - { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ … } أى قربت للمتقين ، وهو حال من مفعول { رَأَوْهُ } . والمعنى لقد حل بالكافرين العذاب الذى كانوا يستعجلونه ويقولون متى هذا الوعد . فحين رأوه نازلا بهم ، وقريبا منهم { سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أى ساءت رؤيته وجوههم ، وحلت عليها غبرة ترهقها قترة . { وَقِيلَ } لهم على سبيل التوبيخ والتأنيب { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } أى هذا هو العذاب الذى كنتم تتعجلون وقوعه فى الدنيا ، وتستهزئون بمن يحذركم منه . فقوله { تَدَّعُونَ } من الدعاء بمعنى الطلب ، أو من الدعوى . و { سِيئَتْ } فعل مبنى للمجهول . وأسند - سبحانه - حصول السوء إلى الوجوه ، لتضمينه معنى كلحت وقبحت واسودت ، لأن الخوف من العذاب قد ظهرت آثاره على وجوههم . وقال - سبحانه - { سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالإِظهار ، ولم يقل وجوههم ، لذمهم بصفة الكفر ، التى كانت السبب فى هلاكهم . ومفعول { تَدَّعُونَ } محذوف . والتقدير وقيل لهم هذا الذى كنتم تدعون عدم وقوعه . قد وقع ، وها أنتم تشاهدونه أمام أعينكم . والجار والمجرور فى قوله { بِهِ } متعلق بتدعون لأنه مضمن معنى تكذبون . والقائل لهم هذا القول هم خزنة النار ، على سبيل التبكيت لهم . ثم أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم للمرة الرابعة ، أن يرد على ما كانوا يتمنونه بالنسبة له ولأصحابه فقال { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } . ولقد كان المشركون يتمنون هلاك النبى صلى الله عليه وسلم وكانوا يرددون ذلك فى مجالسهم ، وقد حكى القرآن عنهم ذلك فى آيات منها قوله - تعالى - { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } أى قل لهم - أيها الرسول الكريم - { أَرَأَيْتُمْ } أى أخبرونى { إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ } . - تعالى - وأهلك - { وَمَن مَّعِيَ } من أصحابى وأتباعى { أَوْ رَحِمَنَا } بفضله وإحسانه بأن رزقنا الحياة الطويلة ، ورزقنا النصر عليكم . فأخبرونى فى تلك الحالة { فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أى من يستطيع أن يمنع عنكم عذاب الله الأليم ، إذا أراد أن ينزله بكم ؟ مما لا شك فيه أنه لن يستطيع أحد أن يمنع ذلك عنكم . قال صاحب الكشاف كان كفار مكة يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين بالهلاك ، فأمر بأن يقول لهم نحن مؤمنون متربصون لإِحدى الحسنيين إما أن نهلك كما تتمنون ، فننقلب إلى الجنة ، أو نرحم بالنصرة عليكم ، أما أنتم فماذا تصنعون ؟ من يجيركم - وأنتم كافرون - من عذاب أليم لا مفر لكم منه . يعنى إنكم تطلبون لنا الهلاك الذى هو استعجال للفوز والسعادة ، وأنتم فى أمر هو الهلاك الذى لا هلاك بعده … والمراد بالهلاك الموت ، وبالرحمة الحياة والنصر بدليل المقابلة ، وقد منح الله - تعالى - نبيه العمر المبارك النافع ، فلم يفارق صلى الله عليه وسلم الدنيا إلا بعد أن بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ودخل الناس فى دين الله أفواجا ، وكانت كلمته هى العليا . والاستفهام فى قوله { أَرَأَيْتُمْ } للإِنكار والتعجيب من سوء تفكيرهم . والرؤية علمية ، والجملة الشرطية بعدها سدت مسد المفعولين . وقال - سبحانه - { فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ } للإِشارة إلى أن كفرهم هو السبب فى بوارهم وفى نزول العذاب الأليم بهم . ثم أمره - سبحانه - للمرة الخامسة ، أن يبين لهم أنه هو وأصحابه معتمدون على الله - تعالى - وحده ، ومخلصون له العبادة والطاعة ، فقال { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا … } أى وقل يا محمد لهؤلاء الجاحدين إذا كنتم قد أشركتم مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة ، فنحن على النقيض منكم ، لأننا أخلصنا عبادتنا للرحمن الذى أوجدنا برحمته ، وآمنا به إيمانا حقا ، وعليه وحده توكلنا وفوضنا أمورنا . وأخر - سبحانه - مفعول { آمَنَّا } وقدم مفعول { تَوَكَّلْنَا } ، للتعريض بالكافرين ، الذين أصروا على ضلالهم ، فكأنه يقول نحن آمنا ولم نكفر كما كفرتم ، وتوكلنا عليه وحده ، ولم نتوكل على ما أنتم متوكلون عليه من أصنامكم وأموالكم وأولادكم … وقوله { فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } مسوق مساق التهديد والوعيد أى فستعلمون فى عاجل أمرنا وآجله ، أنحن الذين على الحق أم أنتم ؟ ونحن الذين على الباطل أم أنتم ؟ … فالمقصود بالآية الكريمة التهديد والإِنذار ، مع إخراج الكلام مخرج الإِنصاف ، الذى يحملهم على التدبر والتفكر لو كانوا يعقلون . ثم أمر - سبحانه - صلى الله عليه وسلم للمرة السادسة ، أن يذكرهم بنعمة الماء الذى يشربونه فقال { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ } . وقوله { غَوْراً } مصدر غارَت البئر ، إذا نضب ماؤها وجف . يقال غار الماء يغورُ غورا ، إذا ذهب وزال … والمعين هو الماء الظاهر الذى تراه العيون ، ويسهل الحصول عليه ، وهو فعيل من معن إذا قرب وظهر . أى وقل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل التوبيخ وإلزام الحجة أخبرونى إن أصبح ماؤكم غائرا فى الأرض ، بحيث لا يبقى له وجود أصلا . فمن يستطيع أن يأتيكم بماء ظاهر على وجه الأرض ، تراه عيونكم ، وتستعملونه فى شئونكم ومنافعكم . إنه لا أحد يستطيع ذلك إلا الله - تعالى - وحده ، فعليكم أن تشكروه على نعمه ، لكى يزيدكم منها .