Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 1-12)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كلمة " الحاقة " مأخوذة من حق الشئ إذا ثبت وجوده ثبوتا لا يحتمل الشك … وهى من أسماء الساعة ، وسميت الساعة بهذا الاسم لأن الأمور تثبت فيها وتَحِق ، خلافا لما كان يزعمه الكافرون من أنه لا بعث ولا حساب ولا جزاء . والهاء فيها يصح أن تكون هاء التأنيث ، فيكون لفظ " الحاقة " صفة لموصوف محذوف ، أى الساعة الحاقة . ويصح أن تكون هاء مصدر ، بزنة فاعلة ، مثل الكاذبة للكذب والباقية للبقاء ، والطاغية للطغيان . وأصلها تاء المرة ، ولكنها لما أريد بها المصدر ، قطع النظر عن المرة ، وصار لفظ " الحاقة " بمعنى الحق الثابت الوقوع . ولفظ " الحاقة " مبتدأ ، و " ما " مبتدأ ثان ، ولفظ الحاقة الثانى ، خبر المبتدأ الثانى ، والجملة من المبتدأ الثانى وخبره ، خبر المبتدأ الأول . قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { ٱلْحَاقَّةُ . مَا ٱلْحَآقَّةُ } يريد القيامة ، سميت بذلك لأن الأمور تَحُق فيها . وقيل سميت بذلك ، لأنها تكون من غير شك . أو لأنها أحقت لأقوام الجنة ، ولأقوام النار ، أو لأن فيها يصير كل إنسان حقيقا بجزاء عمله ، أو لأنها تَحُقُ كل مُحَاق فى دين الله بالباطل . أى تبطل حجة كل مخاصم فى دين الله بالباطل - يقال حاقَقْتهُ فحققته فأنا أُحِقُّه ، إذا غالبتُه فغلبته … والتَّحاق التخاصم ، والاحتقاق الاختصام … و " ما " فى قوله { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } اسم استفهام المقصود به هنا التهويل والتعظيم ، وهى مبتدأ . وخبرها جملة { أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } وما الثانية وخبرها فى محل نصب سادة مسد المفعول الثانى لقوله { أَدْرَاكَ } لأن أدرى يتعدى لمفعولين ، الأول بنفسه والثانى بالباء ، كما فى قوله - تعالى - { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } . وهذا الأسلوب الذى جاءت به هذه الآيات الكريمة ، فيه ما فيه من التهويل من شأن الساعة ، ومن التعظيم لأمرها ، فكأنه - تعالى - يقول يوم القيامة الذى يخوض فى شأنه الكافرون ، والذى تَحِق فيه الأمور وتثبت . أتدرى أى شئ عظيم هو ؟ وكيف تدرى أيها المخاطب ؟ ونحن لم نحط أحدا بكنه هذا اليوم ، ولا بزمان وقوعه ؟ وإنك - أيها العاقل - مهما تصورت هذا اليوم ، فإن أهواله فوق ما تتصور ، وكيفما قدرت لشدائده فإن هذه الشدائد فوق ما قدرت . ومن مظاهر هذا التهويل لشأن يوم القيامة افتتاح السورة بلفظ " الحاقة " الذى قصد به ترويع المشركين ، لأن هذا اللفظ يدل على أن يوم القيامة حق . كما أن تكرار لفظ " ما " ثلاث مرات ، مستعمل - أيضا - فى التهويل والتعظيم ، كما أن إعادة المبتدأ فى الجملة الواقعة خبرا عنه بلفظه ، بأن قال { مَا ٱلْحَآقَّةُ } ولم يقل ما هى يدل أيضا على التهويل . لأن الإِظهار فى مقام الإِضمار يقصد به ذلك ، ونظيره قوله - تعالى - { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } والخطاب فى الآيات الكريمة ، لكل من يصلح له ، لأن المقصود تنبيه الناس إلى أن الساعة حق . وأن الحساب والجزاء فيها حق ، لكى يستعدوا لها بالإِيمان والعمل الصالح . قال بعض العلماء ما مخلصه واستعمال " ما أدراك " غير استعمال " ما يدريك " … فقد روى عن ابن عباس أنه قال كل شئ من القرآن من قوله { وَمَآ أَدْرَاكَ } فقد أدراه ، وكل شئ من قوله { وَمَا يُدْرِيكَ } فقد طوى عنه . فإن صح هذا عنه فمراده أن مفعول " ما أدراك " محقق الوقوع ، لأن الاستفهام فيه للتهويل وأن مفعول " ما يدريك " غير محقق الوقوع لأن الاستفهام فيه للإِنكار ، وهو فى معنى نفى الدراية . قال - تعالى - { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ } وقال - سبحانه - { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } ثم فصل - سبحانه - أحوال بعض الذين كذبوا بالساعة ، وبين ما ترتب على تكذيبهم من عذاب أليم فقال { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ . فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ . وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } . وثمود هم قوم صالح - عليه السلام - ، سموا بذلك باسم جدهم ثمود . وقيل سموا بذلك لقلة المياه التى كانت فى مساكنهم ، لأن الثمد هو الماء القليل . وكانت مساكنهم بين الحجاز والشام . وما زالت أماكنهم معروفة باسم قرى صالح وتقع بين المملكة الأردنية الهاشمية ، والمملكة العربية السعودية . وقد ذكرت قصتهم فى سور الأعراف ، وهود ، والشعراء ، والنمل ، والقمر … إلخ . وأما عاد فهم قبيلة عاد ، وسموا بذلك نسبة إلى جدهم الذى كان يسمى بهذا الاسم ، وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن - والأحقاف جمع حِقف وهو الرمل الكثير المائل … وينتهى نسب عاد وثمود إلى نوح - عليه السلام - . والقارعة اسم فاعل من قرعه ، إذا ضربه ضربا شديدا ، ومنه قوارع الدهر ، أى شدائده وأهواله ، ويقال قرع فلان البعير ، إذا ضربه ومنه قولهم العبد يقرع بالعصا . ولفظ القارعة ، من أسماء يوم القيامة ، وسمى يوم القيامة بذلك ، لأنه يقرع القلوب ويزجرها لشدة أهواله وهو صفة لموصوف محذوف ، أى بالساعة القارعة . والطاغية من الطغيان وهو تجاوز الحد ، والمراد بها هنا الصاعقة أو الصيحة التى أهلكت قوم ثمود ، كما قال - تعالى - { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } ولفظ الطاغية - أيضا - صفة لموصوف محذوف . والريح الصرصر العاتية هى الريح الشديدة التى يكون لها صوت كالصرير ، كما قال - تعالى - { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } والعاتية من العتو بمعنى الشدة والقوة وتجاوز الحد . أى كذبت قبيلة ثمود ، وقبيلة عاد ، بالقيامة التى تقرع القلوب ، وتزلزل النفوس ، فأما قبيلة " ثمود " فأهلكوا ، بالصيحة أو بالصاعقة ، أو بالرجفة ، التى تجاوزت الحد فى الشدة والهول والطغيان . وأما قبيلة عاد ، فأهلكت بالريح الشديدة ، التى لها صوت عظيم ، والتى تجاوزت كل حد فى قوتها . وابتدأ - سبحانه - بذكر ما أصاب هاتين القبيلتين ، لأنهما أكثر القبائل المكذبة معرفة لمشركى قريش ، لأنهما من القبائل العربية ، ومساكنها كانت فى شمال وجنوب الجزيرة العربية . ثم بين - سبحانه - كيفية نزول العذاب بهم فقال { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } . والتسخير التذليل عن طريق القهر والأمر الذى لا يمكن مخالفته . وحسوما من الحَسْم بمعنى التتابع ، من حسمت الدابة ، إذا تابعت كيها على الداء مرة بعد مرة حتى ينحسم … أو من الحسم بمعنى القطع ، ومنه سمى السيف حساما لأنه يقطع الرءوس ، وينهى الحياة . قال صاحب الكشاف " والحسوم " لا يخلو من أن يكون جمع حاسم ، كشهود وقعود . أو مصدرا كالشكور والكفور ، فإن كان جمعا فمعنى قوله { حُسُوماً } نحسات حسمت كل خير ، واستأصلت كل بركة . أو متتابعة هبوب الرياح ، ما خفتت ساعة حتى أتت عليهم ، تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم فى إعادة الكى على الداء ، كرة بعد كرة حتى ينحسم . وإن كان مصدراً ، فإما أن ينتصب بفعله مضمراً ، أى تحسم حسوما ، بمعنى تستأصل استئصالا ، أو يكون صفة كقولك ذات حسوم … أى أرسل الله - تعالى - على هؤلاء المجرمين الريح التى لا يمكنها التخلف عن أمره ، فبقيت تستأصل شأفتهم ، وتخمد أنفاسهم … { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } أى متتابعة ومتوالية حتى قطعت دابرهم ، ودمرتهم تدميرا . وقوله { حُسُوماً } يصح أن يكون نعتا لسبع ليال وثمانية أيام ، ويصح أن يكون منصوبا على المصدرية بفعل من لفظه ، أى تحسمهم حسوما . ثم صور - سبحانه - هيئاتهم بعد أن هلكوا فقال { فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } والخطاب فى قوله { فَتَرَى … } لغير معين . والفاء للتفريع على ما تقدم والضمير فى قوله { فِيهَا } يعود إلى الأيام والليالى . أو إلى مساكنهم . وقوله { صَرْعَىٰ } أى هلكى ، جمع صريع كقتيل وقتلى ، وجريح وجرحى . والأعجاز جمع عَجُز ، والمراد بها هنا جذوع النخل التى قطعت رءوسها . وخاوية أى ساقطة ، مأخوذ من خوى النجم ، إذا سقط للغروب أو من خوى المكان إذا خلا من أهله وسكانه ، وصار قاعا صفصفا . بعد أن كان ممتلئا بعُمَّارِه . أى أرسل الله - تعالى - على هؤلاء الظالمين الريح المتتابعة لمدة سبع ليال وثمانية أيام ، فدمرتهم تدميرا ، وصار الرائى ينظر إليهم فيراهم وقد ألقوا على الأرض هلكى ، كأنهم فى ضخامة أجسادهم … جذوع نخل ساقطة على الأرض ، وقد انفصلت رءوسها عنها . وعبر - سبحانه - بقوله { فَتَرَى ٱلْقَوْمَ … } لاستحضار صورتهم فى الأذهان ، حتى يزداد المخاطب اعتبارا بأحوالهم ، وبما حل بهم . والتشبيه بقوله { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } المقصود منه تشنيع صورتهم ، والتنفير من مصيرهم السَّيِّئ ، لأن من كان هذا مصيره ، كان جديرا بأن يتحامى ، وأن تجتنب أفعاله التى أدت به إلى هذه العاقبة المهينة . والاستفهام فى قوله { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } للنفى ، والخطاب - أيضا - لكل من يصلح له ، وقوله { بَاقِيَةٍ } صفة لموصوف محذوف … أى فهل ترى لهم من فرقة أو نفس باقية . ثم بين - سبحانه - النهاية السيئة لأقوام آخرين فقال { وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ . فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } . وفرعون هو الذى قال لقومه - من بين ما قال - أنا ربكم الأعلى … وقد أرسل الله - تعالى - إليه نبيه موسى - عليه السلام - ولكنه أعرض عن دعوته … وكانت نهايته الغرق . والمراد بمن قبله الأقوام الذين سبقوه فى الكفر ، كقوم نوح وإبراهيم - عليهما السلام - . والمراد بالمؤتفكات قرى قوم لوط - عليه السلام - التى اقتلعها جبريل - عليه السلام - ثم قلبها بأن جعل عاليها سافلها ، مأخوذ من ائتفك الشئ إذا انقلب رأساً على عقب . قال - تعالى - { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } والمراد بالمؤتفكات هنا سكانها وهم قوم لوط الذين أتوا بفاحشة ما سبقهم إليها أحد من العالمين . وخصوا بالذكر ، لشهرة جريمتهم وبشاعتها وشناعتها … ولمرور أهل مكة على قراهم وهم فى طريقهم إلى الشام للتجارة ، كما قال - تعالى - { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ . وَبِٱلْلَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أى وبعد أن أهلكنا أقوام عاد وثمود … جاء فرعون ، وجاء أقوام آخرون قبله ، وجاء قوم لوط ، وكانوا جميعا كافرين برسلنا ، ومعرضين عن دعوة الحق ومرتكبين للفعلات الخاطئة ، والفواحش المنكرة . ومن مظاهر ذلك أنهم { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ } أى كل أمة من أمم الكفر تلك ، عصت رسولها حين أمرها بالمعروف ، ونهاها عن المنكر . فكانت نتيجة إصرارهم على ارتكاب المعاصى والفواحش … أن أخذهم الله - تعالى - { أَخْذَةً رَّابِيَةً } أى أخذة زائدة فى الشدة - لزيادة قبائحهم - على الأخذات التى أخذ بها غيرهم . فقوله { رَّابِيَةً } مأخوذ من ربا الشئ إذا زاد وتضاعف . وقال - سبحانه - { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ } ولم يقل رسولهم ، للإِشعار بأنهم لم يكتفوا بمعصية الرسول الذى هو بشر مثلهم ، وإنما تجاوزوا ذلك إلى الاستخفاف بما جاءهم به من عند ربهم وخالقهم وموجدهم . والتعبير بالأخذ ، للإِشعار بسرعة الإِهلاك وشدته ، فإذا وصف هذا الأخذ بالزيادة عن المألوف ، كان المقصود به الزيادة فى الاعتبار والاتعاظ لأن هؤلاء جميعا قد أهلكهم - سبحانه - هلاك الاستئصال ، الذى لم يبق منهم باقية . ثم حكى - سبحانه - ما جرى لقوم نوح - عليه السلام - وبين جانبا من مننه ونعمه على المخاطبين ، فقال { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ . لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } وقوله { طَغَا } من الطغيان وهو مجاوزة الحد فى كل شئ ، والجارية صفة لموصوف محذوف . أى اذكروا - أيها الناس - لتعتبروا وتتعظوا ، ما جرى للكافرين من قوم نوح - عليه السلام - فإنهم حين أصروا على كفرهم ، أغرقناهم بالطوفان ، وحين علا الماء واشتد فى ارتفاعه اشتداداً خارقاً للعادة … حملنا آباءكم الذين آمنوا بنوح - عليه السلام - فى السفينة الجارية ، التى صنعها نوح بأمرنا . وحفظناهم - بفضلنا ورحمتنا - فى تلك السفينة إلى أن انتهى الطوفان . وقد فعلنا ذلك { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً } أى لنجعل لكم هذه النعمة وهى إنجاؤكم وإنجاء آبائكم من الغرق - عبرة وعظة وتذكيرا بنعم الله - تعالى - عليكم . وهذه النعمة والمنة { وَتَعِيَهَآ } وتحفظها { أُذُنٌ وَاعِيَة } أى أذن من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه ، وتعى ما يجب وعيه . فقوله { وَاعِيَة } من الوعى بمعنى الحفظ للشئ فى القلب . يقال وعى فلان الشئ يعيه إذا حفظه أكمل حفظ . وقال - سبحانه - { حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } مع أن الحمل كان للآباء الذين آمنوا بنوح - عليه السلام - لأن فى نجاة الآباء ، نجاة للأبناء ، ولأنه لو هلك الآباء لما وجد الأبناء . قال صاحب الكشاف قوله { حَمَلْنَاكُمْ } أى حملنا آباءكم ، فى الجارية ، أى فى السفينة الجارية ، لأنهم إذا كانوا من نسل المحمولين الناجين ، كان حمل آبائهم منة عليهم ، وكأنهم هم المحمولون ، لأن نجاتهم سبب ولادتهم . { لِنَجْعَلَهَا } الضمير للفعلة وهى نجاة المؤمنين وإغراق الكفرة { تَذْكِرَةً } عبرة وعظة . { وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } من شأنها أن تعى وتحفظ ما يجب حفظه ووعيه ، ولا تضيعه بترك العمل . فإن قلت لم قيل أذن واعية على التوحيد والتنكير ؟ قلت للإِيذان بأن الوعاة فيهم قلة ، ولتوبيخ الناس بقلة من يعى منهم ، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله ، فهى السواد الأعظم عند الله ، وأن ما سواها لا يبالى بهم ، وإن ملأوا الخافقين … وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت الناس بأهوال يوم القيامة بأبلغ أسلوب ، وبينت ما حل بالمكذبين بطريقة تبعث الخوف والوجل فى القلوب . ثم أخذت السورة فى تفصيل أهوال يوم القيامة ، وفى بيان ما تكون عليه الأرض والسماء فى هذا اليوم ، وفى بيان ما أعده - سبحانه - لمن أوتى كتابه بيمينه فى هذا اليوم ، فقال - تعالى - { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ … } .