Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 14-18)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى قال إبليس لله - تعالى - أخرنى ولا تمتنى إلى يوم بعث آدم وذريته من القبور ، وهو وقت النفخة الثانية عند قيام الساعة . وقد أراد بذلك النجاة من الموت إذ لا موت بعد البعث . كما أراد بذلك أن يجد فسحة من الإغواء لبنى آدم . وقوله { أَنظِرْنِي } مأخوذ من الإنظار بمعنى الإمهال والتأخير . تقول أنظرته بحقى أنظره إنظارا أى أمهلته . وقوله { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } معناه قال الله - تعالى - له إنك من المؤخرين إلى يوم الوقت المعلوم كما جاء فى قوله - تعالى - { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } وهو - على الراجح - وقت النفخة الأولى فيموت كما يموت غيره . وقيل المراد به الوقت المعلوم فى علم الله أنه يموت فيه . قال ابن كثير أجابه الله - تعالى - إلى ما سأل . لما له فى ذلك من الحكمة والإِرادة والمشيئة التى لا تخالف ولا تمانع ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب . ثم حكى القرآن ما توعد به إبليس آدم وذريته من كيد وأذى فقال { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } . الباء للقسم أو للسببية أى فأقسم بإغوائك إياى ، أو بسبب إغوائك إياى ، لأترصدن لآدم وبنيه على طريق الحق وسبيل النجاة ، كما يترصد قطاع الطرق للسائرين فيها فأصدنهم عنها وأحاول بكل السبل أن أصرفهم عن صراطك المستقيم ، ولن أتكاسل عن العمل على إفسادهم وإضلالهم . والإِغواء خلق الغى بمعنى الضلال . وأصل الغى الفساد ، ومنه غوى الفصيل - كرضى - غوى ، إذا بشم من اللبن ففسدت معدته ، أو منع الرضاع فهزل وكاد يهلك ، ثم استعمل فى الضلال ، يقال غوى يغوى غياً وغواية فهو غاو ، وغوى إذا ضل ، وأغواه غيره أضله . وقوله { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } زيادة بيان لحرص الشيطان على إضلال بنى آدم بشتى الوسائل ، أى آتيهم من الجهات الأربع التى اعتاد العدو أن يهاجم عدوه منها ، والمراد لأسولنّ لهم ولأضلنّهم بحيث لا أفتر عن ذلك ولا أيأس . وقيل إن معنى { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أى من قبل الآخرة لأنها مستقبلة آتية ، وما هو كذلك فكأنه بين الأيدى . { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أى من قبل الدنيا لأنها ماضية بالنسبة إلى الآخرة ولأنها فانية متروكة { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } أى من جهة حسناتهم وسيئاتهم بحيث أزين لهم السيئات وأزهدهم فى الحسنات . وقوله { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } أى مطيعين مستعملين لقواهم وجوارحهم وما أنعم الله به عليهم فى طريق الطاعة والتقرب إلى الله . وإنما قال ذلك لما رآه من الأمارات على طريق الظن كقوله - تعالى - { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ولقد وردت آيات كثيرة وأحاديث متعددة فى التحذير من الشيطان وكيده ، ومن ذلك قوله - تعالى - { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } وجاء فى الحديث الشريف الذى رواه الإِمام أحمد عن سبرة بن الفاكه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ، فقعد له بطريق الإِسلام ، فقال أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك ؟ قال فعصاه فأسلم . ثم قعد له بطريق الهجرة فقال أتهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس فى الطول - أى كالفرس المربوطة بالحبل . قال فعصاه فهاجر . قال ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له هو جهاد النفس والمال . فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال ، قال فعصاه فجاهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك منهم فمات ، كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أو قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة " . وروى الإِمام أحمد وأبو داود والنسائى وغيرهم عن عبد الله بن عمر قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسى . يقول " اللهم إنى أسألك العفو والعافية فى دينى ودنياى وأهلى ومالى . اللهم استر عوراتى وآمن روعاتى اللهم احفظنى من بين يدى ومن خلفى وعن يمينى وعن شمالى ومن فوقى ، وأعوذ بعظمتك ان اغتال من تحتى " . ثم حكى القرآن ما توعد الله به الشيطان وأتباعه فقال { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً } أى اخرج من الجنة أو من تلك الروضة مهانا محقرا . يقال ذأمه يذأمه ذأماً إذا عاقبه وحقره فهو مذءوم ، وقوله { مَّدْحُوراً } أى مطرودا مبعدا . يقال دحره دحرا ودحورا طرده وأبعده . { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } أى لمن أطاعك من الجن والإِنس لأملأن جهنم من كفاركم . كقوله - تعالى - { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } واللام فى قوله { لَّمَن } لتوطئة القسم والجواب { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } ثم حكى القرآن ما أمر الله - تعالى - به آدم فقال { وَيَآءَادَمُ ٱسْكُنْ … } .