Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 178-179)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي } أى من يوفقه الله - تعالى - إلى سلوك طريق الهدى باستعمال عقله وحواسه بمقتضى سنة الفطرة فهو المهتدى حقاً ، الواصل إلى رضوان الله صدقاً . { وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } أى ومن يخذله - سبحانه - بالحرمان من هذا التوفيق بسبب إيثاره السير فى طريق الهوى والشيطان على طريق الهدى والإِيمان ، فأولئك هم الخاسرون لدنياهم وآخرتهم . وأفرد - سبحانه - المهتدى فى الجملة الأولى مراعاة للفظ { مَن } ، وجمع الخاسرين فى الثانية مراعاة لمعناها فإنها من صيغ العموم . وحكمة إفراد المهتدى للإِشارة إلى أن الحق واحد لا يتعدد ولا يتنوع ، وحكمة جمع الثانى وهو قوله { ٱلْخَاسِرُونَ } للإِشارة إلى تعدد أنواع الضلال ، وتنوع وسائله وأساليبه . وقوله { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ } كلام مستأنف مقرر لمضمون ما قبله ومفصل له . و " الذرء " الخلق . يقال ذرأ الله خلقه يذرؤهم ذرءًا ، أى خلقهم . واللام فى { لِجَهَنَّمَ } للعاقبة والصيرورة . أى ولقد خلقنا لدخول جهنم والتعذيب بها كثيراً من الجن والانس وهم الكفار المعرضون عن الآيات وتدبرها ، الذين علم الله منهم أزلا اختيارهم الكفر فشاءه منهم وخلقه فيهم وجعل مصيرهم النار لذلك . ثم بين - سبحانه - صفاتهم التى أدت بهم إلى هذا المصير السيىء فقال . { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } أى لا يفقهون بها الآيات الهادية إلى الكمالات مع أن دلائل الإِيمان مبثوثة فى ثنايا الكون تدركها القلوب المتفتحة ، والبصائر المستنيرة . وجملة { لَهُمْ قُلُوبٌ } فى محل نصب صفة أخرى لقوله { كَثِيراً } وجملة { لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } فى محل رفع صفة لقلوب . وقوله { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } أى لهم أعين لا يبصرون بها ما فى هذا الكون من براهين تشهد بوحدانية الله ، مع أنها معروضة للأبصار مكشوفة للأنظار ، فهم كما قال - تعالى - ، { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } فهم لهم أعين ترى وتبصر ولكن بدون تأمل أو اعتبار ، فكأن وجودها وعدمه سواء . وقوله { وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } أى لا يسمعون بها الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ ، أى أنهم لا ينتفعون بشىء من هذه الجوارح التى جعلها الله سببا للهداية . قال صاحب الكشاف " هم المطبوع على قلوبهم الذين علم الله أنه لا لطف لهم وجعلهم فى أنهم لا يلقون أذهانهم إلى معرفة الحق ، ولا ينظرون بأعينهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار ، ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات سماع تدبر كأنهم عدموا فهم القلوب ، وإبصار العيون واستماع الآذان ، وجعلهم - لإِعراقهم فى الكفر وشدة شكائمهم فيه ، وأنه لا يأتى منهم إلا أفعال أهل النار - مخلوقين للنار ، دلالة على توغلهم فى الموبقات ، وتوغلهم فيما يؤهلهم لدخول النار " . وقوله { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ } أى أولئك الموصفون بتلك الصفات المذكورة كالأنعام السارحة التى لا تنتفع بشىء من هذه الجوارح التى جعلها الله سبباً للهداية . وقوله { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } تنقيص لهم عن رتبة الأنعام ، أى بل هم أسوأ حالا من الأنعام ، إذ أن الأنعام ليس لها سوى الاستعدادات الفطرية التى تهديها أما الإِنسان فقد زود إلى جانب الفطرة بالقلب الواعى ، والعقل المدرك ، والعين المبصرة ، وزود بالقدرة على اتباع الهدى أو اتباع الضلال ، فإذا لم يفتح بصره وقلبه وسمعه على الحق فإنه يكون أضل من الأنعام الموكولة إلى استعداداتها الفطرية . وقوله { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } أى أولئك المنعوتون بما ذكرهم الكاملون فى الغفلة عما فيه صلاحهم وخيرهم وسعادتهم ، بسبب استحواذ الهوى والشيطان عليهم ولا يظلم ربك أحدا . وبعد أن بين - سبحانه - حال المخلوقين لجهنم بسبب غفلتهم وإهمالهم لعقولهم وحواسهم ، أعقبه ببيان العلاج الذى يشفى من ذلك ، وبالنهى عن اتباع المائلين عن الحق فقال - تعالى - { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ … } .