Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 20-25)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - تعالى - { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ } أى ألقى إليهما إبليس الوسوسة ، والوسوسة فى الأصل الصوت الخفى ، ومنه قيل لصوت الحلى . وسواس . والمراد بها هنا الحديث الخفى الذى يلقيه الشيطان فى قلب الإِنسان ليقارف الذنب . وقوله { لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } و { وُورِيَ } من المواراة وهى الستر . والسوءة . فرج الرجل والمرأة ، من السوء . وسميت بذلك ، لأن انكشافها يسوء صاحبها . وقيل الكلام كناية عن إزالة الحرمة وإسقاط الجاه . والمعنى أن إبليس وسوس إلى آدم وحواء بأن يأكلا من الشجرة المحرمة لتكون عاقبة ذلك أن يظهر لهما ما ستر عنهما من عوراتهما ، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر . وفى هذا التعبير تصريح بأن كشف العورة من أقبح الفواحش التى نهى الله - تعالى - عنها . وقد حكى القرآن أن إبليس لم يكتف بالوسوسة ، وإنما خدعهما بقوله { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } . أى قال لهما ما نهاكما عن الأكل من هذه الشجرة إلا كراهية أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين الذين لا يموتون ويبقون فى الجنة ساكنين . وقوله { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } استثناء مفرغ من المفعول لأجله بتقدير مضاف أو حذف حرف النفى ليكون علة . أى كراهية أن تكونا ملكين . ثم حكى القرآن أن إبليس لم يكتف بالوسوسة أو بالقول المجرد ، وإنما أضاف إلى ذلك القسم المؤكد فقال { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } أى أقسم لهما بالله إنه لهما لمن الناصحين المخلصين الذين يسعون لما فيه منفعتهما . قال الآلوسى إنما عبر بصيغة المفاعلة للمبالغة ، لأن من يبارى أحداً فى فعل يجد فيه . وقيل المفاعلة على بابها ، والقسم وقع من الجانبين ، لكنه اختلف متعلقه ، فهو أقسم لهما على النصح وهما أقسما له على القبول . ثم حكى القرآن كيف نجح إبليس فى خداع آدم وحواء فقال { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } . أى فأنزلهما عن رتبة الطاعة إلى رتبة المعصية ، وأطمعهما فى غير مطمع بسبب ما غرهما به من القسم . ودلاهما مأخوذ من التدلية ، وأصله أن الرجل العطشان يدلى فى البئر بدلوه ليشرب من مائها ، فإذا ما أخرج الدلو لم يجد به ماء ، فيكون مدليا فيها بغرور . والغرور إظهار النصح مع إضمار الغش ، وأصله من غررت فلانا أى أصبت غرته وغفلته ونلت منه ما أريد . ثم بين القرآن الآثار التى ترتبت على هذه الخديعة من إبليس لهما فقال { فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } . أى فلما خالفا أمر الله - تعالى - بأن أكلا من الشجرة التى نهاهما الله عن الأكل منها ، أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية ، فتساقط عنهما لباسهما ، وظهرت لهما عوراتهما . وشرعا يلزقان من ورق الجنة ورقة فوق أخرى على عوراتهما لسترها . ويخصفان مأخوذ من الخصف ، وهو خرز طاقات النعل ونحوه بإلصاق بعضها ببعض ، وفعله من باب ضرب . قال بعض العلماء " ولعل المعنى - والله أعلم - أنهما لما ذاقا الشجرة وقد نهيا عن الأكل منها ظهر لهما أنهما قد زلا ، وخلعا ثوب الطاعة ، وبدت منهما سوأة المعصية ، فاستحوذ عليهما الخوف والحياء من ربهما ، فأخذا يفعلان ما يفعل الخائف الخجل عادة من الاستتار والاستخفاء حتى لا يرى ، وذلك بخصف أوراق الجنة عليهما ليستترا بها ، وما لهما إذ ذاك حيلة سوى ذلك . فلما سمعا النداء الربانى بتقريعهما ولومهما ألهما أن يتوبا إلى الله ويستغفرا من ذنبهما بكلمات من فيض الرحمة الإِلهية ، فتاب الله عليهما وهو التواب الرحيم ، وقال لهما فقط أولهما ولذريتهما ، أو لهما ولإِبليس اهبطوا من الجنة إلى الأرض ، لينفذ ما أراد الله من استخلاف آدم وذريته فى الأرض ، وعمارة الدنيا بهم إلى الأجل المسمى . ومنازعة عدوهم لهم فيها ، { إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } ثم بين القرآن ما قاله الله - تعالى - لهما بعد أن خالفا أمره . فقال { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ } بطريق العتاب والتوبيخ { أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ } . أى عن الأكل منها { وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } أى ظاهر العداوة لا يفتر عن إيذائكما وإيقاع الشر بكما . وهنا التمس آدم وحواء من ربهما الصفح والمغفرة { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } أى أضررناها بالمعصية والمخالفة { وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا } ما سلف من ذنوبنا { وَتَرْحَمْنَا } بقبول توبتنا { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } أى لنصيرن من الذين خسروا أنفسهم فى الدنيا والآخرة " . وقد حكى القرآن ما رد به الله على آدم وحواء وإبليس ، فقال { قَالَ ٱهْبِطُواْ } أى من الجنة إلى ما عداها . وقيل الخطاب لآدم وحواء وذريتهما . وقيل الخطاب لهما فقط لقوله - سبحانه - فى آية أخرى { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } والقصة واحدة ، وضمير الجمع لكونهما أصل البشر . وجملة { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } فى موضع الحال من فاعل اهبطوا ، والمعنى اهبطوا إلى الأرض حالة كون العداوة لا تنفك بين آدم وذريته ، وبين إبليس وشيعته { وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } أى موضع استقرار { وَمَتَاعٌ } أى تمتع ومعيشة { إِلَىٰ حِينٍ } أى إلى حين انقضاء آجالكم . قال { فِيهَا } أى فى الأرض { تَحْيَوْنَ } تعيشون { وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } أى يوم القيامة للجزاء ، كما فى قوله - تعالى - { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } وبعد أن قص القرآن على بنى آدم قصة خلقهم وتصويرهم وما جرى بين أبيهم وبين إبليس ، وكيف أن إبليس قد خدع آدم وزوجه خداعا ترتب عليه إخراجهما من الجنة . بعد كل ذلك أورد القرآن أربع نداءات لبنى آدم حضهم فيها على تقوى الله وحذرهم من وسوسة الشيطان وذكرهم بنعمه عليهم ، فقال فى النداء الأول { يَابَنِيۤ ءَادَمَ … } .