Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 71, Ayat: 1-4)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قصة نوح - عليه السلام - مع قومه ، قد وردت فى سور متعددة منها سورة الأعراف ، ويونس ، وهود ، والشعراء ، والعنكبوت . وينتهى نسب نوح - عليه السلام - إلى شيث بن آدم ، وقد ذكر نوح فى القرآن فى ثلاثة وأربعين موضعا . وكان قوم نوح يعبدون الأصنام ، فأرسل الله - تعالى - إليهم نوحا ليدلهم على طريق الرشاد . وقد افتتحت السورة هنا بالأسلوب المؤكد بإنَّ ، للاهتمام بالخبر ، وللاتعاظ بما اشتملت عليه القصة من هدايات وإرشادات . وأن فى قوله { أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ } تفسيرية ، لأنها وقعت بعد أرسلنا ، والإِرسال فيه معنى القول دون حروفه ، فالجملة لا محل لها من الإعراب . ويصح أن تكون مصدرية ، أى بأن أنذر قومك … والإِنذار ، هو الإِخبار الذى معه تخويف . وقوم الرجل هم أهله وخاصته الذين يجتمعون معه فى جد واحد . وقد يقيم الرجل بين الأجانب . فيسميهم قومه على سبيل المجاز للمجاورة . أى إنا قد اقتضت حكمتنا أن نرسل نوحا - عليه السلام - إلى قومه ، وقلنا له يا نوح عليك أن تنذرهم وتخوفهم من عذابنا ، وأن تدعوهم إلى إخلاص العبادة لنا ، من قبل أن ينزل بهم عذاب مؤلم ، لا طاقة لهم بدفعه ، لأن هذا العذاب من الله - تعالى - الذى لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه . وقال - سبحانه - { أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ } ولم يقل أن أنذر الناس ، لإِثارة حماسته فى دعوته ، لأن قوم الرجل يحرص الإِنسان على منفعتهم … أكثر من حرصه على منفعة غيرهم . والآية الكريمة صريحة فى أن ما أصاب قوم نوح من عذاب أليم ، كان بسبب إصرارهم على كفرهم ، وعدم استماعهم إلى إنذاره لهم . ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما قاله نوح لقومه فقال { قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ . أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } . أى قال نوح لقومه - على سبيل التلطف فى النصح ، والتقرب إلى قلوبهم - يا قوم ويا أهلى وعشيرتى إنى لكم منذر واضح الإِنذار ، ولا أسألكم على هذا الإِنذار الخالص أجرا ، وإنما ألتمس أجرى من الله . وإنى آمركم بثلاثة أشياء أن تخلصوا لله - تعالى - العبادة ، وأن تتقوه فى كل أقوالكم وأفعالكم ، وأن تطيعونى فى كل ما آمركم به وأنهاكم عنه . وافتتح كلامه معهم بالنداء { قَالَ يٰقَوْمِ } ، أملا فى لفت أنظارهم إليه ، واستجابتهم له ، فإن النداء من شأنه التنبيه للمنادىَ . ووصف إنذاره لهم بأنه { مُّبِينٌ } ، ليشعرهم بأنه لا لبس فى دعوته لهم إلى الحق ، ولا خفاء فى كونهم يعرفونه ، ويعرفون حرصه على منفعتهم … وقال { إِنِّي لَكُمْ } للإِشارة إلى أن فائدة استجابتهم له ، تعود عليهم لا عليه ، فهو مرسل من أجل سعادتهم وخيرهم . وأمرهم بطاعته ، بعد أمرهم بعبادة الله وتقواه ، لأن طاعتهم له هى طاعة لله - تعالى - كما قال - تعالى - { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } ثم بين لهم ما يترتب على إخلاص عبادتهم لله ، وخشيتهم منه - سبحانه - وطاعتهم لنبيهم فقال { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } . وقوله { يَغْفِرْ } مجزوم فى جواب الأوامر الثلاثة ، و { من } للتبعيض أى يغفر لكم بعض ذنوبكم ، وهى تلك التى اقترفوها قبل إيمانهم وطاعتهم لنبيهم ، أو الذنوب التى تتعلق بحقوق الله - تعالى - دون حقوق العباد . ويرى بعضهم أن " من " هنا زائدة لتوكيد هذه المغفرة . أى يغفر لكم جميع ذنوبكم التى فرطت منكم ، متى آمنتم واتقيتم ربكم ، وأطعتم نبيكم . { وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أى ويؤخر آجالكم إلى وقت معين عنده - سبحانه - ويبارك لكم فيها ، بأن يجعلها عامرة بالعمل الصالح ، وبالحياة الآمنة الطيبة . فأنت ترى أن نوحا - عليه السلام - قد وعدهم بالخير الأخروى وهو مغفرة الذنوب يوم القيامة ، وبالخير الدنيوى وهو البركة فى أعمارهم ، وطول البقاء فى هناء وسلام . قال ابن كثير { وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } أى ويمد فى أعماركم ، ويدرأ عنكم العذاب ، الذى إذا لم تنزجروا عما أنهاكم عنه أوقعه - سبحانه - بكم . وقد يستدل بهذه الآية من يقول إن الطاعة والبر وصلة الرحم . يزاد بها فى العمر حقيقة ، كما ورد به الحديث " صلة الرحم تزيد فى العمر " . وقوله { إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } بمنزلة التعليل لما قبله . أى يغفر لكم - سبحانه - من ذنوبكم ، ويؤخركم إلى أجل معين عنده - تعالى - إن الوقت الذى حدده الله - عز وجل - لانتهاء أعماركم ، متى حضر ، لا يؤخر عن موعده ، { لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أى لو كنتم من أهل العلم لاستجبتم لنصائحى ، وامتثلتم أمرى ، وبذلك تنجون من العقاب الدنيوى والأخروى . قال الآلوسى قوله { لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } . أى لو كنتم من أهل العلم لسارعتم لما آمركم به . لكنكم لستم من أهله فى شئ ، لذا لم تسارعوا ، فجواب لو مما يتعلق بأول الكلام . ويجوز أن يكون مما يتعلق بآخره . أى لو كنتم من أهل العلم لعلمتم ذلك ، أى عدم تأخير الأجل إذا جاء وقته المقدر له . والفعل فى الوجهين منزل منزلة اللازم . ثم قصت علينا الآيات الكريمة بعد ذلك ، ما قاله نوح لربه . على سبيل الشكوى والضراعة ، وما وجهه إلى قومه من نصائح فيها ما فيها من الترغيب والترهيب ، ومن الإِرشاد الحكيم ، والتوجيه السديد … قال - تعالى - { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي … } .