Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 1-19)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
افتتح الله - تعالى - هذه السورة الكريمة بقوله - تعالى - { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } . وللعلماء فى مثل هذا التركيب أقوال منها أن حرف " لا " هنا جئ به ، لقصد المبالغة فى تأكيد القسم ، كما فى قولهم لا والله . قال الآلوسى إدخال " لا " النافية صورة على فعل القسم ، مستفيض فى كلامهم وأشعارهم . ومنه قول امرئ القيس لا وأبيك يا بنة العامرى … يعنى وأبيك . ثم قال وملخص ما ذهب إليه جار الله فى ذلك ، أن " لا " هذه ، إذا وقعت فى خلال الكلام كقوله - تعالى - { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } فهى صلة تزاد لتأكيد القسم ، مثلها فى قوله - تعالى - { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } لتأكيد العلم … ومنها أن " لا " هنا ، جئ بها لنفى ورد كلام المشركين المنكرين ليوم القيامة ، فكأنه - تعالى - يقول لا ، ليس الأمر كما زعموا ، ثم قال أقسم بيوم القيامة الذى يبعث فيه الخلق للجزاء . قال القرطبى وذلك كقولهم لا والله لا أفعل . فلا هنا رد لكلام قد مضى ، وذلك كقولك لا والله إن القيامة لحق ، كأنك أكذبت قوما أنكروها … ومنها أن " لا " فى هذا التركيب وأمثاله على حقيقتها للنفى ، والمعنى لا أقسم بيوم القيامة ولا بغيره ، على أن البعث حق ، فإن المسألة أوضح من أن تحتاج إلى قسم . وقد رجح بعض العلماء القول الأول فقال وصيغة لا أقسم ، صيغة قسم ، أدخل حرف النفى على فعل " أقسم " لقصد المبالغة فى تحقيق حرمة المقسم به ، بحيث يوهم للسامع أن المتكلم يهم أن يقسم به ، ثم يترك القسم مخافة الحنث بالمقسم به فيقول لا أقسم به ، أى ولا أقسم بأعز منه عندى . وذلك كناية عن تأكيد القسم . والمراد بالنفس اللوامة النفس التقية المستقيمة التى تلوم ذاتها على ما فات منها ، فهى - مهما أكثرت من فعل الخير - تتمنى أن لو ازدادت من ذلك ، ومهما قللت من فعل الشر ، تمنت - أيضا - أن لو ازدادت من هذا التقليل . قال ابن كثير عن الحسن البصرى فى هذه الآية إن المؤمن والله ما نراه إلا يلوم نفسه ، يقول ما أردت بكلمتى ؟ ما أردت بأكلتى ؟ … وإن الفاجر يمضى قدما ما يعاتب نفسه . وفى رواية عن الحسن - أيضا - ليس أحد من أهل السموات والأرض إلا يلوم نفسه يوم القيامة . وجواب القسم يفهم من قوله - تعالى - بعد ذلك { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } . والمراد بالإِنسان جنسه . أو المراد به الكافر المنكر للبعث . والاستفهام للتوبيخ والتقريع . وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية أن بعض المشركين قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم يا محمد حدثنى عن يوم القيامة ، فأخبره صلى الله عليه وسلم عنه . فقال المشرك لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك - يا محمد - أو يجمع الله العظام . فنزلت هذه الآية . والمعنى أقسم بيوم القيامة الذى لا شك فى وقوعه فى الوقت الذى نشاؤه ، وأقسم بالنفس اللوامة التقية التى تلوم ذاتها على الخير ، لماذا لم تستكثر منه ، وعلى الشر لماذا فعلته ، لنجمعن عظامكم - أيها الناس - ولنبعثنكم للحساب والجزاء . وافتتح - سبحانه - السورة الكريمة بهذا القسم ، للإِيذان بأن ما سيذكر بعده أمر بهم ، من شأن النفوس الواعية أن تستشرف له ، وأن تستجيب لما اشتمل عليه من هدايات وإرشادات . ووصف - سبحانه - النفس باللوامة بصيغة المبالغة للإِشعار بأنها كريمة مستقيمة تكثر من لوم ذاتها ، وتحض صاحبها على المسارعة فى فعل الخيرات . والعظام المراد بها الجسد ، وعبر عنه بها ، لأنه لا يقوم إلا بها ، وللرد على المشركين الذين استبعدوا ذلك ، وقالوا - كما حكى القرآن عنهم - { مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } وقوله - سبحانه - { بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } تأكيد لقدرته - تعالى - على إحياء الموتى بعد أن صاروا عظاما نخرة ، وإبطال لنفيهم إحياء العظام وهى رميم . و { قَادِرِينَ } حال من فاعل الفعل المقدر بعد بلى . وقوله { نُّسَوِّيَ } من التسوية ، وهى تقويم الشئ وجعله متقنا مستويا ، يقال سوى فلان الشئ إذا جعله متساويا لا عوج فيه ولا اضطراب . والبنان جمع بنانة ، وهى أصابع اليدين والرجلين ، أو مفاصل تلك الأصابع وأطرافها . أى ليس الأمر كما زعم هؤلاء المشركين من أننا لا نعيد الإِنسان إلى الحياة بعد موته للحساب والجزاء ، بل الحق أننا سنجمعه وسنعيده إلى الحياة حالة كوننا قادرين قدرة تامة ، على هذا الجمع لعظامه وجسده ، وعلى جعل أصابعه وأطرافه وأنامله مستوية الخلق ، متقنة الصنع ، كما كانت قبل الموت . وخصت البنان بالذكر ، لأنها أصغر الأعضاء ، وآخر ما يتم به الخلق ، فإذا كان - سبحانه - قادرا على تسويتها مع لطافتها ودقتها ، فهو على غيرها مما هو أكبر منها أشد قدرة . وقوله - تعالى - { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } بيان لحال أخرى من أحوال فجور هؤلاء المشركين وطغيانهم ، وانتقال من إنكار الحسبان إلى الإِخبار عن حال هذا الإِنسان . والفجور يطلق على القول البالغ النهاية فى السوء ، وعلى الفعل القبيح المنكر ، ويطلق على الكذب ، ولذا وصفت اليمين الكاذبة ، باليمين الفاجرة فيكون فجر بمعنى كذب ، وزنا ومعنى . ولفظ " الأمام " يطلق على المكان الذى يكون فى مواجهة الإِنسان ، والمراد به هنا الزمان المستقبل وهو يوم القيامة ، الذى دل عليه قوله - تعالى - بعد ذلك { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } . أى أن هذا الإِنسان المنكر للبعث والحساب لا يريد أن يكف عن إنكاره وكفره ، بل يريد أن يستمر على فجوره وتكذيبه لهذا اليوم بكل إصرار وجحود ، فهو يسأل عنه سؤال استهزاء وتهكم فيقول { أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } أى متى يجئ يوم القيامة هذا الذى تتحدثون عنه - أيها المؤمنون - وتخشون ما فيه من حساب وجزاء ؟ قال القرطبى قوله - تعالى - { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } قال ابن عباس يعنى الكافر . يكذب بما أمامه من البعث والحساب … ودليله { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } . أى يسأل متى يكون ؟ على وجه التكذيب والإِنكار ، فهو لا يقنع بما هو فيه من التكذيب . ولكن يأثم لما بين يديه . ومما يدل أن الفجور التكذيب ، ما ذكره القتبى وغيره ، من أن أعرابيا قصد عمر بن الخطاب ، وشكى إليه نَقْبَ إبله ودَبَرها - أى مرضها وجربها - وسأله أن يحمله على غيرها فلم يحمله . فقال الأعرابى @ أقسم بالله أبو حفص عمر ما مسها من نقب ولا دبر فاغفر له اللهم إن كان فجر @@ يعنى إن كان كذبنى فيما ذكرت … وأعيد لفظ الإِنسان فى هذه الآيات أكثر من مرة ، لأن المقام يقتضى توبيخه وتقريعه ، وتسجيل الظلم والجحود عليه . والضمير فى " أمامه " يجوز أن يعود إلى يوم القيامة . أى بل يريد الإِنسان ليكذب بيوم القيامة ، الثابت الوقوع فى الوقت الذى يشاؤه الله - عز وجل - . ويجوز أن يعود على الإِنسان ، فيكون المعنى بل يريد الإِنسان أن يستمر فى فجوره وتكذيبه بيوم القيامة فى الحال وفى المآل . أى أن المراد بأمامه مستقبل أيامه . وجئ بلفظ " أيان " الدال على الاستفهام للزمان البعيد ، للإِشعار بشدة تكذيبهم ، وإصرارهم على عدم وقوعه فى أى وقت من الأوقات . ثم ساق - سبحانه - جانبا من أهوال يوم القيامة ، على سبيل التهديد والوعيد لهؤلاء المكذبين . فقال { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ . وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ . وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ . يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } . و " برق " - بكسر الراء وفتحها - دهش وفزع وتحير ولمع من شدة شخوصه وخوفه . يقال برق بصر فلان - كفرح ونصر - إذا نظر إلى البرق فدهش وتحير . والمراد بخسوف القمر انطماس نوره ، واختفاء ضوئه . والمراد بجمع الشمس والقمر اقترانهما ببعضهما بعد افتراقهما واختلال النظام المعهود للكون ، اختلالا تتغير معه معالمه ونظمه . وجواب { إذا } قوله { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ } أى فإذا برق بصر الإِنسان وتحير من شدة الفزع والخوف ، بعد أن رأى ما كان يكذب به فى الدنيا . والتعريف فى البصر للاسغراق إذ أبصار الناس جميعا فى هذا اليوم ، تكون فى حالة فزع ، إلا أن هذا الفزع يتفاوت بينهم فى شدته . { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } أى ذهب ضوؤه . وانطمس نوره . { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } أى وقرن بينهما بعد أن كانا متفرقين . والتصقا بعد أن كانا متباعدين ، وغاب ضوؤهما بعد أن كانا منيرين . { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } أى فإذا ما تم كل ذلك ، يقول الإِنسان فى هذا الوقت الذى يبرق فيه البصر ، ويخسف فيه القمر ، ويجمع فيه بين الشمس والقمر أين المفر . أى أين الفرار من قضاء الله - تعالى - ومن قدره وحسابه . فالمفر مصدر بمعنى الفرار … والاستفهام بمعنى التمنى أى ليت لى مكانا أفر إليه مما أراه . وقوله - سبحانه - { كَلاَّ لاَ وَزَرَ . إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } إبطال لهذا التمنى ، ونفى لأن يكون لهذا الإِنسان مهرب من الحساب . والوزر المراد به الملجأ والمكان الذى يحتمى به الشخص للتوقى مما يخافه ، وأصله ، الجبل المرتفع المنيع ، من الوِزْر وهو الثقل . أى كلا لا وزر ولا ملجأ لك . أيها الإِنسان - من المثول أمام ربك فى هذا اليوم للحساب والجزاء . ومهما طال عمرك ، وطال رقادك فى قبرك … فإلى ربك وحده نهايتك ومستقرك ومصيرك ، فى هذا اليوم الذى لا محيص لك عنه . وقوله - سبحانه - { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } بيان لما يحدث له يوم القيامة ، أى يخبر الإِنسان فى هذا اليوم بما قدم من أعمال حسنة . وبما أخر منها فلم يعملها ، مع أنه كان فى إمكانه أن يعملها ، والمقصود بالآية المجازاة على الأعمال لا مجرد الإِخبار . قال الإِمام ابن كثير قوله - تعالى - { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } أى يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها أولها وآخرها ، صغيرها وكبيرها ، كما قال - سبحانه - { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى بقوله { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } . والبصيرة هنا بمعنى الحجة الشاهدة عليه ، وهى خبر عن المبتدأ وهو { ٱلإِنسَانُ } والجار والمجرور متعلق بلفظ بصيرة والهاء فيها للمبالغة ، مثل هاء علامة ونسابة . أى بل الإِنسان حجة بينة على نفسه ، وشاهدة بما كان منه من الأعمال السيئة ، ولو أدلى بأية حجة يعتذر بها عن نفسه . لم ينفعه ذلك . قال صاحب الكشاف { بَصِيرَةٌ } أى حجة بينة ، وصفت بالبصارة على المجاز ، كما وصفت الآيات بالإِبصار فى قوله { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً } أو عين بصيرة والمعنى أنه ينبأ بأعماله ، وإن لم ينبأ ففيه ما يجزئ عن الإِنباء ، لأنه شاهد عليها بما عملت ، لأن جوارحه تنطق بذلك ، كما قال - تعالى - { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } أى ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه ويجادل عنها . وعن الضحاك ولو أرخى ستوره ، وقال المعاذير الستور ، واحدها معذار ، فإن صح فلأنه يمنع رؤية المحتجب ، كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب . فإن قلت أليس قياس المعذرة أن تجمع معاذر لا معاذير ؟ قلت المعاذير ليس بجمع معذرة ، إنما هو اسم جمع لها . ونحوه المناكير فى المنكر . فالمقصود بهاتين الآيتين بيان أن الإِنسان لن يستطيع أن يهرب من نتائج عمله مهما حاول ذلك ، لأن جوارحه شاهدة عليه ، ولأن أعذاره لن تكون مقبولة ، لأنها جاءت فى غير وقتها ، كما قال - تعالى - { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } . ثم أرشد الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم إلى ما يجب عليه عند تبليغ القرآن إليه عن طريق الوحى . فقال - سبحانه - { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } . والضمير فى { به } يعود إلى القرآن الكريم المفهوم من المقام . والمراد بقوله { لاَ تُحَرِّكْ } نهيه صلى الله عليه وسلم عن التعجيل فى القراءة . والمقصود بقوله قرآنه ، قراءته عليك ، وتثبيته على لسانك وفى قلبك بحيث تقرؤه متى شئت فهو مصدر مضاف لمفعوله . قال الآلوسى قوله { وَقُرْآنَهُ } أى إثبات قراءته فى لسانك ، فالقرآن هنا ، وكذا فيما بعده ، مصدر كالرجحان بمعنى القراءة … مضاف إلى المفعول وقيل قرآنه ، أى تأليفه على لسانك … أى لا تتعجل - أيها الرسول الكريم - بقراءة القرآن الكريم عندما تسمعه من أمين وحينا جبريل - عليه السلام - ، بل تريث وتمهل حتى ينتهى من قراءته ثم اقرأ من بعده ، فإننا قد تكفلنا بجمعه فى صدرك وبقراءته عليك عن طريق وحينا ، وما دام الأمر كذلك ، فمتى قرأ عليك جبريل القرآن فاتبع قراءته ولا تسبقه بها ، ثم إن علينا بعد ذلك بيان ما خفى عليك منه ، وتوضيح ما أشكل عليك من معانيه . قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه هذا تعليم من الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم فى كيفية تلقيه الوحى من الملك ، فإنه كان يبادر إلى أخذه ، ويسابق الملك فى قراءته . روى الشيخان وغيرهما عن ابن عباس قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة ، فكان يحرك شفتيه - يريد أن يحفظه مخافة أن يتفلت منه شئ ، أو من شدة رغبته فى حفظه - فأنزل الله - تعالى - هذه الآيات . فأنت ترى أن الله - تعالى - قد ضمن لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يجمع له القرآن فى صدره وأن يجريه على لسانه ، بدون أى تحريف أو تبديل ، وأن يوضح له ما خفى عليه منه . قالوا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما نزل عليه الوحى بعد ذلك بالقرآن ، أطرق وأنصت ، وشبيه بهذه الآيات قوله - سبحانه - { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } ثم عادت السورة الكريمة مرة أخرى إلى الحديث عن يوم القيامة ، وعن أحوال الناس فيه ، وعن حالة الإِنسان فى وقت الاحتضار ، وعن مظاهر قدرته - تعالى - وعن حكمته فى البعث والحساب والجزاء ، فقال - سبحانه - { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ … } …