Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 1-15)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

للمفسرين فى معنى هذه الصفات الخمس " المرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والملقيات " اتجاهات ، فمنهم من صدر تفسيره ببيان أن المراد بها الملائكة . فقد قال صاحب الكشاف أقسم الله بطوائف من الملائكة ، أرسلهن بأوامره فعصفن فى مضيهن كما تعصف الرياح ، تخففا فى امتثال أمره . وبطوائف منهن نشرن أجنحتهن فى الجو عند انحطاطهن بالوحى ، أو نشرن الشرائع فى الأرض … ففرقن بين الحق والباطل ، فألقين ذكرا إلى الأنبياء عذرا ، للمحقين ، أو نذرا للمبطلين . فإن قلت ما معنى عرفا ؟ قلت متتابعة كشعر العُرْفِ - أى عرف الفرس - يقال جاءوا عرفا واحدا ، وهم عليه كعرف الضبع إذا تألبوا عليه … ومنهم من يرى أن المراد بالمرسلات وما بعدها الرياح ، فقد قال الجمل فى حاشيته أقسم الله - تعالى - بصفات خمس موصوفها محذوف ، فجعلها بعضهم الرياح فى الكل ، وجعلها بعضهم الملائكة فى الكل … وغاير بعضهم فجعل الصفات الثلاث الأول ، لموصوف واحد هو الرياح وجعل الرابعة لموصوف ثان وهو الآيات ، وجعل الخامسة لموصوف ثالث وهو الملائكة … وسنسير نحن على هذا الرأى الثالث ، لأنه هو تصورنا أقرب الآراء إلى الصواب ، إذ أن هذه الصفات من المناسب أن يكون بعضها للرياح ، وبعضها للملائكة . فيكون المعنى وحق الرياح المرسلات لعذاب المكذبين ، فتعصفهم عصفا ، وتهلكهم إهلاكا شديدا ، فقوله { عَصْفاً } وصف مؤكد للإِهلاك الشديد ، يقال عصفت الريح ، إذا اشتدت ، وعصفت الحرب بالقوم ، إذا ذهبت بهم ، وناقة عصوف ، إذا مضت براكبها مسرعة ، حتى لكأنها الريح . وقوله { وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } أى وحق الرياح التى تنتشر انتشارا عظيما فى الآفاق ، فتأتى بالسحب ، التى تتحول بقدرة الله - تعالى - إلى أمطار غزيرة نافعة . قال ابن كثير - بعد أن ذكر آراء العلماء فى معنى هذه الألفاظ - والأظهر أن المرسلات هى الرياح ، كما قال - تعالى - { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ … } وقال - سبحانه - { وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } وهكذا العاصفات هى الرياح ، يقال عصفت الريح إذا هبت بتصويت ، وكذا { وٱلنَّاشِرَاتِ } هى الرياح التى تنشر السحاب فى آفاق السماء كما يشاء الرب - عز وجل - . وقوله - سبحانه - { فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } يصح أن يكون وصفا للملائكة الذين ينزلون بالشرائع المفرقة بين الحق والباطل ، وبين أهل الحق وأهل الضلال . ويصح أن يكون وصفا للآيات التى أنزلها الله - تعالى - للتمييز بين الخير والشر ، والرشد والغى . وقوله { فَٱلْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً } قال القرطبى هم الملائكة بإجماع ، يلقون كتب الله - تعالى - إلى الأنبياء - عليهم السلام - . فالمراد بالذكر فى قوله { فَٱلْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً } وحى الله - تعالى - الذى يبلغه الملائكة إلى الرسل . وقوله { عُذْراً أَوْ نُذْراً } منصوبان على أنهما بدل اشتمال من قوله { ذكرا } أو مفعول لأجله . أى أن الملائكة يلقون وحى الله - تعالى - إلى أنبيائه ، لإِزالة أعذار المعتذرين عن الإِيمان ، حتى لا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ، ولإِنذار الكافرين والفاسقين ، حتى يقلعوا عن كفرهم وفسوقهم . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } قال صاحب الكشاف فإن قلت ما العذر والنذر ، وبماذا انتصبا ؟ قلت هما مصدران من أعذر إذا محا الإِساءة ، ومن أنذر إذا خوف على فعل كالكفر والنكر ، ويجوز أن يكون جمع عذير ، بمعنى المعذرة ، وجمع نذير بمعنى الإِنذار … وأما انتصابهما فعلى البدل من ذكرا … أو على المفعول له … وجملة { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } جواب القسم ، وجئ بها مؤكدة ، لتقوية تحقيق وقوع الجواب ، وما وعدوا به هو البعث والحساب . أى وحق الرياح المرسلة لعذاب المشركين … وحق الملائكة الذين نرسلهم بوحينا للتفريق بين الحق والباطل ، ولتبليغ رسلنا ما كلفناهم به … إنكم - أيها الكافرون - لمبعوثون ومحاسبون على أعمالكم يوم القيامة الذى لا شك فى وقوعه وحصوله وثبوته . ثم بين - سبحانه - علامات هذا اليوم فقال { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } أى محقت وذهب ضوؤها ، وزال نورها . يقال طمست الشئ ، من باب ضرب - إذا محوته واستأصلت أثره ، { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ } أى شقت أو فتحت ، وتدلت أرجاؤها ، ووهت أطرافها . { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } أى اقتلعت وأزيلت من أماكنها . يقال نسف فلان البناء ينسفه ، إذا قلعه من أصله . { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } أى بلغت وقتها الذى كانت تنتظره ، وهو يوم القيامة ، للقضاء بينهم وبين أقوامهم . فقوله { أُقِّتَتْ } من التوقيت ، وهو جعل الشئ منتهيا إلى وقته المحدد له . قال الآلوسى قوله { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } أى بلغت ميقاتها . وجوز أن يكون المعنى عين لها الوقت الذى تحضر فيه للشهادة على الأمم ، وذلك عند مجئ يوم القيامة … وجواب { إذا } وما عطف عليها فى قوله { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } محذوف ، والتقدير وقع ما وعدناكم به وهو يوم القيامة . وقوله { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ . لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ . وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ . وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } تعليل لبلوغ الرسل إلى الوقت الذى كانوا ينتظرونه لأخذ حقوقهم من أقوامهم الظالمين ، والاستفهام للتهويل والتعظيم من شأن هذا اليوم . أى لأى يوم أخرت الأمور التى كانت متعلقة بالرسل ؟ من تعذيب الكافرين ، وإثابة المتقين … إنها أخرت وأجلت ، ليوم الفصل ، وهو يوم القيامة ، الذى يفصل الله - تعالى - فيه بقضائه العادل بين العباد . { وَمَآ أَدْرَاكَ } ، - أيها المخاطب - { مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } ؟ إنه يوم هائل شديد ، لا تحيط العبارة بكنهه ، ولا يعلم إلا الله - تعالى - وحده مقدار أهواله . ويقال فى هذا اليوم لكل فاسق عن أمر ربه ، ومشرك معه فى العبادة غيره ، { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أى هلاك وحسرة فى هذا اليوم للمكذبين بالحق الذى جاء به الرسل ، وبلغوه إلى أقوامهم . وقد تكررت هذه الآية عشر مرات فى تلك السورة الكريمة ، على سبيل الوعيد والتهديد لهؤلاء المكذبين لرسلهم ، والجاحدين لنعم خالقهم ، والويل أشد السوء والشر ، وهو فى الأصل مصدر بمعنى الهلاك ، وكان حقه النصب بفعل من لفظه أو معناه ، إلا أنه رفع على الابتداء ، للدلالة على ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه . وقوله { يَوْمَئِذٍ } ظرف للويل أو صفة له ، ولذا صح الابتداء به . ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ألوانا من الأدلة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، كإهلاك المكذبين السابقين ، وخلق الأولين والآخرين ، والإِنعام على الناس بالجبال والأنهار … قال - تعالى - { أَلَمْ نُهْلِكِ … } .