Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 41-50)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } الذين صانوا فى دنياهم أنفسهم عن الكفر والفسوق والعصيان ، واعتصموا بالرشد والهدى والإِيمان . سيكونون يوم القيامة { فِي ظِلاَلٍ } الأشجار والقصور ، جمع ظل وهو كل موضع لا تصل إليه الشمس . وفى { عيون } من ماء وعسل ولبن وخمر . وهم - أيضا - فى { فواكه } وهى ما يتفكه به ويتنعم . جمع فاكهة { مِمَّا يَشْتَهُونَ } أى يأكلون من تلك الفواكه ما يشتهونه منها ، بدون تعب فى طلبها ، فهى تحت أيديهم . ويقال لهم - على سبيل التكريم والتشريف - { كلوا } أكلا مريئا { واشربوا } شربا { هنيئا } جزاء { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فى الدنيا من أعمال صالحة . { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أى إنا من شأننا أننا نعطى مثل هذا الجزاء الطيب للمؤمنين الذين أحسنوا أقوالهم وأفعالهم ، وصانوا أنفسهم عن كل مالا يرضينا ، هذا هو جزاء المتقين المحسنين ، أما الكافرون المكذبون ، فيقال لهم مرة ومرات - على سبيل التوبيخ والزجر - { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } . أى { كُلُواْ } فى دنياكم كما تأكل الأنعام { وَتَمَتَّعُواْ } بملذاتكم متاعا { قَلِيلاً } سينتهى عما قريب ، وستلقون فى آخرتكم أشد أنواع العذاب . بسبب أنكم كنتم فى الدنيا دأبكم الإِجرام ، والإِصرار على الكفر والفسوق والعصيان . قال صاحب الكشاف فإن قلت كيف صح أن يقال لهم ذلك فى الآخرة ؟ قلت يقال لهم ذلك فى الآخرة إيذانا بأنهم كانوا فى الدنيا أحقاء بأن يقال لهم ، وكانوا من أهله ، تذكيرا بحالهم السمجة ، وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل ، على النعيم والملك الخالد . وعلل ذلك بكونهم مجرمين ، دلالة على أن كل مجرم ماله إلا الأكل والتمتع أياما قليلة ، ثم البقاء فى الهلاك أبدا . ويجوز أن يكون { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ } كلاما مستأنفا خطابا للمكذبين فى الدنيا … وقوله - سبحانه - { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أى هلاك دائم وعذاب مقيم يوم القيامة للمكذبين ، الذين آثروا المتاع القليل الفانى فى الدنيا ، على النعيم الدائم فى الآخرة . { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ } أى وإذا قيل لهؤلاء المجرمين اركعوا فى الدنيا مع الراكعين ، وأدوا فريضة الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع المؤمنين . إذا قيل لهم ذلك - على سبيل النصح والإِرشاد - صموا آذانهم ، وأصروا واستكبروا استكبارا ، وأبوا أن يصلوا مع المصلين . وعبر عن الصلاة بالركوع ، باعتبار أن الركوع من أهم أركانها ، فهو من باب التعبير بالجزء عن الكل . { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أى هلاك شديد يوم القيامة لهؤلاء المكذبين . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذا التعجيب من أحوالهم التى بلغت النهاية فى القبح والجحود والعناد فقال - تعالى - { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } . والفاء للإِفصاح ، أى إذا كانوا لم يؤمنوا بهذا القرآن المشتمل على أسمى أنواع الهدايات وأحكمها وأوضحها … فبأى حديث بعد القرآن يؤمنون ؟ إنه من المستبعد إيمانهم بعد أن أعرضوا عن كل الحجج التى تهدى إلى الإِيمان ، فالاستفهام فى قوله { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ … } مستعمل فى الإِنكار التعجيبى من حالهم ، والضمير فى " بعده " يعود إلى القرآن ، وهو وإن لم يسبق له ذكر ، فإنه ملحوظ فى أذهانهم ، إذ فى كل وقت يذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم به . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } .