Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 24-26)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال القرطبى قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ … } هذا الخطاب للمؤمنين المصدقين بلا خلاف ، والاستجابة الإِجابة … قال الشاعر @ وداع دعا يا من يجيب إنى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب @@ أى فلم يجبه عند ذاك مجيب . وكان الإِمام القرطبى يرى أن السين والتاء فى قوله " استجيبوا " زائدتان . ولعل الأحسن من ذلك أن تكون السين والتاء للطلب ، لأن الاستجابة هى الإِجابة بنشاط وحسن استعداد . وقوله { لِمَا يُحْيِيكُمْ } أى لما يصلحكم من أعمال البر والخير والطاعة ، التى توصلكم متى تمسكتم بها إلى الحياة الكريمة الطيبة فى الدنيا ، وإلى السعادة التى ليس بعدها سعادة فى الآخرة . وهذا المعنى الذى ذكرناه لقوله { لِمَا يُحْيِيكُمْ } أدق مما ذكره بعضهم من أن المراد بما يحييهم القرآن ، أو الجهاد ، أو العلم … إلخ . وذلك ، لأن أعمال البر والخير والطاعة تشمل كل هذا . والمعنى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله حق الإِيمان ، { ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ } عن طواعية واختيار ، ونشاط وحسن استعداد { إِذَا دَعَاكُم } الرسول - صلى الله عليه وسلم - { لِمَا يُحْيِيكُمْ } أى إلى ما يصلح أحوالكم ، ويرفع درجاتكم ، من الأقوال النافعة ، والأعمال الحسنة ، التى بالتمسك بها تحيون حياة طيبة وتظفرون بالسعادتين الدنيوية والأخروية . والضمير فى قوله { دَعَاكُم } يعود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه هو المباشر للدعوة إلى الله ، ولأن فى الاستجابة له استجابة لله - تعالى - . قال - سبحانه - { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } وقوله { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } تحذير لهم من الغفلة عن ذكر الله ، وبعث لهم على مواصلة الطاعة له - سبحانه - . وقوله { يَحُولُ } من الحول بين الشئ والشئ ، بمعنى الحجز والفصل بينهما . قال الراغب أصل الحول تغير الشئ وانفصاله عن غيره ، وباعتبار التغير قيل حال الشئ يحول حولا واستحال تهيأ لأن يحول وباعتبار الانفصال فيل حال بينى وبينك كذا أى فصل … هذا ، وللمفسرين فى معنى هذه الجملة الكريمة أقوال متعددة أهمها قولان أما القول الأول فهو أن المراد بالحيلولة بين المرء وقلبه - كما يقول ابن جرير - أنه - سبحانه - أملك لقلوب عباده منهم وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك شيئا من إيمان أو كفر ، أو أن يعى به شيئا ، أو أن يفهم إلا بإذنه ومشيئته ، وذلك أن الحول بين الشئ والشئ إنما هو الحجز بينهما ، وإذا حجز - جل ثناؤه - بين عبد وقلبه فى شئ أن يدركه أو يفهمه ، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبيل ، وإذا كان ذلك معناه دخل فى ذلك قول من قال يحول بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإِيمان . وقول من قال يحول بينه وبين عقله . وقول من قال يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه … فالخبر على العموم حتى يخصصه ما يجب التسليم له . وقد رجح ابن جرير هذا القول بعد أن ذكر قبله بعض الأقوال الأخرى . وقال ابن كثير - بعد أن لخص القول الذى رجحه ابن جرير - وقد وردت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله علي وسلم - يقول " إن قلوب بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد ، يصرفها كيف شاء " ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك " . وروى الإِمام أحمد والنسائى وابن ماجه عن النواس بن سمعان الكلابى قال سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول " ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه " . أما القول الثانى فهو أن المراد بالحيلولة بين المرء وقلبه - كما يقول الزمخشرى - " أنه - سبحانه - يميت المرء فتفوته الفرصة التى هو واجدها ، وهى التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ، ورده سليما كما يريده الله ، فاغتنموا هذه الفرصة ، وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله . أو - كما يقول الفخر الرازى - بعبارة أوضح " أن المراد أنه - تعالى - يحول بين المرء وبين ما يتمناه ويريده بقلبه ، فإن الأجل يحول دون الأمل . فكأنه قال بادروا إلى الأعمال الصالحة ولا تعتمدوا على ما يقع فى قلوبكم من توقع طول البقاء ، فإن ذلك غير موثوق به ، وإنما حسن إطلاق لفظ القلب على الأمانى الحاصلة فى القلب ، لأن تسمية الشئ باسم ظرفه جائزة كقولهم سال الوادى . والذى نراه أن القول الثانى أولى بالقبول ، لأن الآية الكريمة ساقته لحض المؤمنين على سرعة الاستجابة للحق الذى دعاهم إليه رسوله صلى الله عليه وسلم والذى باتباعه يحيون حياة طيبة ، وتذكيرهم بيوم الحساب وما فيه من ثواب وعقاب ، كما قال - تعالى - فى ختامها { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } . وليست مسوقة لإِثبات قدرة الله ، وأنه أملك لقلوب عباده منهم وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء . فالمعنى الذى ذكره ابن جرير - وتابعه عليه ابن كثير وغيره ، معنى وجيه فى ذاته ، إذ لا ينكر أحد أن الله مقلب القلوب ومالكها … ولكن ليس مناسبا هنا مناسبة المعنى الذى ذكره الزمخشرى والرازى . لأن الآية التى معنا والتى بعدها صريحتان فى دعوة المؤمنين إلى الاستجابة للحق قبل أن يفاجئهم الموت ، وقبل أن تحل بهم مصيبة لا تصيب الظالمين منهم خاصة . والمعنى الإِجمالى للآية الكريمة { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ } بعزيمة صادقة ، وسرعة فائقة ، { إِذَا دَعَاكُم } الرسول - صلى الله عليه وسلم - { لِمَا يُحْيِيكُمْ } أى لما به تحيون حياة طيبة من الأقوال والأعمال الصالحة { وَاعْلَمُواْ } علما يقينا { أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } أى يحول بين المرء وبين ما يتمناه قلبه من شهوات الدنيا ومتعها فكم من إنسان يؤمل أنه سيفعل كذا غدا ، وسيجمع كذا غدا ، وسيجمع كذا فى المستقبل ، وسيحصل على كذا قريبا … ثم يحول الموت ويفصل بينه وبين آماله وأمانيه … فبادروا إلى اغتنام الأعمال الصالحة من قبل أن يفاجئكم الموت . وقوله { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } تذييل قصد به تذكيرهم بأهوال يوم القيامة . والضمير فى قوله { وَأَنَّهُ } يعود إلى الله تعالى - أو هو ضمير الشأن . أى وأنه - سبحانه - إليه وحده ترجعون لا إلى غيره ، فيحاسبكم على ما قدمتم وما أخرتم ، ويجازى كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر . فأنت ترى أن الآية الكريمة قد جمعت بين الترغيب . فى العمل الصالح بسرعة ونشاط ، وبين الترهيب من التكاسل والغفلة عن طاعة الله . ثم يؤكد - سبحانه - بعد ذلك ترهيبه لهم من التراخى فى تغيير المنكر فيقول { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } . والفتنة من الفتن . وأصله - كما يقول الراغب - إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته ، واستعمل فى إدخال الإِنسان النار . كما فى قوله - تعالى - { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } أى عذابكم . وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب فتنة فيستعمل فيه نحو قوله - تعالى - { أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } وتارة فى الاختيار نحو قوله - تعالى - { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } والمراد بالفتنة هنا العذاب الدنيوي ، كالأمراض ، والقحط ، واضطراب الأحوال ، وتسلط الظلمة ، وعدم الأمان … وغير ذلك من المحن والمصائب والآلام التى تنزل بالناس بسبب غشيانهم الذنوب ، وإقرارهم للمنكرات ، والمداهنة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . والخطاب لجميع فى كل زمان ومكان . فالمعنى داوموا أيها المؤمنون على طاعة الله بقوة ونشاط ، واحذروا من أن ينزل بكم عذاب سيعم عند نزوله الأخيار والفجار والمحسنين والمسيئين . وقوله { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } المراد منه الحث على لزوم الاستقامة خوفا من عقاب الله - تعالى - . أى واعلموا أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره ، وانتهك حرماته . قال صاحب الكشاف وقوله { لاَّ تُصِيبَنَّ } لا يخلو من أن يكون جواباً للأمر ، أو نهيا بعد أمر ، أو صفة لفتنة . فإذا كان جواباً فالمعنى إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم … وإذا كانت نهيا بعد أمر فكأنه قيل واحذروا ذنباً أو عقاباً ، ثم قيل لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله الجميع وليس من ظلم منكم خاصة . فإن قلت كيف جاز دخول النون المؤكدة فى جواب الأمر ؟ قلت لأن فيه معنى النهى - ومتى كان كذلك جاز إدخال النون المؤكدة - كما إذا قلت انزل عن الدابة لا تطرحك أو لا تطرحنك . ومنه قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ } وقوله { خَآصَّةً } منصوب على الحال من الفاعل المستكن فى قوله { لاَّ تُصِيبَنَّ } . ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف . والتقدير إصابة خاصة . هذا ، وقد دلت الآية الكريمة على وجوب الإِقلاع عن المعاصى ، ووجوب محاربة مرتكبيها ، فإن الأمة التى تشيع فيها المعاصى والمظالم والمنكرات … ثم لا تجد من يحاربها ويعمل على إزالتها ، تستحق العقوبة جزاء سكوتها واستخذائها وجبنها . وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية الكريمة نزلت فى حق بعض الصحابة الذين اشتركوا فى واقعة الجمل فيما بعد . ولكن هذا القول غير صحيح لأن الآية الكريمة تخاطب المؤمنين جميعاً فى كل زمان ومكان ، وأمرهم بالبعد عن المعاصى والمنكرات التى تفضى بهم إلى العذاب الدنيوى قبل الأخروى . وليست خاصة بفريق دون فريق . لذا قال ابن كثير والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم هو الصحيح ، ويدل عليه الأحاديث الواردة فى التحذير من الفتن . ومن ذلك ما رواه الإِمام أحمد عن عدى بن عميرة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " إن الله - تعالى - لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة " . وروى الإِمام أحمد أيضاً عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال " ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصى وهم أعز وأكثر ممن يعملون ، ثم لم يغيروه ، إلا عمهم الله بعقاب " . وقال الإِمام القرطبى قال ابن عباس أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب . ففى صحيح مسلم " عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت له يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال " نعم إذا كثر الخبث " . وفى صحيح الترمذى " إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه ، أو شك أن يعمهم الله بعقاب من عنده " . وفى صحيح البخارى والترمذى عن النعمان بن بشير عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا - أى اقترعوا - على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً " . ففى هذا الحديث تعذيب العامة بذنوب الخاصة . قال علماؤنا فالفتنة إذا عمت هلك الكل وذلك عند ظهور المعاصى ، وانتشار المنكر وعدم التغيير . وإذا لم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة والهرب منها . روى ابن وهب عن مالك قال تهجر الأرض التى يصنع فيها المنكر جهارا ولا يستقر فيها . واحتج بصنيع أبى الدرداء فى خروجه عن أرض معاوية حين أعلن بالربا ، فأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها . فإن قيل فقد قال الله - تعالى - { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } وقال { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } وهذا يوجب ألا يؤخذ أحد بذنب أحد ، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب ؟ فالجواب أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على كل من رآه أن يغيره ، فإذا سكت عليه فكلهم عاص هذا بفعله وهذا برضاه ، وقد جعل الله فى حكمه الراضى بمنزلة العامل فانتظم فى العقوبة . وقال بعض العلماء وذكر القسطلانى " أن علامة الرضا بالمنكر عدم التألم من الخلل الذى يقع فى الدين بفعل المعاصى ، فلا يتحقق كون الإِنسان كارها له ، إلا إذا تألم للخلل الذى يقع فى الدين ، كما يتألم ويتوجع لفقد ماله أو ولده . فكل من لم يكن بهذه الحالة ، فهو راض بالمنكر ، فتعمه العقوبة والمصيبة بهذا الاعتبار . وبعد أن أمر - سبحانه - المؤمنين بالاستجابة له ونهاهم عن الوقوع فى المعاصى … أخذ فى تذكيرهم بجانب من فضله عليهم فقال { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ … } . أى { وَٱذْكُرُوۤاْ } يا معشر المؤمنين { إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ } أى وقت أن كنتم قلة مستضعفة فى أرض مكة تحت أيدى كفار قريش . أو فى أرض الجزيرة العربية حيث كانت الدولة لغيركم من الفرس والروم . وقوله { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ } أى تخافون أن يأخذكم أعداؤكم أخذا سريعا . لقوتهم وضعفكم . يقال خطفه - من باب تعب - أى استلبه بسرعة . والمراد بالتذكر فى قوله { وَٱذْكُرُوۤاْ } أن يتنبهوا بعقولهم وقلوبهم إلى نعم الله ، وأن يداوموا على شكرها حتى يزيدهم - سبحانه - من فضله . و { إِذْ } ظرف بمعنى وقت . و { أَنتُمْ } مبتدأ ، أخبر عنه بثلاثة أخبار بعده وهى { قَلِيلٌ } و { مُّسْتَضْعَفُونَ } و { تَخَافُونَ } . والمراد بالناس كفار قريش ، أوهم وغيرهم من كفار العرب والفرس والروم . وقوله { فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } بيان لما من به عليهم من نعم بعد أن كانوا محرومين منها . أى اذكروا وقت أن كنتم قلة ضعيفة مستضعفة تخشى - أن يأخذها أعداؤها أخذا سريعا ، فرفع الله عنكم بفضله هذه الحال ، وأبدلكم خيرا منها ، بأن { آوَاكُمْ } إلى المدينة ، وألف بين قلوبكم يا معشر المهاجرين والأنصار { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } فى غزوة بدر ، وقذف فى قلوب أعدائكم الرعب منكم { وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أى ورزقكم من الغنائم التى أحلها لكم بعد أن كانت محرمة على الذين من قبلكم ، كما رزقكم - أيضا بكثير من المطاعم والمشارب الطيبة التى لم تكن متوفرة لكم قبل ذلك . وقوله { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } تذييل قصد به حضهم على مداومة الشكر والطاعة لله - عز وجل - أى نقلكم الله - تعالى - من الشدة إلى الرخاء ، ومن القلة إلى الكثرة ، ومن الضعف إلى القوة ، ومن الخوف إلى الأمن ، ومن الفقر إلى الغنى … حتى تستمروا على طاعة الله وشكره ، ولا يشغلكم عن ذلك أى شاغل . قال ابن جرير قال قتادة فى قوله - تعالى - { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ … } . " كان هذا الحى من العرب أذل الناس ذلا ، وأشقاه عيشا وأجوعه بطونا ، وأعراه جلودا ، وأبيته ضلالا ، من عاش منهم عاش شقيا ، ومن مات منهم ردى فى النار ، يؤكلون ولا يأكلون ، والله ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منهم منزلا ، حتى جاء الله بالإِسلام ، فمكن به فى البلاد ، ووسع به فى الرزق ، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس . فبالإِسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا الله على نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشكر ، وأهل الشكر فى مزيد من الله - تعالى - " . وبذلك نرى أن هذه الآيات قد جمعت بين الترغيب والترهيب والتذكير … الترغيب كما فى قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ … } . والترهيب كما فى قوله - تعالى - { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً … } . والتذكير كما فى قوله - تعالى - { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ … } . وبالترغيب فى الطاعات ، وبالترهيب من المعاصى ، وبالتذكير بالنعم ، ينجح الدعاة فى دعوتهم إلى الله . ثم وجه - سبحانه - بعد ذلك نداء رابعا وخامسا إلى المؤمنين فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } .