Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 20-23)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمعنى يأيها الذين آمنوا حق الإِيمان ، أطيعوا الله ورسوله فى كل أحوالكم ، { وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ } أى ولا تعرضوا عنه ، فإن فى إعراضكم عنه خسارة عظيمة لكم فى دنياكم وآخرتكم . قال الآلوسى " وأعيد الضمير إليه - صلى الله عليه وسلم - ، لأن المقصود طاعته ، وذكر طاعة الله - تعالى - توطئة لطاعته ، وهى مستلزمة لطاعة الله - تعالى - ، لأنه مبلغ عنه ، فكان الراجع إليه - صلى الله عليه وسلم - كالراجع إلى الله - تعالى - " . وقوله { وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } جملة حالية مسوقة لتأكيد وجوب الانتهاء عن التولى مطلقا ، لا لتقييد النهى عنه بحال السماع . أى أطيعوا الله ورسوله - أيها المؤمنون - ولا تتولوا عنه والحال أنكم تسمعون القرآن الناطق بوجوب طاعته ، والمواعظ الزاجرة عن مخالفته وقوله { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } تأكيد لما قبله ، ونهى لهم عن التشبه بالضالين . أى أطيعوا الله ورسوله فى كل أحوالكم عن إخلاص وإذعان ، ولا تقصروا فى ذلك فى وقت الأوقات ، وإياكم أن تتشبهوا بأولئك الكافرين والمنافقين الذين ادعوا السماع فقالوا سمعنا ، والحال أنهم لم يسمعوا سماع تدبر واتعاظ ، لأنهم لم يصدقوا ما سمعوه ، ولم يتأثروا به . بل نبذوه وراء ظهورهم . فالمنفى فى قوله - تعالى - { وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } سماع خاص ، وهو سماع التدبر والاتعاظ ، لكنه جئ به على سبيل الإِطلاق ، للإِشعار بأنهم قد نزلوا من لم يسمع أصلا ، بجعل سماعهم بمنزلة العدم ، حيث إنه سماع لا وزن له ، ولا فائدة لهم من ورائه ، مع أنهم لو فتحوا آذانهم وقلوبهم للحق لاستفادوا ، ولكنهم آثروا الغى على الرشد . ثم وصف - سبحانه - الكفار والمنافقين وأشباههم وصفاً يحمل العقلاء على النفور منهم ، فقال - تعالى - { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } . والدواب جمع دابة وهى كل ما يدب على الأرض . قال - تعالى - { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ … } قال الجمل " وإطلاق الدابة على الإِنسان لما ذكروه فى كتب اللغة من أنها تطلق على كل حيوان ولو آدميا ، وفى المصباح الدابة كل حيوان فى الأرض مميزا أو غير مميز " . وقد روى أن هذه الآيات نزلت فى نفر من بنى عبد الدار ، كانوا يقولون نحن صم بكم عما جاء به محمد ، فقتلوا جميعا يوم بدر . وهذا لا يمنع أن الآية الكريمة يشمل حكمها جميع المشركين والمنافقين ، إذ العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب . والمعنى إن شر ما يدب على الأرض { عِندَ ٱللَّهِ } أى فى حكمه وقضائه ، وهم أولئك { ٱلصُّمُّ } عن سماع الحق { ٱلْبُكْمُ } عن النطق به { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } أى لا يعلقون التمييز بينه وبين الباطل . ووصفهم - سبحانه - بذلك مع أنهم يسمعون وينطقون ، لأنهم لم ينتفعوا بهذه الحواس ، بل استعملوها فيما يضر ويؤذى ، فكان وجودها فيهم كعدمها . وقدم الصمم على البكم ، لأن صممهم عن سماع الحق متقدم على بكمهم فإن السكوت عن النطق بالحق من فروع عدم سماعهم له ، كما أن النطق به من فروع سماعه . وقوله { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } تحقيق لكمال سوء حالهم ، لأن الأصم الأبكم إذا كان له عقل ربما فهم بعض الأمور … أما إذا كان بجانب صممه وبكمه فاقد العقل ، فإنه فى هذه الحالة يكون قد بلغ الغاية فى سوء الحال … قال صاحب المنار وقوله { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } أى فقدوا فضيلة العقل الذى يميز بين الحق والباطل والخير والشر ، إذ لو عقلوا لطلبوا ، ولو طلبوا لسمعوا وميزوا ، ولو سمعوا لنطقوا وبينوا ، وتذكروا وذكروا … فهم لفقدهم منفعة العقل والسمع والنطق صاروا كالفاقدين لهذه المشاعر والقوى … بل هم شر من ذلك لأنهم اعطيت لهم المشاعر والقوى فأفسدوها على أنفسهم لعدم استعمالها فيما خلقها الله لأجله ، فهم كما قال الشاعر @ خُلِقوا ، وما خُلِقوا لمكرمة فكأنهم خلقوا وما خلقوا رُزِقوا وما رزقوا سماح يد فكأنهم رزقوا وما رزقوا @@ ولم يصفهم هنا بالعمى كما وصفهم فى آية الأعراف وآيتى البقرة ، لأن المقام هنا مقام تعريض بالذين ردوا دعوة الإِسلام ، ولم يهتدوا بسماع آيات القرآن " . وقوله - تعالى - { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ … } بيان لما جبلوا عليه من إيثار الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية . أى ولو علم الله - تعالى - فى هؤلاء الصم البكم { خَيْراً } أى استعدادا للإِيمان ورغبة فيما يصلح نفوسهم وقلوبهم { لأَسْمَعَهُمْ } سماع تفهم وتدبر ، أى لجعلهم سامعين للحق ، ومستجيبين له ، ولكنه - سبحانه - لم يعلم فيهم شيئا من ذلك ، فحجب خيره عنهم بسبب سوء استعدادهم . ولذا قال - تعالى - بعد ذلك { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } أى ولو أسمعهم سماع تفهم وتدبر ، وهم على هذه الحالة العارية من كل خير لتولوا عما سمعوه من الحق { وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } عن قبوله جحودا وعنادا . قال الفخر الرازى قوله - تعالى - { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } أى أن كل ما كان حاصلا ، فإنه يجب أن يعلمه الله ، فعدم علم الله بوجوده من لوازم عدمه ، فلا جرم حسن التعبير عن عدمه فى نفسه بعدم علم الله بوجوده ، وتقرير الكلام لو حصل فيهم خير لأسمعهم الله الحجج والمواعظ سماع تعليم وتفهم ، ولو أسمعهم بعد أن علم أنه لا خير فيهم لم ينتفعوا به ، ولتولوا وهم معرضون . ثم وجه - سبحانه - إلى المؤمنين نداء ثالثا أمرهم فيه بالاستجابة لتعاليمه ، وحذرهم من الأقوال والأعمال التى تكون سبباً فى عذابهم ، وذكّرهم بجانب من مننه عليهم ، فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ … لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .