Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 33-42)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الفاء فى قوله - سبحانه - { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها من فنون النعم . وجواب { إذا } محذوف يدل عليه قوله - تعالى - بعد ذلك { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } ، ويصح أن يكون جوابه قوله { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ } . والصاخة الصيحة الشديدة التى تصُخُّ الآذان ، أى تزلزلها لشدة صوتها ، وأصل الصخ الصك الشديد ، والمراد بها هنا النفخة الثانية التى بعدها يبعث الناس من قبورهم … أى فإذا جاءت الصيحة العظيمة التى بعدها يخرج الناس من قبورهم للحساب والجزاء ، كان ما كان من سعادة أقوام ، ومن شقاء آخرين . وقوله - سبحانه - { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } بدل مما قبله وهو قوله { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ } والفرار الهروب من أجل التخلص من شئ مخيف . والمعنى يوم يقوم الناس من قبورهم للحساب والجزاء يكونون فى كرب عظيم ، يجعل الواحد منهم ، يهرب من أخيه الذى هو من ألصق الناس به ، ويهرب كذلك من أمه وأبيه ، ومن صاحبته - وهى زوجه - وبنيه الذين هم فرع عنه . والمراد بفراره منهم عدم اشتغاله بشئ يتعلق بهم ، وعدم التفكير فيهم وفى الالتقاء بهم ، لاشتغاله بحال نفسه اشتغالا ينسيه كل شئ سوى التفكير فى مصيره … وذلك لشدة الهول ، وعظم الخطب . وخص - سبحانه - هؤلاء النفر بالذكر ، لأنهم أخص القرابات ، وأولاهم بالحنو والرأفة ، فالفرار منهم لا يكون إلا فى أشد حالات الخوف والفزع . قال صاحب الكشاف " يفر " منهم لاشتغاله بما هو مدفوع إليه ، ولعلمه بأنهم لا يغنون عنه شيئا وبدأ بالأخ ثم بالأبوين لأنهما أقرب منه ثم بالصاحبة والبنين ، لأنهم أقرب وأحب كأنه قال يفر من أخيه ، بل من أبويه ، بل من صاحبته وبنيه … وجملة { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } مستأنفة . واردة لبيان سبب الفرار . وللمبالغة فى تهويل شأن هذا اليوم . أى لكل واحد منهم فى هذا اليوم العظيم ، شأن وأمر يغنيه ويكفيه عن الاشتغال بأى أمر آخر سواه . يقال فلان أغنى فلاناً عن كذا ، إذا جعله فى غنية عنه . وقد ساق ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية عددا من الأحاديث ، منها ما رواه النسائى عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تحشرون حفاة عراة غُرْلا " - بضم فسكون - جمع أغرل ، وهو الأقلف غير المختون - قال ابن عباس " فقالت زوجته يا رسول الله ، أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } . أو قال " ما أشغله عن النظر " . ثم بين - سبحانه أقسام الناس فى هذا اليوم فقال { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ . ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } أى وجوه كثيرة فى هذا اليوم تكون مضيئة مشرقة ، يعلوها السرور ، والاستبشار والانشراح ، لما تراه من حسن استقبال الملائكة لهم . وقوله { وُجُوهٌ } مبتدأ وإن كان نكرة ، إلا أنه صح الابتداء به لكونه فى حيز التنويع و { مُّسْفِرَةٌ } خبره ، وقوله { يَوْمَئِذٍ } متعلق به ، والإِسفار النور والضياء . والمراد أن هذه الوجوه متهللة فرحا ، وعليها أثر النعيم . أما القسم المقابل لهذا القسم ، فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } أى عليها غبار ، من شدة الهم والكرب والغم الذى يعلوها . { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } أى تغشاها وتعلوها ظلمة وسواد ، وذلة وهوان ، من شدة ما أصابها من خزى وخسران . يقال فلان رهقِه الكرب ، إذا اعتراه وغشيه . { أُوْلَـٰئِكَ } يعنى أصحاب تلك الوجوه التى يعلوها الغبار والسواد { هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ } أى الجامعون بين الكفر الذى هو فساد الاعتقاد ، وبين الفجور الذى هو فساد القول والفعل . نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا من أصحاب الوجه المسفرة ، الضاحكة المستبشرة . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم …