Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 1-17)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الويل لفظ دال على الهلاك أو الشر ، وهو اسم لا فعل له من لفظه … وقيل هو اسم واد فى جهنم . و { المطففين } جمع مطفف ، من الطفيف ، وهو الشئ التافه الحقير ، لأن ما يغتاله المطفف من غيره شئ قليل . والتطفيف الإِنقاص فى المكيال أو الميزان عن الحدود المطلوبة . قال الإِمام ابن جرير وأصل التطفيف ، من الشئ الطفيف ، وهو القليل النزر . والمطفف المقلل صاحب الحق عَمَّا له من الوفاء والتمام فى كيل أو وزن . ومنه قيل للقوم الذين يكونون سواء فى حسبه أو عدد هم سواء كطف الصاع . يعنى بذلك كقرب الممتلئ منه ناقص عن الملء … وقوله { اكتالوا } من الاكتيال وهو افتعال من الكيل . والمراد به أخذ مالهم من مكيل من غيرهم بحكم الشراء . ومعنى { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } كالوهم أو وزنوا لهم ، فحذفت اللام ، فتعدى الفعل إلى المفعول ، فهو من باب الحذف والإِيصال . فالواوان فى { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } يعودان إلى الاسم الموصول فى قوله { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ } . والضميران المنفصلان " هم " ، يعودان إلى الناس . قال صاحب الكشاف والضمير فى { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } ضمير منصوب راجع إلى الناس . وفيه وجهان أن يراد كالوا لهم ، أو وزنوا لهم فحذف الجار ، وأوصل الفعل ، كما فى قول الشاعر @ ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر @@ بمعنى جنيت لك . وأن يكون على حذف مضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه ، والمضاف هو المكيل أو الموزون … والمعنى هلاك شديد ، وعذاب أليم ، للمطففين ، وهم الذين يبخسون حقوق الناس فى حالتى الكيل والوزن وما يشبههما ، ومن مظاهر ذلك أنهم إذا اشتروا من الناس شيئا حرصوا على أن يأخذوا حقوقهم منهم كاملة غير منقوصة ، وإذا باعوا لهم شيئا ، عن طريق الكيل أو الوزن أو ما يشبههما { يُخْسِرُونَ } أى ينقصون فى الكيل أو الوزن . يقال خسَر فلان الميزان وأخْسَره ، إذا نقصه ، ولم يتمه كما يقتضيه العدل والقسط . وافتتحت السورة الكريمة بلفظ " الويل " للإِشعار بالتهديد والتشديد ، والوعيد الأليم لمن يفعل ذلك . وقوله { ويل } مبتدأ ، وهو نكرة ، وسوغ الابتداء به كونه دعاء . وخبره " للمطففين " . وقال - سبحانه - { إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ } ولم يقل من الناس . للإِشارة إلى ما فى عملهم المنكر من الاستيلاء والقهر والظلم . وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله لما كان اكتيالهم من الناس اكتيالا يضرهم ، ويتحامل فيه عليهم ، أبدل " على " مكان " من " للدلالة على ذلك . ويجوز أن يتعلق " على " بيستوفون ، ويقدم المفعول على الفعل لإِفادة الخصوصية . أى يستوفون على الناس خاصة ، فأما أنفسهم فيستوفون لها . وقال الفراء " من " و " على " يعتقبان فى هذا الموضوع ، لأنه حق عليه ، فإذا قال اكتلت عليك ، فكأنه قال أخذت ما عليك ، وإذا قال اكتلت منك ، فكقوله استوفيت منك . . والتعبير بقوله { يستوفون } و { يخسرون } يدل على حرصهم الشديد فيما يتعلق بحقوقهم ، وإهمالهم الشنيع لحقوق غيرهم ، إذ استيفاء الشئ ، أخذه وافيا تاما ، فالسين والتاء فيه للمبالغة . وأما { يخسرون } فمعناه إيقاع الخسارة على الغير فى حالتى الكيل والوزن وما يشبههما . ثم أتبع - سبحانه - هذا التهديد للمطففين . بما يجعل الناس يتعجبون من أحوالهم ، فقال - تعالى - . { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ . لِيَوْمٍ عَظِيمٍ . يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . والهمزة للاستفهام التعجيبى من أحوالهم ، والجملة مستأنفة مسوقة لتفظيع ما فعلوه من بخس الناس أشياءهم . وأدخلت همزة الاستفهام على " لا " النافية لزيادة التوبيخ والإِنكار ، حتى لكأن سوء عاقبة التطفيف لا تخطر لهم على بال . والظن هنا مستعمل فى معناه الحقيقى ، وهو اعتقاد الشئ اعتقادا راجحا . وقال - سبحانه - { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ … } ولم يقل ألا يظنون ، لقصد تمييزهم والتشهير بهم ، زيادة فى ذمهم ، وفى تقبيح أفعالهم . أى أبلغت الجرأة بهؤلاء المطففين ، أنهم صاروا من بلادة الحس ، ومن فقدان الشعور ، لا يخشون الحساب يوم القيامة ، ولا يخافون العذاب الشديد الذى سينزل بهم ، يوم يقوم الناس من قبورهم استجابة لأمر رب العالمين ، حيث يتلقون جزاءه العادل ، وحكمه النافذ . ووصف - سبحانه - اليوم بالعظم . باعتبار عظم ما يقع فيه من أهوال . وقوله { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } بدل مما قبله . واللام فى قوله { لرب } للتعليل . أى يقومون لأجل ربوبيته - تعالى - وتلقى حكمه الذى لا يستطيعون الفرار منه . وفى هذا الوصف ما فيه استحضار جلاله - وعظمته - سبحانه - . قال القرطبى وفى هذا الإِنكار والتعجيب ، وكلمة الظن . ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته برب العالمين ، بيان بليغ لعظم الذنب ، وتفاقم الإِثم فى التطفيف ، وفيما كان مثل حاله من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على التسوية والعدل ، فى كل أخذ وإعطاء ، بل فى كل قول وعمل … هذا ، وقد جاء الأمر بإيفاء الكيل والميزان ، والنهى عن تطفيفهما ، فى آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } ومنها قوله - سبحانه - { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } وقوله - تعالى - { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } قال بعض العلماء ما ملخصه والتصدى لشأن المطففين بهذا الأسلوب فى سورة مكية ، أمر يلفت النظر ، فالسورة المكية عادة توجه اهتمامها إلى أصول العقائد . ومن ثم فالتصدى لهذا الأمر بذاته ، يدل أولا على أن الإِسلام ، كان يواجه فى البيئة المكية ، حالة صارخة من هذا التطفيف يزاولها الكبراء … الذين يملكون إكراه الناس على ما يريدون فهم " يكتالون على الناس " لا من الناس … فكأن لهم سلطانا على الناس . ويدل - ثانيا - على طبيعة هذا الدين ، وشمول منهجه للحياة الواقعية ، وشئونها العملية ، وإقامتها على الأساس الأخلاقى الأصيل فى طبيعة هذا المنهج الإِلهى القويم … ثم زجر - سبحانه - هؤلاء الفاسقين عن أمره زجرا شديدا ، وتوعدهم بالعذاب الشديد ، فقال - تعالى - { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } . وقوله { كَلاَّ } حرف ردع وزجر ، وما بعده كلام مستأنف ، وقد تكرر فى الآيات التى معنا ثلاث مرات ، والمراد به هنا ردعهم وزجرهم عما كانوا فيه من الشرك ، والتطفيف فى الكيل والميزان . والفجار جمع فاجر ، وهو مأخوذ من الفجور ، وهو شق الشئ شقا واسعا ، وسمى الفجار بذلك مبالغة فى هتكهم لحرمات الله ، وشقهم لستر الشريعة ، بدون خوف أو وجل . يقال فجر فلان فجورا فهو فاجر ، وهم فجار وفجرة ، إذا تجاوزوا كل حد أمر الله - تعالى - بالوقوف عنده . والمراد بالكتاب المكتوب . أى صحيفة الأعمال . والسجِّين اختلفوا فى معناه على أقوال منها أنه علم أو وصف لواد فى جهنم ، صيغ بزنة فِعِّيل - بكسر الفاء مع تشديد العين المكسورة - ، مأخوذ من السَّجن بمعنى الحبس . يقال سجن الحاكم فلانا يسجنه - بضم الجيم - سجنا ، إذا حبسه . قال ابن كثير قوله { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } أى إن مصيرهم ومأواهم لفى سجين ، - فعيل من السَّجن ، وهو الضيق - ، كما يقال فلان فسيق وشريب وخمير وسكير ونحو ذلك ، ولهذا عظم أمره فقال { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } ؟ أى هو أمر عظيم ، وسجن مقيم ، وعذاب أليم . ثم قد قال قائلون هو تحت الأرض السابعة … وقيل بئر فى جهنم . والصحيح أن " سجينا " مأخوذ من السَّجن ، وهو الضيق ، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق ، وكل ما تعالى منها اتسع … ولما كان مصير الفجار إلى جهنم ، وهى أسفل سافلين . قال - سبحانه - { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } وهو يجمع الضيق والسفول … أى كلا ، ليس الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون من أنه لا بعث ولا جزاء ، بل الحق أن البعث أمر واقع ، ماله من دافع ، وأن ما عمله هؤلاء الفجار من كفر ومن تطفيف فى الكيل والميزان ، لمكتوب فى صحائف أعمالهم ، ومسجل عليهم فى ديوان الشر الذى يوصلهم إلى قاع جهنم . وقوله { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } تهويل وتفظيع لهذا الشئ الضيق الذى يؤدى إلى القذف بهم فى أعماق جهنم . وقوله { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } خبر لمبتدأ محذوف يعود إلى " كتاب الفجار " والمرقوم المكتوب كتابة واضحة بينة تشبه الخط . الظاهر فى الثوب المنسوج . يقال رقم فلان الكتاب ، إذا جعل له رقما ، أى علامة يعرف بها . أى وهو - أى كتاب الفجار - كتاب بين الكتابة ، يفهم صاحبه ما فيه فهما واضحا لا خفاء معه ولا التباس . فقوله { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } بيان وتفسير لكتاب الفجار ، وهو ديوان الشر الجامع لأعمالهم السيئة . ومنهم من جعل قوله - تعالى - { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } ليس تفسيرا لكتاب الفجار ، وإنما هو تفسير لقوله { سجين } . قال الشوكانى ما ملخصه وسجين هو ما فسره به - سبحانه - من قوله { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ . كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } فأخبر بهذا أنه كتاب مرقوم ، أى مسطور . ومنهم من جعله بيانا وتفسيرا لكتاب المذكور فى قوله { إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ } على تقدير هو كتاب مرقوم ، أى قد بينت حروفه . والأَوْلَى ما ذكرناه أولا ، ويكون المعنى إن كتاب الفجار الذين من جملتهم المطففون … لفى ذلك الكتاب المدون للقبائح ، المختص بالشر ، وهو سجين ، ثم ذكر ما يدل على تهويله ، فقال { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } ثم بينه بقوله { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } . وعلى أية حال ، فالمقصود بيان المصير السئ الذى ينتظر هؤلاء الفجار ، حيث سجلت عليهم أعمالهم فى ديوان الشر الذى يجمع أعمالهم القبيحة ، والتى ستؤدى بهم إلى السجن الدائم ، وإلى العذاب المقيم . وقوله - سبحانه - { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } وعيد وتهديد لأولئك المنكرين للبعث ، والذين من صفاتهم تطفيف الكيل والميزان . أى هلاك عظيم ، وعذاب أليم ، وسجن دائم فى قاع جهنم ، لأولئك المكذبين ، للبعث والحساب والجزاء . ثم فصل - سبحانه - هذا التكذيب فقال { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } أى يكذبون بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب . { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ } أى بيوم الدين { إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } أى وما يكذب بهذا اليوم إلا كل إنسان متجاوز الحدود المشروعة ، ومبالغ فى ارتكاب الآثام والقبائح . هذا المكذب بيوم القيامة من صفاته - أيضا - أنه { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } . أى إذا تقرأ على هذا المكذب آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وصدق رسولنا … قال هذه الآيات هى من أساطير الأقوام الأولين وترهاتهم وقصصهم المخترعة التى لا أصل لها . فأنت ترى أن هؤلاء المكذبين ، قد وصفهم الله - تعالى - بثلاث صفات هى الاعتداء على الحق . والمبالغة فى ارتكاب الآثام ، والجرأة فى الافتراء والكذب ، حيث وصفوا القرآن بأنه ليس من عند الله - تعالى - . ثم بين - سبحانه - الأسباب التى حملتهم على أن يقولوا فى القرآن ما قالوا ، فقال { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونِ } . وقوله { رَانَ } من الرَّيْن - بتشديد الراء مع الفتح - وهو الصدأ الذى يعلو الحديد والمرآة وما يشبهها ، يقال ران ذنب فلان على قلبه - من باب باع - رينا وريونا ، إذا غلب عليه وغطاه ، وكل ما غلبك فقد ران بك ، ومنه قولهم ران النعاس على فلان ، إذا استولى عليه . أى كلا ، ليس الأمر كما زعموا من أن القرآن أساطير الأولين ، بل الحق أن الذى حملهم على قولهم هذا ، هو الكفر والعناد والجحود … الذى استولى على قلوبهم فى الدنيا فغطاهم وطمسها ، فصارت لا تميز بين الكلام الحق والكلام الباطل ، ولا بين كلام الله - تعالى - وكلام غيره . وفى الحديث الشريف الذى أخرجه الترمذى عن أبى هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء فى قلبه ، فإن تاب منها صقل قلبه ، أى عاد إليه صفاؤه ، وإن زاد - فى الذنوب - زادت حتى تعلو قلبه - وذلك هو الران الذى قال الله فى شأنه { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونِ } . وقوله { بَلْ رَانَ } قرأه الجمهور بإدغام اللام فى الراء بعد قلبها راء لتقارب مخرجيهما . وقرأه عاصم بالوقف الخفيف على لام بل والابتداء بكلمة ران بدون إدغام . وقوله { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } بيان لسوء مصيرهم يوم القيامة . وكلا هنا تأكيد لسابقتها لزيادة الردع والزجر ، ويصح أن تكون كلا هنا بمعنى حقا . أى حقا إن هؤلاء الفجار سيكونون يوم القيامة فى حالة احتجاب وامتناع عن رؤية الله - تعالى - وعن رضاه . قال الآلوسى " كلا " ردع وزجر عن الكسب الرائن ، أو بمعنى حقا " إنهم " . أى هؤلاء المكذبين { عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون } لا يرونه - سبحانه - وهو - وعز وجل - حاضر ناظر لهم ، بخلاف المؤمنين ، فالحجاب مجاز عن عدم الرؤية ، لأن المحجوب لا يرى ما حجب ، و الحجب المنع ، والكلام على حذف مضاف . أى عن رؤية ربهم لممنوعون فلا يرونه - سبحانه - . واحتج مالك - رحمه الله - بهذه الآية ، على رؤية المؤمنين له - تعالى - ، من جهة دليل الخطاب ، وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصيص . وقال الشافعى - رحمه الله - لما حجب - سبحانه - قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا … وقوله - سبحانه - { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ . ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } . بيان للون آخر من سوء مصيرهم . أى أن هؤلاء المكذبين سيكونون يوم القيامة محجوبين عن رؤية الله - تعالى - لسخطه عليهم ، وممنوعين من رحمته ، ثم إنهم بعد ذلك لداخلون فى أشد طبقات النار حرا … ثم يقال لهم بواسطة خزنة جهنم على سبيل التقريع والتأنيب ، هذا هو العذاب الذى كنتم به تكذبون فى الدنيا ، وتقولون لمن يحذركم منه { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على أشد ألوان الإِهانة لأنها أخبرت أن هؤلاء المكذبين محجوبون عن ربهم ، وأنهم مقاسون حر جهنم ، وأنهم لا يقابلون من خزنتها إلا بالتيئيس من الخروج منها ، وبالتأنيب والتقريع . وكعادة القرآن الكريم فى قرن الترهيب بالترغيب ، والعكس ، ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ، ما أعده - سبحانه - للأبرار من خير وفير ، ومن نعيم مقيم ، فقال - تعالى - { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ … } .