Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 29-36)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات ، أن بعض المشركين - كأبى جهل والعاص بن وائل - كانوا يستهزئون من فقراء المسلمين كصهيب وعمار بن ياسر . وقوله - سبحانه - { أَجْرَمُواْ } من الإِجرام ، وهو ارتكاب الجرم . ويطلق على الإِثم العظيم . والذنب الكبير ، والمراد بإجرامهم هنا كفرهم بالله - تعالى - واستهزاؤهم بالمؤمنين . أى إن الذين ارتكبوا فى دنياهم أقبح الجرائم وأشنعها ، وهم زعماء المشركين { كَانُواْ } فى الدنيا { مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } أى كانوا فى حياتهم يتهكمون بالمؤمنين ، ويسخرون منهم ، ويعتبرونهم الأراذل الذين يجب الابتعاد عنهم . { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } أى وإذا مر هؤلاء المجرمون بالمؤمنين سخروا منهم ، وتغامزوا فيما بينهم على سبيل الاستهزاء بفقراء المؤمنين . والتغامز تفاعل من الغمز وهو الإِشارة بالجفون والحواجب على سبيل الطعن والتهكم . أى يغمز أحدهم الآخر لينبه إلى ما عليه فقراء المسلمين من شظف العيش ، ومن غير ذلك من الأحوال التى لا يرضاها المشركون لجهلهم وغرورهم وبلادة حسهم . { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } أى وإذا رجع هؤلاء المجرمون إلى أهلهم من مجالسهم التى كانوا فيها … رجعوا متلذذين باستخفافهم بالمؤمنين . والسخرية منهم . فهم لإِيغالهم فى الكفر والفسوق والعصيان ، لا يكتفون بالغمز واللمز عندما يرون المؤمنين ، بل يجعلونهم عند عودتهم إلى أهليهم ، مادة تفكههم وضحكهم . فقوله { فَكِهِينَ } جمع فكه ، صفة مشبهة ، وهى قراءة حفص عن عاصم . وقرأ الجمهور " فاكهين " اسم فاعل من فكه - بزنة - فرح - إذا مزح فى كلامه ليضحك أو يضحك غيره . وحذف متعلق " فكهين " للعلم به . أى رجعوا فكهين بسبب حديثهم عن المؤمنين . وقوله { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } أى أن هؤلاء الذين أجرموا ، لا يكتفون بغمز المؤمنين ولمزهم وجعلهم مادة السخرية فى أحاديثهم مع أهليهم . بل إنهم تجاوزوا ذلك ، فهم عندما يرون المؤمنين يقولون عنهم هؤلاء هم الضالون ، لأنهم تركوا دين آبائهم وأجدادهم ، ودخلوا فى دين آخر . فمرادهم بالضلال فساد الرأى . وعدم البقاء على دينهم القديم . وهكذا الأشرار يرون أن أهل الحق والتقى فى ضلال . وجملة { وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } جملة حالية من الضمير فى { قالوا } . أى قالوا إن هؤلاء المؤمنين الضالون ، والحال أن هؤلاء المشركين ما أرسلهم الله - تعالى - ليكونوا وكلاء عنه ، حتى يحكموا على هذا الفريق بالضلال . وعلى غيره بالرشاد . فالمقصود بالآية الكريمة تأنيب الذين أجرموا وتوبيخهم على تصرفاتهم ، لأن الحكم على الغير بالهداية والضلال . هم ليسوا أهلا له إطلاقا لأن الله - تعالى - لم يكلفهم بذلك ، وإنما كلفهم بإتباع الرسول الذى أرسله - سبحانه - لهدايتهم . فحكمهم على المؤمنين بالضلال يدل على نهاية الغرور والجهل . ثم ببشر الله - تعالى - المؤمنين بما سيكونون عليه يوم القيامة من نعيم فقال { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ . عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } والفاء فى قوله { فاليوم } للسببية ، والمراد باليوم يوم الجزاء والحساب . أى فبسبب استهزاء الذين أجرموا من المؤمنين فى الدنيا ، كافأ الله - تعالى - المؤمنين على صبرهم ، بأن جعلهم يوم القيامة يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مهانين ، كما كان الكفار يضحكون من المؤمنين فى الدنيا . فالمقصود من الآية الكريمة تسلية المؤمنين ، وتبشيرهم بأنهم سيأخذون بثأرهم من المشركين عما قريب … وأنهم - أى المؤمنين - سيكونون يوم القيامة على سرر قد فرشت بأجمل الفراش ، وأنهم لا ينظرون إلا إلى ما يسرهم ويبهج نفوسهم . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } . والاستفهام للتقرير . وقوله { ثوب } من التثويب والإِثابة ، أى المجازاة . يقال ثوب فلان فلانا وأثابه ، بمعنى جازاه المجازاة اللائقة به . والمعنى لقد جوزى الكفار بالجزاء المناسب لتهكمهم بالمؤمنين فى الدنيا ، فقد أنزلنا بهم ما يستحقونه من عقاب أليم ، جزاء وفاقا . وجاء الجزاء بأسلوب الاستفهام ، لتأكيد هذا الجزاء ، حتى لكأن المخاطب هو الذى نطق بهذا الجزاء العادل الذى استحقه الكافرون . ولبيان أن عدالة الله - تعالى - تقتص من المعتدين مهما طالت بهم الحياة . والتعبير بثوب - مع أنه أكثر ما يستعمل فى الخير - إنما هو من باب التهكم بهم ، كما فى قوله - تعالى - { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من عباده المؤمنين الصادقين . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .