Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 42-42)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الفخر الرازى هذه الآية نزلت فى المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك والعرض . ما يعرض للانسان من منافع الدنيا وشهواتها . والسفر القاصد هو السفر القريب السهل الذى لا يصاحبه ما يؤدى إلى التعب الشديد . من القصد بمعنى التوسط والاعتدال فى الشئ . والشقة المسافة التى لا تقطع إلا بعد تكبد المشقة والتعب ، فهى مأخوذة من المشقة وشدة العناء . قال القرطبى حكى أبوعبيدة وغيره أن الشقة السفر إلى أرض بعيدة . يقال منه شقة شاقة . والمراد بذلك كله غزوة تبوك … والمعنى لو كان الذى دعوتهم إليه يا محمد ، متاعاً من متع الحياة الدنيا ، وسفراً سهلا قريباً ، لاتبعوك فيما دعوتهم إليه ، لأنه يوافق أهواءهم ، ويشبع رغباتهم ، ولكنهم حين عرفوا أن ما دعوتهم إليه هو الجهاد فى سبيل الله وما يصحبه من أسفار شاقة . وتضحيات جسيمة … تعلَّلوا لك بالمعاذير الكاذبة ، وتخلفوا عن الخروج معك ، جبناً منهم ، وحباً للراحة والسلام . وشبيه بهذه الآية من حيث المعنى ، قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى شأن المتخلفين عن صلاة الجماعة " لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً ، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء " . أى لو يعلم أحد هؤلاء المتخلفين عن صلاة العشاء فى جماعة ، أنه يجد عند حضور صلاتها فى جماعة شيئاً من اللحم لحضرها . ثم حكى - سبحانه - ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد عودة المؤمنين من الجهاد فقال { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } . أى وسيحلف هؤلاء المنافقون بالله - كذباً وزوراً - قائلين . لو استطعنا أيها المؤمنون أن نخرج معكم للجهاد فى تبوك لخرجنا فاننا لم نتخلف عن الخروج معكم إلا مضطرين ، فقد كانت لنا أعذارنا القاهرة التى حملتنا على التخلف ! ! وأتى - سبحانه - بالسين فى قوله { وَسَيَحْلِفُونَ } لأنه من قبيل الإِخبار بالغيب . فقد كان نزول هذه الآية قبل رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من تبوك . وحلفهم هذا كان بعد رجوعه منها . قال الفخر الرازى قالوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر عنهم أنهم سيحلفون ، وهذا إخبار عن غيب يقع فى المستقبل ، والأمر لما وقع كما أخبر كان هذا إخباراً عن الغيب فكان معجزاً . والمراد بالاستطاعة فى قوله { لَوِ ٱسْتَطَعْنَا } وجود وسائل للجهاد معهم ، من زاد وعدة وقوة فى البدن وغير ذلك مما يستلزمه الجهاد فى سبيل الله . وقوله { لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } ساد مسد جوابى القسم والشرط . ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم بسبب كذبهم ونفاقهم فقال { يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . أى . أن هؤلاء المتخلفين عن الجهاد يهلكون أنفسهم بسبب حلفهم الكاذب ، وجرأتهم على الله . تعالى . فى اختلاق المعاذير الباطلة ، مع أنه . سبحانه . يعلم إنهم لكاذبون فى أيمانهم ، وفيما انتحلوه من أعذار . قال ابن جرير قوله { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فى قولهم { لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } ، لأنهم كانوا للخروج مطيقين ، بوجود السبيل إلى ذلك بالذى كان عندهم من الأموال ، مما يحتاج إليه الغازى فى غزوه ، وصحة الأبدان ، وقوة الأجسام . هذا ، ومن الإِحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية ، أن الأيمان الكاذبة تؤدى إلى الخسران والهلاك وفى الحديث الشريف " اليمين الغموس تدع الديار بلاقع " . ثم عاتب الله تعالى . نبيه - صلى الله عليه وسلم - عتاباً رقيقاً لأنه اذن للمنافقين بالتخلف عن الجهاد حين طلبوا منه ذلك ، دون أن يتبين أحوالهم فقال . تعالى . { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ } .