Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 43-43)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن كثير . قال مجاهد . نزلت هذه الآية فى أناس قالوا استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أذن لكم فاقعدوا . وإن لم يأذن لكم فاقعدوا . والعفو يطلق على التجاوز عن الذنب أو التقصير ، كما يطلق على ترك المؤاخذة على عدم فعل الأولى والأفضل ، وهو المراد هنا . والمعنى عفا الله عنك يا محمد ، وتجاوز عن مؤاخذتك فيما فعلته مع هؤلاء المنافقين من سماحك لهم بالتخلف عن الجهاد معك فى غزوة تبوك ، حين اعتذروا إليك بالأعذار الكاذبة ، وكان الأولى بك أن تتريث وتتأنى فى السماح لهم بالتخلف ، حتى يتبين لك الذين صدقوا فى اعتذارهم من الذين كذبوا فيه ، فقد كانوا - إلا قليلا منهم - كاذبين فى معاذيرهم ، وكانوا مصرين على القعود عن الجهاد حتى ولو لم تأذن لهم به . وقدم سبحانه . العفو على العتاب . وهو قوله { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } - للإِشارة إلى المكانة السامية التى له - صلى الله عليه وسلم - عند ربه . قال بعض العلماء هل سمعتم بعتاب أحسن من هذا ؟ لقد خاطبه سبحانه بالعفو قبل أن يذكر المعفو عنه . وقال العلامة أبو السعود ما ملخصه وعبر - سبحانه - عن الفريق الأول بالموصول الذى صلته فعل دال على الحدوث ، وعن الفريق الثانى باسم الفاعل المفيد للدوام ، للإِيذان بأن ما ظهر من الأولين صدق حادث فى أمر خاص غير مصحح لنظمهم فى سلك الصادقين ، وبأن ما صدر من الآخرين ، وإن كان كذباً حادثاً متعلقاً بأمر خاص لكنه أمر جار على عادتهم المستمرة ، ناشئ عن رسوخهم فى الكذب . وعبر عن ظهور الصدق بالتبين ، وعما يتعلق بالكذب بالعلم ، لما هو المشهور من أن مدلول الخبر هو الصدق ، والكذب احتمال عقلى ، فظهور صدق الخبر إنما هو تبين ذلك المدلول ، وانقطاع احتمال نقيضه بعدما كان محتملا له احتمالا عقلياً ، وأما كذبه فأمر حادث لا دلالة للخبر عليه فى الجملة حتى يكون ظهوره تبيناً له ، بل نقيض لمدلوله . فما يتعلق به يكون علما مستأنفاً … هذا ، ومن الأمور التى تكلم عنها العلماء عند تفسيرهم لهذه الآية ما يأتى 1 - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يحكم بمقتضى اجتهاده فى بعض الوقائع . وقد بسط القول فى هذه المسألة صاحب المنار فقال ما ملخصه وقد كان الإِذن المعاتب عليه اجتهاداً منه - صلى الله عليه وسلم - فيما لا نص فيه من الوحى ، وهو جائز وواقع من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم . وليسوا بمعصومين من الخطأ فيه ، وإنما العصمة المتفق عليها خاصة بتبليغ الوحى ببيانه والعمل به ، فيستحيل على الرسول أن يكذب أو أن يخطئ فيها يبلغه عن ربه أو يخالفه بالعمل . ويؤيده " حديث طلحة فى تأبير النخل إذ رآهم - صلى الله عليه وسلم - يلقحونها فقال " ما أظن يغنى ذلك شيئاً " فأخذوا بذلك فتركوه ظناً منهم أن قوله هذا من أمر الدين ، فنفضت النخل وسقط ثمرها . فأخبر بذلك فقال " إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه ، فانى ظننت ظناً فلا تؤاخذونى بالظن ، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به ، فانى لن أكذب على الله عز وجل " . وقد صرح علماء الأصول بجواز الخطأ فى الاجتهاد على الأنبياء . عليهم الصلاة والسلام قالوا ولكن لا يقرهم الله على ذلك ، بل يبين لهم الصواب فيه … 2 - أن من الواجب على المسلم التريث فى الحكم على الأمور . قال الفخر الرازى دلت الآية على وجوب الاحتراز عن العجلة ، ووجوب التثبت والتأنى ، وترك الاغترار بظواهر الأمور ، والمبالغة فى التفحص ، حتى يمكنه أن يعامل كل فريق بما يستحقه من التقريب أو الإِبعاد . 3 - أن المتتبع لآراء العلماء عند تفسيرهم لهذه الآية يرى لهم ثلاثة أقوال أما القول الأول فهو لجمهور العلماء وملخصه أن المراد بالعفو فى قوله سبحانه { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } عدم مؤاخذته - صلى الله عليه وسلم - فى تركه الأولى والأفضل ، لأنه كان من الأفضل له ألا يأذن للمنافقين فى التخلف عن الجهاد حتى يتبين أمرهم . وهذا القول هو الذى نختاره ونرجحه ، لأنه هو المناسب لسياق الآية ولما ورد فى سبب نزولها وأما القول الثانى فهو لصاحب الكشاف وملخصه أن العفو هنا كناية عن الجناية ، فقد قال قوله { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } كناية عن الجناية لأن العفو مرادف لها ، ومعناه . أخطأت وبئس ما فعلت ، وقوله { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } بيان لما كنى عنه بالعفو . ولم يرتض كثير من العلماء ما ذهب إليه صاحب الكشاف من أن العفو هنا كناية عن الجناية ، ووصفوا ما ذهب إليه بالخطأ وإساءة الأدب . قال أبو السعود ولقد أخطأ وأساء الأدب وبئسما فعل فيما قال وكتب من زعم أن الكلام كناية عن الجناية ، وأن معناه أخطأت ، وبئس ما فعلت . هب أنه كناية ، أليس إيثارها على التصريح بالجناية للتلطيف فى الخطاب والتخفيف فى العقاب ؟ وقال الشيخ أحمد بن المنير ليس له - أى الزمخشرى - أن يفسر هذه الآية بهذا التفسير ، وهو بين أحد أمرين إما أن لا يكون هو المراد وإما أن يكون هو المراد ، ولكن قد أحل الله نبيه الكريم عن مخاطبته بصريح العتب ، وخصوصاً فى حق المصطفى - عليه الصلاة والسلام - فالزمخشرى على كلا التقديرين ذهل عما يجب فى حقه - صلى الله عليه وسلم - . ولقد أحسن من قال فى هذه الآية إن من لطف الله - تعالى - بنبيه ، أن بدأه بالعفو قبل العتب ، ولو قال له ابتداء { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } لتفطر قلبه - عليه الصلاة والسلام . فمثل هذا الأدب يجب احتذاؤه فى حق سيد البشر - عليه الصلاة والسلام . وأما القول الثالث فهو للامام الفخرى الرازى ، ولمن حذا حذوه كالقرطبى وغيره ، وملخص هذا القول أنه يجوز أن يكون المراد بالعفو هنا المبالغة فى تعظيم النبى - صلى الله عليه وسلم وتوقيره ، أو أن قوله - سبحانه { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } افتتاح كلام . قال الفخر الرازى ما ملخصه لا نسلم أن قوله - تعالى - { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } يوجب الذنب ، ولم لا يجوز أن يقال إن الله يدل على مبالغة الله ، تعالى فى تعظيمه وتوقيره ، كما يقول الرجل لغيره إذا كان معظما عنده ، عفا الله عنك ما صنعت فى أمرى … فلا يكون غرضه من هذا الكلام إلا مزيد التبجيل والتعظيم . ويؤيد ذلك قول على بن الجهم يخاطب المتوكل وقد أمر بنفيه @ عفا الله عنك ألا حرمة تعوذ بعفوك أن أبعد ألم ترى عبداً عدا طوره ومولى عفا ورشيداً هدى أقلنى أقالك من لم يزل يقيك ، ويصرف عنك الردى @@ وقال القرطبى قوله - تعالى - { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } قيل هو افتتاح كلام كما تقول أصلحك الله وأعزك ورحمك كان كذا وكذا … والذى نراه أن القول الأول هو الراجح لما سبق أن بيناه . ثم بين - سبحانه - الصفات التى يتميز بها المؤمنين الصادقون ، عن غيرهم من ضعاف الإِيمان ، فقال - تعالى - { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ … رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } .