Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 49-52)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
روى محمد بن إسحاق ويزيد بن رومان ، وعبد الله بن أبى بكر ، وعاصم بن قتادة وغيرهم قالوا " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم وهو جهازه - أى لغزوة تبوك - للجد عن قيس أخى بنى سلمة " هل لك ياجد فى جلاد بنى الأصفر " ؟ - يعنى الروم - فقال الجد يا رسول الله أو تأذن لى ولا تفتنى ؟ فو الله لقد عرف قومى ما رجل أشد عجبا بالنساء منى ، وإنى أخشى إن رأيت نساء بنى الأصفر ألا أصبر عنهن ، فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال قد أذنت لك " . ففى الجد بن قيس نزلت هذه الآية { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي } . أى ومن هؤلاء المنافقين الذين لم ينته الحديث عنهم بعد " من يقول " لك - يا محمد - " ائذن لى " فى القعود بالمدينة ، " ولا تفتنى " أى ولا توقعنى فى المعصية والإِثم بسبب خروجى معك إلى تبوك ، ومشاهدتى لنساء بنى الأصفر . وعبر - سبحانه - عن قول هذا المنافق بالفعل المضارع ، لا ستحضار تلك الحال لغرابتها ، فإن مثله فى نفاقه وفجوره لا يخشى إثم الافتتان بالنساء إذ لا يجد من دينه ما نعا من غشيان الشهوات الحرام . وقوله { أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } رد عليه فيما قال ، وذم له على ما تفوه به . أى ألا إن هذا وأمثاله فى ذات الفتنة قد سقطوا ، لافى أى شئ آخر مغاير لها . وبدأ - سبحانه - الجملة الكريمة بأداة التنبيه " ألا " ، لتأكيد الخبر ، وتوجيه الأسماع إلى ما اشتمل عليه من توبيخ لهؤلاء المنافقين . وقدم الجار والمجرور على عامله للدلالة على الحصر . أى فيها لا فى غيرها قد سقطوا وهووا إلى قاع سحيق . قال الآلوسى وفى التعبير عن الافتتان بالسقوط فى الفتنة ، تنزيل لها منزلة المهواة المهلكة المفصحة عن ترديدهم فى دركات الردى أسفل سافلين . وقال الفخرى الرازى ما ملخصه " وفيه تنبيه على أن القوم إنما اختاروا القعود لئلا يقعوا فى الفتنة ، فالله - تعالى - بيّن أنهم فى عين الفتنة واقعون ، لأن أعظم أنواع الفتنة الكفر بالله وبرسوله ، والتمرد على قبول التكاليف التى كلفنا الله بها … " . وقوله { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } وعيد وتهديد لهم على أقوالهم وأفعالهم . أى وإن جهنم لمحيطة بهؤلاء الكافرين بما جاء من عند الله ، دون أن يكون لهم منها مهرب أو مفر . وعبر عن إحاطتها بهم باسم الفاعل الدال على الحال ، لإِفادة تحقيق ذلك حتى لكأنه واقع مشاهد . قالوا ويحتمل أنها محيطة بهم الآن ، بأن يراد بجهنم الأسباب الموصلة إليها من الكفر والنفاق وغير ذلك من الرذائل التى سقطوا فيها . وقوله { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ … } بيان لنوع آخر من خبث نواياهم ، وسوء بواطنهم . أى " إن تصبك " يا محمد حسنة من نصر أو نعمة أو غنيمة - كما حدث يوم بدر - " تسؤهم " تلك الحسنة ، وتورثهم حزنا وغما ، بسبب شدة عداوتهم لك ولأصحابك . { وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ } من هزيمة أو شدة - كما حدث يوم أحد - " يقولوا " باختيال وعجب وشماتة { قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ } . أى قد تلافينا ما يهمنا من الأمر بالحزم والتيقظ ، من قبل وقوع المصيبة التى حلت بالمسلمين ، ولم نلق بأيدينا إلى التهلكة كما فعل هؤلاء المسلمون . وقوله { وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } تصوير لحالهم ، ولما جبلوا عليه من شماتة بالمسلمين . أى عندما تصيب المسلمين مصيبة أو مكروه ، ينصرف هؤلاء المنافقون إلى أهليهم وشيعتهم - والفرح يملأ جوانحهم - ليبشروهم بما نزل بالمسلمين من مكروه . قال الجمل فإن قلت فلم قابل الله الحسنة بالمصيبة ، ولم يقابلها بالسيئة كما قال فى سورة آل عمران { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } قلت لأن الخطاب هنا للنبى - صلى الله عليه وسلم - وهى فى حقه مصيبة يثاب عليها ، لا سيئة يعاتب عليها ، والتى فى آل عمران خطاب للمؤمنين " . وقوله { قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا … } إرشاد للرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الجواب الذى يكبتهم ويزيل فرحتهم . أى " قل " يا محمد - لهؤلاء المنافقين الذين يسرهم ما يصيبك من شر ، ويحزنهم ما يصيبك من خير ، والذين خلت قلوبهم من الإِيمان بقضاء الله وقدره ، قل لهم على سبيل التقريع والتبكيت . لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا وقدره علينا " هو مولانا " الذى يتولانا فى كل أمورنا ، ونلجأ إليه فى كل أحوالنا . وعليه وحده - سبحانه نكل أمورنا وليس على أحد سواه . وقوله { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ … } إرشاد آخر للرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الجواب الذى يخرس ألسنة هؤلاء المنافقين ويزيل فرحتهم . وقوله { تَرَبَّصُونَ } التربص بمعنى الانتظار فى تمهل . يقال فلان يتربص بفلان الدوائر ، إذا كان ينتظر وقوع مكروه به . والحسنيان مثنى الحسنى . والمراد بهما النصر أو الشهادة . أى قل يا محمد لهؤلاء المنافقين - أيضا - إنكم ما تنتظرون بنا إلا إحدى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما أحسن من جميع العواقب ، وهما إما النصر على الأعداء ، وفى ذلك الأجر والمغنم والسلامة ، وإما أن نقتل بأيديهم وفى ذلك الشهادة والفوز بالجنة والنجاة من النار . قال الآلوسى والحاصل أن ما تنتظرونه بنا - أيها المنافقون - لا يخلوا من أحد هذين الأمرين ، كل منهما عاقبته حسنى لا كما تزعمون من أن ما يصيبنا من القتل فى الغزو سوء ، ولذلك سررتم به . وصح من حديث أبى هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال " تكفل الله - تعالى - لمن جاهد فى سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد فى سبيله ، وتصديق كلمته أن يدخله الجنة . أو يرجعه إلى مسكنه الذى خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة " . وقوله { وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا } بيان لما ينتظر المؤمنون وقوعه بالمنافقين . أى ونحن معشر المؤمنين نتربص بكم أيها المنافقون إحدى السوءتين من العواقب إما " أن يصيبكم الله بعذاب " كائن " من عنده " فيهلككم كما أهلك الذين من قبلكم ، وإما أن يصيبكم بعذاب كائن " بأيدينا " بأن يأذن لنا فى قتالكم وقتلكم . والفاء فى قوله { فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } للإِفصاح . أى إذا كان الأمر كذلك فتربصوا بنا ما هو عاقبتنا ، فإنا معكم متربصون ما هو عاقبتكم ، وسترون أن عاقبتنا على كل حال هى الخير ، وأن عاقبتكم هى الشر . وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة ، قد حكت طرفا من رذائل المنافقين ومن مسالكهم الخبيثة لكيد الدعوة الإِسلامية ، وردت عليهم بما يكبتهم ، ويفضحهم على رءوس الأشهاد . ثم بين - سبحانه - أن هؤلاء المنافقين نفقاتهم غير مقبولة ، لأن قلوبهم خالية من الإيمان . ولأن عباداتهم ليست خالصة لوجه الله ، وأن ما ينفقونه سيكون عليهم حسرة فقال - تعالى - { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً … وَهُمْ كَافِرُونَ } .