Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 71-72)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الإِمام ابن كثير لما ذكر - سبحانه - صفات المنافقين الذميمة ، عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة فقال { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } . أى يتناصرون ويتعاضدون كما جاء فى الحديث الصحيح " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وفى الصحيح - أيضا - " مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " . وقال - سبحانه - هنا { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } بينما قال فى المنافقين { بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } للإِشعار بأن المؤمنين فى تناصرهم وتعاضدهم وتراحمهم مدفوعون بدافع العقيدة الدينية التى ألفت بين قلوبهم ، وجعلتهم أشبه ما يكونون بالجسد الواحد ، أما المنافقون فلا توجد بينهم هذه الروابط السامية ، وإنما الذى يوجد بينهم هو التقليد واتباع الهوى ، والسير وراء العصبية الممقوتة ، فهم لا ولاية بينهم ، وإنما الذى بينهم هو التقليد وكراهية ما أنزل الله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقوله { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ … } بيان للآثار التى تترتب على تلك الولاية الخالصة ، وتفصيل للصفات الحسنة التى تحلى بها المؤمنون والمؤمنات . أى أن من صفات هؤلاء المؤمنين والمؤمنات الذين جمعتهم العقيدة الدينية على التناصر والتراحم … من صفاتهم أنهم { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أى يأمرون بكل خير دعا إليه الشرع ، وينهون عن كل شر تأباه تعاليم الإِسلام الحنيف . وقوله { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } أى يؤدونها فى أوقاتها بإخلاص وخشوع … وقوله { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أى يعطونها لمستحقيها بدون منِّ أو أذى … وقوله { وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أى فى سائر الأحوال بدون ملل أو انقطاع أو تكاسل … وقوله { أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } بيان للجزاء الطيب الذى ادخره الله - تعالى - لهم . أى أولئك المؤمنون والمؤمنات المتصفون بتلك الصفات السامية ، سيرحمهم الله - تعالى - برحمته الواسعة ، إنه - سبحانه - " عزيز " لا يعجزه شئ " حكيم " فى كل أفعاله وتصرفاته . قال صاحب الكشاف " والسين هنا مفيدة لوجود الرحمة ، فهى تؤكد الوعد ، كما تؤكد الوعيد كما فى قولك سأنتقم منك يوما ، تعنى أنك لا تفوتنى وإن تباطأ ذلك ، ونحوه { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } ثم فصل - سبحانه - مظاهر رحمته للمؤمنين والمؤمنات أصحاب تلك الصفات السابقة فقال { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } . أى { وَعَدَ ٱللَّهُ } بفضله وكرمه { ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أى من تحت بساتينها وأشجارها وقصورها { خَالِدِينَ فِيهَا } فى تلك الجنات خلودا أبديا . ووعدهم كذلك " مساكن طيبة " أى منازل حسنة ، تنشرح لها الصدور وتستطيبها النفوس . وقوله { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } أى فى جنات ثابته مستقرة . يقال فلان عدن بمكان كذا ، إذا استقر به وثبت فيه ، ومنه سمى المعدن معدنا لاستقراره فى باطن الأرض . وقيل إن كلمة " عدن " علم على مكان مخصوص فى الجنة ، أى فى جنات المكان المسمى بهذا الاسلام وهو " عدن " . ثم بشرهم - سبحانه - بما هو أعظم من كل ذلك فقال { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } . أى أن المؤمنين والمؤمنات ليس لهم هذه الجنات والمساكن الطيبة فحسب وإنما لهم ما هو أكبر من ذلك وأعظم وهو رضا الله - تعالى - عنهم ، وتجليه عليهم ، وتشرفهم بمشاهدة ذاته الكريمة ، وشعورهم بأنهم محل رعاية الله وكرمه . والتنكير فى قوله { وَرِضْوَانٌ } للتعظيم والتهويل ، وللإِشارة إلى أن الشئ اليسير من هذا الرضا الإلهى على العبد ، أكبر من الجنات ومن المساكن الطيبة ، ومن كل حطام الدنيا . روى الشيخان عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " إن الله - عز وجل - يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة ، فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير فى يديك . فيقول هل رضيتم ؟ فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون يا ربنا وأى شئ أفضل من ذلك ؟ فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدا " . وروى البزار فى مسنده عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال الله - تعالى - هل تشتهون شيئا فأزيدكم ؟ قالوا يا ربنا وما خير مما أعطيتنا ؟ قال رضوانى أكبر " . وقوله { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أى ذلك الذى وعد الله به المؤمنين والمؤمنات فى جنات ومساكن طيبة ، ومن رضا من الله عنهم ، هو الفوز العظيم الذى لا يقاربه فوز ، ولا يدانيه نعيم ، ولا يسامى شرفه شرف … وبهذا نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد بشرتا المؤمنين والمؤمنات بأعظم البشارات ، ووصفتهم بأشرف الصفات ، وقابلت بين جزائهم وبين جزاء الكفار والمنافقين ، بما يحمل العاقل على أن يسلك طريق المؤمنين ، وعلى أن ينهج نهجهم ، ويتحلى بأوصافهم … وبذلك يفوز بنعيم الله ورضاه كما فازوا ، ويسعد كما سعدوا ، وينجو من العذاب الذى توعد الله به المنافقين والكافرين بسبب اصرارهم على الكفر والنفاق ، وإيثارهم الغىّ على الرشد . ثم أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بمجاهدة الكفار والمنافقين بكل وسيلة ، لأنهم جميعا لا يريدون الانتهاء عن المكر السئ بالدعوة الإِسلامية فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ … } .