Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 93-96)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فهذه الآيات الكريمة بيان لما سيكون من أمر المنافقين الذين قعدوا فى المدينة بدون عذر ، بعد أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم والمؤمنون من تبوك . والمعنى إذا كان الضعفاء والمرضى ومن فى حكمهم ، لا إثم ولا عقوبة عليهم بسبب تخلفهم عن الجهاد ، فإن " السبيل " أى الإِثم والعقوبة { عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ } فى التخلف " وهم أغنياء " أى يملكون كل وسائل الجهاد من مال وقوة وعدة . وقوله { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ } استئناف تعليلى مسبوق لمزيد مذمتهم . أى استأذنوك مع غناهم وقدرتهم على القتال ، لأنهم لخلو قلوبهم من الإِيمان ، ولسقوط همتهم وجبنهم ، رضوا لأنفسهم أن يقبعوا فى المدينة مع الخالف من النساء والصبيان والعجزة . وقوله { وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } بيان لسوء مصيرهم . أى وبسبب هذا الإِصرار على النفاق ، والتمادى فى الفسوق العصيان ، ختم الله - تعالى - على قلوبهم ، فصارت لا تعلم ما يترتب على ذلك من مصائب دينية ودنيوية وأخروية . قوله { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ } ، إخبار عما سيقولونه للمؤمنين عند لقائهم بهم . أى أن هؤلاء المنافقين المتخلفين عن الجهاد مع قدرتهم عليه ، سيعتذرون إليكم - أيها المؤمنون - إذا رجعتم إليهم من تبوك . بأن يقولوا لكم مثلا إن قعودنا فى المدينة وعدم خروجنا معكم كانت له مبرراته القوية . فلا تؤاخذونا . وهذه الجملة الكريمة من الأنباء التى أنبأ الله بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن أحوال المنافقين وعما سيقولونه له وللمؤمنين بعد عودتهم إليهم ، وهذا يدل على أن هذه الآيات نزلت فى أثناء العودة ، وقبل وصول الرسول وأصحابه إلى المدينة من تبوك . وقوله { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } ، إبطال لمعاذيرهم ، وتلقين من الله - تعالى - لرسوله بالرد الذى يخرس ألسنتهم . أى قل لهم - أيها الرسول الكريم - عندما يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم ، قل لهم دعوكم من هذه المعاذير الكاذبة ، ولا تتفوهوا بها أمامنا ، فإننا { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } ولن نصدق أقوالكم ، فإن الله ، تعالى . قد كشف لنا عن حقيقتكم ووضح لنا أحوالكم ، وبين لنا ما أنتم عليه من نفاق وفسوق وعصيان ، وما دام الأمر كذلك ، فوفروا على أنفسكم هذه المعاذير الكاذبة . وقال ، سبحانه . { قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } ولم يقل قد نبأنى ، للاشعار بأن الله - تعالى - قد أمر رسوله . صلى الله عليه وسلم . أن يبلغ المؤمنين بأحوال هؤلاء المنافقين حتى يكونوا على بينة من أمرهم . وقوله { وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } تهديد لهم على نفاقهم وكذبهم . أى دعوا عنكم هذه الأعذار الباطلة ، فإن الله - تعالى - مطلع على أحوالكم ، وسيعلم سركم وجهركم علما يترتب عليه الجزاء العادل لكم ، ويبلغ رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأخباركم ، هذا فى الدنيا ، أما فى الآخرة ، فأنتم " ستردون " يوم القيامة { إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } الذى لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أى فيخبركم بما كنتم تعملونه فى الدنيا من أعمال قبيحة ، وسيجازيكم عليها بما تستحقونه من عقاب . ثم أخبر - سبحانه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن هؤلاء المنافقين ، سيؤكدون أعذارهم الكاذبة بالأيمان الفاجرة فقال { سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ … } . أى أنهم سيحلفون بالله لكم - أيها المؤمنون - إذا ما رجعتم إليهم من تبوك وذلك لكى تعرضوا عنهم فلا توبخوهم على قعودهم ، ولا تعنفوهم على تخلفهم . وقوله { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ } تعليل لوجوب الإِعراض عنهم ، لا على سبيل الصفح والعفو ، بل على سبيل الإِهمال والترك والاحتقار . أى فأعرضوا - أيها المؤمنون - عن هؤلاء المنافقين المتخلفين ، لأنهم " رجس " . أى قذر ونجس لسوء نواياهم ، وخبث طواياهم . وقد جعلهم - سبحانه - نفس الرجس . مبالغة فى نجاسة أعمالهم ، وقبح بواطنهم . وقوله { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } بيان لسوء مصيرهم فى الآخرة . أى أنهم فى الدنيا محل الاحتقار والازدراء لنجاسة بواطنهم ، أما فى الآخرة فمستقرهم وموطنهم جهنم بسبب ما اكتسبوه من أعمال قبيحة ، وما اجترحوه من أفعال سيئة . وقوله { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } بدل مما قبله . ولم يذكر - سبحانه - المحلوف به لظهوره أى يحلفون بالله لترضوا عنهم ، ولتصفحوا عن سيئاتهم … وقوله { فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } بيان لحكم الله - تعالى - فيهم ، حتى يكون المؤمنون على حذر منهم . أى إن هؤلاء المنافقين المتخلفين عن الجهاد يحلفون بالله لكم بأنهم ما تخلفوا إلا لعذر ، لكى تصفحوا عنهم ، أيها المؤمنون ، فإن صفحتم عنهم على سبيل الفرض فإن الله - تعالى - لا يصفح ولا يرضى عن القوم الذين فسقوا عن أمره ، وخرجوا عن طاعته . وقال الآلوسى ، " والمراد من الآية الكريمة ، نهى المخاطبين عن الرضا عنهم ، وعن الاغترار بمعاذيرهم الكاذبة على أبلغ وجه وآكده ، فإن الرضا عمن لا يرضى عنه الله - تعالى - مما لا يكاد يصدر عن المؤمنين ، والآية نزلت على ما روى عن ابن عباس فى جد بن قيس ، ومعتب بن قشير ، وأصحابها من المنافقين ، وكانوا ثمانين رجلا ، أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين لما رجعوا إلى المدينة ألا يجالسوهم ولا يكلموهم فامتثلوا . وقال - سبحانه - { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } ولم يقل فإن الله لا يرضى عنهم ، لتسجيل الفسق عليهم ، وللإِيذان بشمول هذا الحكم لكل من كان مثلهم فى الفسوق وفى الخروج عن طاعة الله ، تعالى . وجواب الشرط فى قوله { فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } محذوف ، والتقدير فإن ترضوا عنهم على سبيل الفرض ، فإن رضاكم عنهم لن ينفعهم ، لأن الله تعالى . لا يرضى عن القوم الذين خرجوا عن طاعته . وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت جانباً آخر من الأحوال القبيحة للمنافقين ، وردت على معاذيرهم الكاذبة ، وأيمانهم الفاجرة بما يفضحهم ويخزيهم ، وتوعدتهم بسوء العاقبة فى الدنيا والآخرة . ثم بعد الحديث الطويل عن النفاق والمنافقين ، أخذت السورة الكريمة ، فى الحديث عن طوائف أخرى منها الصالح ، ومنها غير الصالح ، وقد بدأت بالحديث عن الأعراب سكان البادية ، فقال - تعالى - { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ … غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .