Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 31-37)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُل لِّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } خصهم بالإضافة تنويهاً لهم وتنبيهاً على أنهم المقيمون لحقوق العبودية ، ومفعول { قُلْ } محذوف يدل عليه جوابه : أي قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا . { يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } فيكون إيذاناً بأنهم لفرط مطاوعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بحيث لا ينفك فعلهم عن أمره ، وأنه كالسبب الموجب له ، ويجوز أن يقدرا بلام الأمر ليصح تعلق القول بهما وإنما حسن ذلك ها هنا ولم يحسن في قوله : @ مُحَمَّدٌ تفد نَفْسَكَ كُلُّ نَفْس إِذَا مَا خفت مِنْ أَمْرٍ تَبَالاَ @@ لدلالة قل عليه . وقيل هما جواباً أقيموا وأنفقوا مقامين مقامهما ، وهو ضعيف لأنه لا بد من مخالفة ما بين الشرط وجوابه ولأن أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحداً . { سِرًّا وَعَلاَنِيَةً } منتصبان على المصدر أي إنفاق سر وعلانية ، أو على الحال أي ذوي سر وعلانية ، أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية ، والأحب إعلان الواجب وإخفاء المتطوع به . { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدى به نفسه . { وَلاَ خِلَـٰلٌ } ولا مخالة فيشفع لك خليل ، أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالانفاق لوجه الله تعالى . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على النفي العام . { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } مبتدأ وخبر { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ رِزْقاً لَكُمْ } تعيشون به وهو يشمل المطعوم والملبوس مفعول لأخرج و { مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ } بيان له وحال منه ويحتمل عكس ذلك ويجوز أن يراد به المصدر فينتصب بالعلة ، أو المصدر لأن أخرج في معنى رزق . { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } بمشيئته إلى حيث توجهتم . { وَسَخَّرَ لَكُمْ ٱلأَنْهَـٰرَ } فجعلها معدة لانتفاعكم وتصرفكم وقيل تسخير هذه الأشياء تعليم كيفية اتخاذها . { وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَائِبَين } يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاح ما يصلحانه من المكونات . { وَسَخَّر لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم . { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } أي بعض جميع ما سألتموه يعني من كل شيء سألتموه شيئاً ، فإن الموجود من كل صنف بعض ما في قدرة الله تعالى ، ولعل المراد بـ { مَا سَأَلْتُمُوهُ } ما كان حقيقاً بأن يسأل لاحتياج الناس إليه سئل أو لم يسأل ، وما يحتمل أن تكون موصولة وموصوفة ومصدرية ويكون المصدر بمعنى المفعول . وقرىء { مِنْ كُلِّ } بالتنوين أي وآتاكم من كل شيء ما احتجتم إليه وسألتموه بلسان الحال ، ويجوز أن تكون « ما » نافية في موقع الحال أي وآتاكم من كل شيء غير سائليه . { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } لا تحصروها ولا تطيقوا عد أنواعها فضلاً عن أفرادها ، فإنها غير متناهية . وفيه دليل على أن المفرد يفيد الاستغراق بالإِضافة . { إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ } يظلم النعمة بإغفال شكرها ، أو يظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان . { كَفَّارٌ } شديد الكفران . وقيل ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع . { وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ } بلدة مكة . { آمِناً } ذا أمن لمن فيها ، والفرق بينه وبين قوله : { ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا } [ البقرة : 126 ] أن المسؤول في الأول إزالة الخوف عنه وتصييره آمناً ، وفي الثاني جعله من البلاد الآمنة . { وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ } بعدني وإياهم ، { أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } واجعلنا منها في جانب وقرىء { وَٱجنبنى } وهما على لغة نجد وأما أهل الحجاز فيقولون جنبني شره . وفيه دليل على أن عصمة الأنبياء بتوفيق الله وحفظه إياهم وهو بظاهره ، لا يتناول أحفاده وجميع ذريته . وزعم ابن عيينة أن أولاد إسماعيل عليه الصلاة والسلام لم يعبدوا الصنم محتجاً به وإنما كانت لهم حجارة يدورون بها ويسمونها الدوار ويقولون البيت حجر فحيثما نصبنا حجراً فهو بمنزلته . { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ } فلذلك سألت منك العصمة واستعذت بك من إضلالهن ، وإسناد الإِضلال إليهن باعتبار السببية كقوله تعالى : { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } [ الأنعام : 70 ] … { فَمَن تَبِعَنِى } على ديني . { فَإِنَّهُ مِنِّى } أي بعضي لا ينفك في أمر الدين . { وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تقدر أن تغفر له وترحمه ابتداء ، أو بعد التوفيق للتوبة . وفيه دليل على أن كل ذنب فلِلَّهِ أن يغفره حتى الشرك إلا أن الوعيد فرق بينه وبين غيره . { رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى } أي بعض ذريتي أو ذرية من ذريتي فحذف المفعول وهم إسماعيل ومن ولد منه قال إسكانه متضمن لإسكانهم . { بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ } يعني وادي مكة فإنها حجرية لا تنبت . { عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ } الذي حرمت التعرض له والتهاون به ، أو لم يزل معظماً ممنعاً يهابه الجبابرة ، أو منع منه الطوفان فلم يستول عليه ولذلك سمي عتيقاً أي أعتق منه . ولو دعا بهذا الدعاء أول ما قدم فلعله قال ذلك باعتبار ما كان أو ما سيؤول إليه . روي أن هاجر كانت لسارة رضي الله عنها فوهبتها لإبراهيم عليه السلام فولدت منه إسماعيل عليه السلام ، فغارت عليهما فناشدته أن يخرجهما من عندها فأخرجهما إلى أرض مكة فأظهر الله عين زمزم ، ثم إن جرهم رأوا ثم طيوراً فقالوا لا طير إلا على الماء ، فقصدوه فرأوهما وعندهما عين فقالوا أشركينا في مائك نشركك في ألباننا ففعلت . { رَّبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ } اللام لام كي وهي متعلقة بـ { أَسْكَنتُ } أي ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم . وتكرير النداء وتوسيطه للاشعار بأنها المقصودة بالذات من إسكانهم ثمة ، والمقصود من الدعاء توفيقهم لها . وقيل لام الأمر والمراد هو الدعاء لهم بإقامة الصلاة كأنه طلب منهم الإِقامة وسأل من الله تعالى أن يوفقهم لها . { فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ } أي أفئدة من أفئدة الناس ، و { مِنْ } للتبعيض ولذلك قيل لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليهم فارس والروم ولحجت اليهود والنصارى ، أو للابتداء كقولك : القلب مني سقيم أي أفئدة ناس . وقرأ هشام « أفئيدة » بخلف عنه بياء بعد الهمزة . وقرىء « آفدة » وهو يحتمل أن يكون مقلوب « أفئدة » كآدر في أدؤر وأن يكون اسم فاعل من أفدت الرحلة إذا عجلت أي جماعة يعجلون نحوهم « وأفدة » بطرح الهمزة للتخفيف ، وإن كان الوجه فيه إخراجهما بين ويجوز أن يكون من أفد . { تَهْوِى إِلَيْهِمْ } تسرع إليهم شوقاً ووداداً . وقرىء { تهوى } على البناء للمفعول من أهوى إليه غيره و { تهوى } من هوى يهوي إذا أحب ، وتعديته بإلى لتضمنه معنى النزوع . { وَٱرْزُقْهُمْ مِّنَ ٱلثَّمَرٰتِ } مع سكناهم وادياً لا نبات فيه . { لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } تلك النعمة ، فأجاب الله عز وجل دعوته فجعله حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء حتى توجد فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد .