Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 29-40)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَٱدْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } كل صنف بابها المعد له . وقيل أبواب جهنم أصناف عذابها . { خَـٰلِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبّرِينَ } جهنم . { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } يعني المؤمنين . { مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا } أي أنزل خيراً ، وفي نصبه دليل على أنهم لم يتلعثموا في الجواب ، وأطبقوه على السؤال معترفين بالإِنزال على خلاف الكفرة . روي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاء الوافد المقتسمين قالوا له ما قالوا وإذا جاء المؤمنين قالوا لهم ذلك . { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } مكافأة في الدنيا . { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } أي ولثوابهم في الآخرة خير منها ، وهو عدة للذين اتقوا على قولهم ، ويجوز أن يكون بما بعده حكاية لقولهم بدلاً وتفسيراً لـ { خَيْرًا } على أنه منتصب بـ { قَالُواْ } . { وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } دار الآخرة فحذفت لتقدم ذكرها وقولِه : { جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون المخصوص بالمدح . { يَدْخُلُونَهَا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ } من أنواع المشتهيات ، وفي تقديم الظرف تنبيه على أن الإِنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة . { كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } مثل هذا الجزاء يجزيهم وهو يؤيد الوجه الأول . { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ طَيّبِينَ } طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي لأنه في مقابلة { ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ } . وقيل فرحين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة ، أو طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى حضرة القدس . { يَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } لا يحيقكم بعد مكروه . { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } حين تبعثون فإنها معدة لكم على أعمالكم . وقيل هذا التوفي وفاة الحشر لأن الأمر بالدخول حينئذ . { هَلْ يَنظُرُونَ } ما ينتظر الكفار المار ذكرهم . { إِلا أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } لقبض أرواحهم . وقرأ حمزة والكسائي بالياء . { أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبّكَ } القيامة أو العذاب المستأصل . { كَذٰلِكَ } مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب . { فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } فأصابهم ما أصابوا . { وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ } بتدميرهم . { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بكفرهم ومعاصيهم المؤدية إليه . { فَأَصَابَهُمْ سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } أي جزاء سيئات أعمالهم على حذف المضاف ، أو تسمية الجزاء باسمها . { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } وأحاط بهم جزاؤه والحيق لا يستعمل إلا في الشر . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآء ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْء نَّحْنُ وَلا ءَابَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ من شيء } إنما قالوا ذلك استهزاء أو منعاً للبعثة والتكليف متمسكين بأن ما شاء الله يجب وما لم يشأ يمتنع فما الفائدة فيها ، أو إنكاراً لقبح ما أنكر عليهم من الشرك وتحريم البحائر ونحوها محتجين بأنها لو كانت مستقبحة لما شاء الله صدورها عنهم ولشاء خلافه ، ملجئاً إليه لا اعتذاراً إذ لم يعتقدوا قبح أعمالهم ، وفيما بعده تنبيه على الجواب عن الشبهتين . { كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } فأشركوا بالله وحرموا حله وردوا رسله . { فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } إلا الإِبلاغ الموضح للحق وهو لا يؤثر في هدى من شاء الله هداه لكنه يؤدي إليه على سبيل التوسط ، وما شاء الله وقوعه إنما يجب وقوعه لا مطلقاً بل بأسباب قدرها له ، ثم بين أن البعثة أمر جرت به السنة الإِلهية في الأمم كلها سبباً لهدى من أراد اهتداءه وزيادة لضلال من أراد ضلاله ، كالغذاء الصالح فإنه ينفع المزاج السوي ويقويه ويضر المنحرف ويفنيه بقوله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ } يأمر بعبادة الله تعالى واجتناب الطاغوت . { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ } وفقهم للإِيمان بإرشادهم . { وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلَـٰلَةُ } إذ لم يوفقهم ولم يرد هداهم ، وفيه تنبيه على فساد الشبهة الثانية لما فيه من الدلالة على أن تحقق الضلال وثباته بفعل الله تعالى وإرادته من حيث أنه قسم من هدى الله ، وقد صرح به في الآية الأخرى . { فَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ } يا معشر قريش . { فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذّبِينَ } من عاد وثمود وغيرهم لعلكم تعتبرون . { إِن تَحْرِصْ } يا محمد . { عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ } من يريد ضلاله وهو المعني بمن حقت عليه الضلالة . وقرأ غير الكوفيين { لاَّ يَهِدِّي } على البناء للمفعول وهو أبلغ . { وَمَا لَهُم مّن نَّـٰصِرِينَ } من ينصرهم بدفع العذاب عنهم . { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } عطف على { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } إيذاناً بأنهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث مقسمين عليه زيادة في البيت على فساده ، ولقد رد الله عليهم أبلغ رد فقال : { بَلَىٰ } يبعثهم . { وَعْداً } مصدر مؤكد لنفسه وهو ما دل عليه { بَلَىٰ } فإن يبعث موعد من الله . { عَلَيْهِ } إنجازه لامتناع الخلف في وعده ، أو لأن البعث مقتضى حكمته . { حَقّاً } صفة أخرى للوعد . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أنهم يبعثون وإما لعدم علمهم بأنه من مواجب الحكمة التي جرت عادته بمراعاتها ، وإما لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهمون امتناعه ، ثم إنه تعالى بين الأمرين فقال : { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ } أي يبعثهم { لِيُبَيّنَ لَهُمُ } . { ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ } وهو الحق . { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰذِبِينَ } فيما يزعمون ، وهو إشارة إلى السبب الداعي إلى البعث المقتضي له من حيث الحكمة ، وهو المميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل بالثواب والعقاب ثم قال : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } وهو بيان إمكانية وتقريره أن تكوين الله بمحض قدرته ومشيئته لا توقف له على سبق المواد والمدد ، وإلاَّ لزم التسلسل فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادة ومثال أمكن له تكوينها إعادة بعده ، ونصب ابن عامر والكسائي ها هنا وفي « يس » فيكون عطفاً على نقول أو جواباً للأمر .