Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 53-66)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } أي وأي شيء اتصل بكم من نعمة فهو من الله ، { وَمَا } شرطية أو موصولة متضمنة معنى الشرط باعتبار الإِخبار دون الحصول ، فإن استقرار النعمة بهم يكون سبباً للإِخبار بأنها من الله لا لحصولها منه . { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْـأَرُونَ } فما تتضرعون إلا إليه ، والجؤار رفع الصوت في الدعاء والاستغاثة . { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم } وهم كفاركم . { بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ } بعبادة غيره ، هذا إذا كان الخطاب عاماً ، فإن كان خاصاً بالمشركين كان من للبيان كأنه قال : إذا فريق وهم أنتم ، ويجوز أن تكون من للتبعيض على أن يعتبر بعضهم كقوله تعالى : { فَلَمَّا نَجَّـٰهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } [ لقمان : 32 ] { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيْنَـٰهُمْ } من نعمة الكشف عنهم كأنهم قصدوا بشركهم كفران النعمة ، أو إنكار كونها من الله تعالى . { فَتَمَتَّعُواْ } أمر تهديد . { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أغلظ وعيده ، وقرىء « فيمتعوا » مبنياً للمفعول عطفاً على { لِيَكْفُرُواْ } ، وعلى هذا جاز أن تكون اللام لام الأمر الوارد للتهديد والفاء للجواب . { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } أي لآلهتهم التي لا علم لها لأنها جماد فيكون الضمير { لِمَا } ، أو التي لا يعلمونها فيعتقدون فيها جهالات مثل أنها تنفعهم وتشفع لهم على أن العائد إلى ما محذوف ، أو لجهلهم على أن ما مصدرية والمجعول له محذوف للعلم به . { نَصِيبًا مّمّا رَزَقْنَـٰهُمْ } من الزروع والأنعام . { تَٱللَّهِ لَتُسْـئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } من أنها آلهة حقيقة بالتقرب إليها وهو وعيد لهم عليه . { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَـٰتِ } كانت خزاعة وكنانة يقولون الملائكة بنات الله . { سُبْحَـٰنَهُ } تنزيه له من قولهم ، أو تعجب منه . { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } يعني البنين ، ويجوز فيما يشتهون الرفع بالابتداء والنصب بالعطف على البنات على أن الجعل بمعنى الاختيار ، وهو وإن أفضى إلى أن يكون ضمير الفاعل والمفعول لشيء واحد لكنه لا يبعد تجويزه في المعطوف . { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ } أخبر بولادتها . { ظَلَّ وَجْهُهُ } صار أو دام النهار كله . { مُسْوَدّا } من الكآبة والحياء من الناس . واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتشوير . { وَهُوَ كَظِيمٌ } مملوء غيظاً من المرأة . { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ } يستخفى منهم . { مِن سُوء مَا بُشِّرَ بِهِ } . من سوء المبشر به عرفاً . { أَيُمْسِكُهُ } محدثاً نفسه متفكراً في أن يتركه . { عَلَىٰ هُونٍ } ذل { أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ } أي يخفيه فيه ويئده ، وتذكير الضمير للفظ { مَا } وقرىء بالتأنيث فيهما . { أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ } حيث يجعلون لمن تعالى عن الولد ما هذا محله عندهم . { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ } صفة السوء وهي الحاجة إلى الولد المنادية بالموت واستبقاء الذكور استظهاراً بهم وكراهة الإِناث ووأدهن خشية الإِملاق . { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق والجود الفائق والنزاهة عن صفات المخلوقين . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } المنفرد بكمال القدرة والحكمة . { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ } بكفرهم ومعاصيهم . { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا } على الأرض ، وإنما أضمرها من غير ذكر للدلالة الناس والدابة عليها . { مِن دَابَّةٍ } قط بشؤم ظلمهم . وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : كاد الجعل يهلك في حجره بذنب ابن آدم أو من دابة ظالمة . وقيل لو أهلك الآباء بكفرهم لم يكن الأبناء . { وَلٰكِن يُؤَخِرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } سماه لأعمارهم أو لعذابهم كي يتوالدوا . { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } بل هلكوا أو عذبوا حينئذ لا محالة ، ولا يلزم من عموم الناس وإضافة الظلم إليهم أن يكونوا كلهم ظالمين حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لجواز أن يضاف إليهم ما شاع فيهم وصدر عن أكثرهم . { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ } أي ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء في الرياسة ، والاستخفاف بالرسل وأراذل الأموال . { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ } مع ذلك وهو . { أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي عند الله كقوله : { وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت : 50 ] وقرىء { ٱلْكَذِبَ } جمع كذوب صفة للألسنة . { لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ } رد لكلامهم وإثبات لضده . { وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } مقدمون إلى النار من أفرطته في طلب الماء إذا قدمته . وقرأ نافع بكسر الراء على أنه من الإِفراط في المعاصي . وقرىء بالتشديد مفتوحاً من فرطته في طلب الماء ومكسوراً من التفريط في الطاعات . { تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـِّنُ أَعْمَالَهُمْ } فأصروا على قبائحها وكفروا بالمرسلين . { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ } أي في الدنيا ، وعبر باليوم عن زمانها أو فهو وليهم حين كان يزين لهم ، أو يوم القيامة على أنه حكاية حال ماضية أو آتية ، ويجوز أن يكون الضمير لقريش أي زين الشيطان للكفرة المتقدمين أعمالهم وهو ولي هؤلاء اليوم يغريهم ويغويهم ، وإن يقدر مضاف أي فهو ولي أمثالهم ، والولي القرين أو الناصر فيكون نفياً للناصر لهم على أبلغ الوجوه . { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في القيامة . { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ } للناس . { ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } من التوحيد والقدر وأحوال المعاد وأحكام الأفعال . { وَهُدَىً وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } معطوفان على محل لتبين فإنهما فعلا المنزل بخلاف التبيين . { وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَاءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } أنبت فيها أنواع النبات بعد يبسها . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } سماع تدبر وإنصاف . { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَـٰمِ لَعِبْرَةً } دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم . { نُّسْقِيكُمْ مّمَّا فِي بُطُونِهِ } استئناف لبيان العبرة ، وإنما ذكر الضمير ووحده ها هنا للفظ وأنثه في سورة « المؤمنين » للمعنى ، فإن { ٱلأَنْعَـٰمِ } اسم جمع ولذلك عده سيبويه في المفردات المبنية على أفعال كأخلاق وأكياس ، ومن قال إنه جمع نعم جعل الضمير للبعض فإن اللبن لبعضها دون جميعها أو لواحده أو له على المعنى ، فإن المراد به الجنس . وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب { نُّسْقِيكُمْ } بالفتح هنا وفي « المؤمنين » . { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا } فإنه يخلق من بعض أجزاء الدم المتولد من الأجزاء اللطيفة التي في الفرث ، وهو الأشياء المأكولة المنهضمة بعض الانهضام في الكرش . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أن البهيمة إذا اعتلفت وانطبخ العلف في كرشها كان أسفله فرثاً وأوسطه لبناً وأعلاه دماً ، ولعله إن صح فالمراد أن أوسطه يكون مادة اللبن وأعلاه مادة الدم الذي يغذي البدن ، لأنهما لا يتكونان في الكرش بل الكبد يجذب صفارة الطعام المنهضم في الكرش ، ويبقي ثفله وهو الفرث ثم يمسكها ريثما يهضمها هضماً ثانياً فيحدث أخلاطاً أربعة معها مائية ، فتميز القوة المميزة تلك المائية بما زاد على قدر الحاجة من المرتين وتدفعها إلى الكلية والمرارة والطحال ، ثم يوزع الباقي على الأعضاء بحسبها فيجري إلى كل حقه على ما يليق به بتقدير الحكيم العليم ، ثم إن كان الحيوان أنثى زاد أخلاطها على قدر غذائها لاستيلاء البرد والرطوبة على مزاجها ، فيندفع الزائد أولاً إلى الرحم لأجل الجنين فإذا انفصل انصب ذلك الزائد أو بعضه إلى الضروع ، فيبيض بمجاورة لحومها الغددية البيض فيصير لبناً ، ومن تدبر صنع الله تعالى في إحداث الأخلاط والألبان وإعداد مقارها ومجاريها والأسباب المولدة لها والقوى المتصرفة فيها كل وقت على ما يليق به ، اضطر إلى الإقرار بكمال حكمته وتناهي رحمته ، و { مِنْ } الأولى تبعيضية لأن اللبن بعض ما في بطونها والثانية ابتدائية كقولك : سقيت من الحوض ، لأن بين الفرث والدم المحل الذي يبتدأ منه الإِسقاء وهي متعلقة بـ { نُّسْقِيكُمْ } أو حال من { لَّبَنًا } قدم عليه لتنكيره وللتنبيه على أنه موضع العبرة . { خَالِصًا } صافياً لا يستصحب لون الدم ولا رائحة الفرث ، أو مصفى عما يصحبه من الأجزاء الكثيفة بتضييق مخرجه . { سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ } سهل المرور في حلقهم ، وقرىء « سِّيغاً » بالتشديد والتخفيف .