Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 67-70)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمِن ثَمَرٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَـٰبِ } متعلق بمحذوف أي ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما ، وقوله : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } استئناف لبيان الإِسقاء أو بـ { تَتَّخِذُونَ } ، ومنه تكرير للظرف تأكيداً أو خبر لمحذوف صفته { تَتَّخِذُونَ } ، أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه ، وتذكير الضمير على الوجهين الأولين لأنه للمضاف المحذوف الذي هو العصير ، أو لأن الـ { ثَمَرٰتِ } بمعنى الثمر والـ { ـسكر } مصدر سمي به الخمر . { وَرِزْقًا حَسَنًا } كالتمر والزبيب والدبس والخل ، والآية إن كانت سابقة على تحريم الخمر فدالة على كراهتها وإلا فجامعة بين العتاب والمنة . وقيل الـ { سكر } النبيذ وقيل الطعم قال : @ جَعَلْـتُ أَعْـرَاضَ الكِـرَامِ سُكْـراً @@ أي تنقلت بأعراضهم . وقيل ما يسد الجوع من السكر فيكون الرزق ما يحصل من أثمانه . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يستعملون عقولهم بالنظر والتأمل في الآيات . { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } ألهمها وقذف في قلوبها ، وقرىء { إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } بفتحتين . { أَنِ ٱتَّخِذِي } بأن اتخذي ويجوز أن تكون { أن } مفسرة لأن في الإيحاء معنى القول ، وتأنيث الضمير على المعنى فإن النحل مذكر . { مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } ذكر بحرف التبعيض لأنها لا تبني في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش من كرم أو سقف ، ولا في كل مكان منها وإنما سمي ما تبنيه لتتعسل فيه بيتاً تشبيهاً ببناء الإنسان ، لما فيه من حسن الصنعة وصحة القسمة التي لا يقوى عليها أحذق المهندسين إلا بآلات وأنظار دقيقة ، ولعل ذكره للتنبيه على ذلك وقرىء { بُيُوتًا } بكسر الباء ، وقرأ ابن عامر وأبو بكر { يَعْرُِشُونَ } بضم الراء . { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرٰتِ } من كل ثمرة تشتهينها مرها وحلوها . { فَٱسْلُكِي } ما أكلت . { سُبُلَ رَبّكِ } في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلاً من أجوافك ، أو { فَٱسْلُكِي } الطرق التي ألهمك في عمل العسل ، أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك { سُبُلَ رَبّكِ } لا تتوعر عليك . ولا تلتبس . { ذُلُلاً } جمع ذلول وهي حال من السبل ، أي مذللة ذللها الله تعالى وسهلها لك ، أو من الضمير في أسلكي أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به . { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا } كأنه عدل به عن خطاب النحل إلى خطاب الناس ، لأنه محل الإِنعام عليهم والمقصود من خلق النحل وإلهامه لأجلهم . { شَرَابٌ } يعني العسل لأنه مما يشرب ، واحتج به من زعم أن النحل تأكل الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل في بطنها عسلاً ، ثم تقىء ادخاراً للشتاء ، ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها أجزاء طلية حلوة صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار ، وتضعها في بيوتها ادخاراً فإذا اجتمع في بيوتها شيء كثير منها كان العسل فسر البطون بالأفواه . { مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } أبيض وأصفر وأحمر وأسود بحسب اختلاف سن النحل والفصل . { فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } إما بنفسه كما في الأمراض البلغمية ، أو مع غيره كما في سائر الأمراض ، إذ قلما يكون معجون إلا والعسل جزء منه ، مع أن التنكير فيه مشعر بالتبعيض ، ويجوز أن يكون للتعظيم . وعن قتـادة " أن رجـلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي يشتكي بطنه فقال : اسقه العسل فذهب ثم رجع فقال : قد سقيته فما نفع فقال : اذهب واسقه عسلاً فقد صدق الله وكذب بطن أخيك " فسقاه فشفاه الله تعالى فبرأ فكأنما أنشط من عقال . وقيل الضمير للقرآن أو لما بين الله من أحوال النحل . { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فإن من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والأفعال العجيبة حق التدبر علم قطعاً أنه لا بد له من خالق قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه . { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّـٰكُمْ } بآجال مختلفة . { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ } يعاد . { إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } أخسه يعني الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة والعقل . وقيل هو خمس وتسعون سنة وقيل خمس وسبعون . { لِكَيْلاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا } ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء الفهم . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } بمقادير أعماركم . { قَدِيرٌ } يميت الشاب النشيط ويبقى الهرم الفاني ، وفيه تنبيه على أن تفاوت آجال الناس ليس إلا بتقدير قادر حكيم ، ركب أبنيتهم وعدَّل أمزجتهم على قدر معلوم ، ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لم يبلغ التفاوت هذا المبلغ .