Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 19-24)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَنْ أَرَادَ ٱلأَخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } حقها من السعي وهو الإِتيان بما أمر به ، والانتهاء عما نهى عنه لا التقرب بما يخترعون بآرائهم . وفائدة اللام اعتبار النية والإِخلاص . { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } إيماناً صحيحاً لا شرك معه ولا تكذيب فإنه العمدة . { فَأُوْلَـئِكَ } الجامعون للشروط الثلاثة . { كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا } من الله تعالى أي مقبولاً عنده مثاباً عليه ، فإن شكر الله الثواب على الطاعة . { كُلاًّ } كل واحد من الفريقين ، والتنوين بدل من المضاف إليه . { نُّمِدُّ } بالعطاء مرة بعد أخرى ونجعل آنفه مدداً لسالفه . { هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء } بدل من { كُلاًّ } . { مِنْ عَطَاء رَبّكَ } من معطاه متعلق بـ { نُّمِدُّ } . { وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّكَ مَحْظُورًا } ممنوعاً لا يمنعه في الدنيا من مؤمن ولا كافر تفضلاً . { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } في الرزق ، وانتصاب { كَيْفَ } بـ { فَضَّلْنَا } على الحال . { وَلَلأَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـٰتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } أي التفاوت في الآخرة أكبر ، لأن التفاوت فيها بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها . { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءاخَرَ } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته أو لكل أحد . { فَتَقْعُدَ } فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة ، أو فتعجز من قولهم قعد عن الشيء إذا عجز عنه . { مَذْمُومًا مَّخْذُولاً } جامعاً على نفسك الذم من الملائكة والمؤمنين والخذلان من الله تعالى ، ومفهومه أن الموحد يكون ممدوحاً منصوراً . { وَقَضَىٰ رَبُّكَ } وأمر أمراً مقطوعاً به . { أَن لاَّ تَعْبُدُواْ } بأن لا تعبدوا . { إِلاَّ إِيَّاهُ } لأن غاية التعظيم لا تحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الإِنعام ، وهو كالتفصيل لسعي الآخرة . ويجوز أن تكون { ءانٍ } مفسرة و { لا } ناهية . { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } وبأن تحسنوا ، أو وأحسنوا بالوالدين إحساناً لأنهما السبب الظاهر للوجود والتعيش ، ولا يجوز أن تتعلق الباء بالإِحسان لأن صلته لا تتقدم عليه . { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا } { أَمَّا } هي إن الشرطية زيدت عليها ما تأكيداً ولذلك صح لحوق النون المؤكدة للفعل ، وأحدهما فاعل { يَبْلُغَنَّ } ويدل على قراءة حمزة والكسائي من ألف « يبلغان » الراجع إلى « الوالدين » ، وكلاهما عطف على أحدهما فاعلاً أو بدلاً ولذلك لم يجز أن يكون تأكيداً للألف ، ومعنى { عِندَكَ } أن يكونا في كنفك وكفالتك . { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ } فلا تتضجر مما يستقذر منهما وتستثقل من مؤنتهما ، وهو صوت يدل على تضجر . وقيل هو اسم الفعل الذي هو أتضجر ، وهو مبني على الكسر لالتقاء الساكنين وتنوينه في قراءة نافعٍ وحفص للتنكير . وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالفتح على التخفيف . وقرىء به منوناً وبالضم للاتباع كمنذ منوناً وغير منون ، والنهي عن ذلك يدل على المنع من سائر أنواع الايذاء قياساً بطريق الأولى . وقيل عرفاً كقولك : فلان لا يملك النقير والقطمير ، ولذلك منع رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة من قتل أبيه وهو في صف المشركين ، نهى عما يؤذيهما بعد الأمر بالإِحسان بهما . { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } ولا تزجرهما عما لا يعجبك بإغلاظ . وقيل النهي والنهر والنهم أخوات . { وَقُل لَّهُمَا } بدل التأفيف والنهر . { قَوْلاً كَرِيمًا } جميلاً لا شراسة فيه . { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ } تذلل لهما وتواضع فيهما ، وجعل للذل جناحاً كما جعل لبيد في قوله : @ وَغَدَاةَ رِيحٍ قَدْ كشفت وَقرة إِذْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا @@ للشمال يداً أو للقرة زماماً ، وأمره بخفضه مبالغة أو أراد جناحه كقوله تعالى : { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الحجر : 88 ] . وإضافته إلى الذل للبيان والمبالغة كما أضيف حاتم إلى الجود ، والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل . وقرىء « ٱلذل » بالكسر وهو الانقياد والنعت منه ذلول . { مِنَ ٱلرَّحْمَةِ } من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما إلى من كان أفقر خلق الله تعالى إليهما بالأمس . { وَقُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا } وادع الله تعالى أن يرحمهما برحمته الباقية ، ولا تكتف برحمتك الفانية وإن كانا كافرين لأن من الرحمة أن يهديهما : { كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا } رحمة مثل رحمتهما علي وتربيتهما وإرشادهما لي في صغري وفاء بوعدك للراحمين . روي : أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أبوي بلغا من الكبر أني أَلي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما . قال : لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما ) .