Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 27-36)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ } لا يقولون شيئاً حتى يقوله كما هو ديدن العبيد المؤدبين ، وأصله لا يسبق قولهم قوله فنسب السبق إليه وإليهم ، وجعل القول محله وأداته تنبيهاً على استهجان السبق المعرض به للقائلين على الله ما لم يقله ، وأنيبت اللام على الإِضافة اختصاراً وتجافياً عن تكرير الضمير ، وقرىء { لاَ يَسُبقُونَهُ } بالضم من سابقته فسبقته أسبقه . { وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } لا يعملون قط ما لم يأمرهم به . { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } لا تخفى عليه خافية مما قدموا وأخروا ، وهو كالعلة لما قبله والتمهيد لما بعده فإنهم لإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم ويراقبون أحوالهم . { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } أن يشفع له مهابة منه . { وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ } عظمته ومهابته . { مُشْفِقُونَ } مرتعدون ، وأصل الخشية خوف مع تعظيم ولذلك خص بها العلماء . والإِشفاق خوف مع اعتناء فإن عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإن عدي بعلى فبالعكس . { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ } من الملائكة أو من الخلائق . { إِنّى إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } يريد به نفي النبوة وادعاء ذلك عن الملائكة وتهديد المشركين بتهديد مدعي الربوبية . { كَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ } من ظلم بالإِشراك وادعاء الربوبية . { أَوَ لَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أو لم يعلموا ، وقرأ ابن كثير بغير واو . { أَنَّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ كَانَتَا رَتْقاً } ذات رتق أو مرتوقتين ، وهو الضم والالتحام أي كانتا شيئاً واحداً وحقيقة متحدة . { فَفَتَقْنَـٰهُمَا } بالتنويع والتمييز ، أو كانت السموات واحدة ففتقت بالتحريكات المختلفة حتى صارت أفلاكاً ، وكانت الأرضون واحدة فجعلت باختلاف كيفياتها وأحوالها طبقات أو أقاليم . وقيل { كَانَتَا } بحيث لا فرجة بينهما ففرج . وقيل { كَانَتَا رَتْقاً } لا تمطر ولا تنبت ففتقناهما بالمطر والنبات ، فيكون المراد بـ { ٱلسَّمَـٰوَاتِ } سماء الدنيا وجمعها باعتبار الآفاق أو { ٱلسَّمَـٰوَاتِ } بأسرها على أن لها مدخلاً ما في الأمطار ، والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون من العلم به نظراً فإن الفتق عارض مفتقر إلى مؤثر واجب وابتداء أو بوسط ، أو استفساراً من العلماء ومطالعة للكتب ، وإنما قال { كَانَتَا } ولم يقل كن لأن المراد جماعة السموات وجماعة الأرض . وقرىء { رَتْقاً } بالفتح على تقدير شيئاً رتقاً أي مرتوقاً كالرفض بمعنى المرفوض . { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ } وخلقنا من الماء كل حيوان كقوله تعالى { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } [ النور : 45 ] وذلك لأنه من أعظم مواده أو لفرط احتياجه إليه وانتفاعه به بعينه ، أو صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا يحيا دونه . وقرىء « حياً » على أنه صفة { كُلَّ } أو مفعول ثان ، والظرف لغو والشيء مخصوص بالحيوان . { أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } مع ظهور الآيات . { وَجَعَلْنَا فِى ٱلأَرْضِ رَوَاسِىَ } ثابتات من رسا الشيء إذا ثبت . { أَن تَمِيدَ بِهِمْ } كراهة أن تميل بهم وتضطرب ، وقيل لأن لا تميد فحذف لا لأمن الإِلباس . { وَجَعَلْنَا فِيهَا } في الأرض أو الرواسي . { فِجَاجاً سُبُلاً } مسالك واسعة وإنما قدم فجاجاً وهو وصف له ليصير حالاً فيدل على أنه حين خلقها خلقها كذلك ، أو ليبدل منها { سُبُلاً } فيدل ضمناً على أنه خلقها ووسعها للسابلة مع ما يكون فيه من التوكيد . { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } إلى مصالحهم . { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } عن الوقوع بقدرته أو الفساد والإِخلال إلى الوقت المعلوم بمشيئته ، أو استراق السمع بالشهب . { وَهُمْ عَنْ ءَايَـٰتِهَا } عن أحوالها الدالة على وجود الصانع ووحدته وكمال قدرته وتناهي حكمته التي يحس ببعضها ويبحث عن بعضها في علمي الطبيعة والهيئة . { مُّعْرِضُونَ } غير متفكرين . { وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَـٰرَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } بيان لبعض تلك الآيات . { كُلٌّ فِى فَلَكٍ } أي كل واحد منهما ، والتنوين بدل من المضاف إليه والمراد بالفلك الجنس كقولهم : كساهم الأمير حلة . { يَسْبَحُونَ } يسرعون على سطح الفلك إسراع السابح على سطح الماء ، وهو خبر { كُلٌّ } والجملة حال من { ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } ، وجاز إنفرادهما بها لعدم اللبس والضمير لهما ، وإنما جمع باعتبار المطالع وجعل الضمير واو العقلاء لأن السباحة فعلهم . { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَـٰلِدُونَ } نزلت حين قالوا نتربص به ريب المنون وفي معناه قوله : @ فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا @@ والفاء لتعلق الشرط بما قبله والهمزة لإِنكاره بعد ما تقرر ذلك . { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } ذائقة مرارة مفارقتها جسدها ، وهو برهان على ما أنكروه . { وَنَبْلُوكُم } ونعاملكم معاملة المختبر . { بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ } بالبلايا والنعم . { فِتْنَةً } ابتلاء مصدر من غير لفظه . { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } فنجازيكم حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر ، وفيه إيماء بأن المقصود من هذه الحياة والابتلاء والتعريض للثواب والعقاب تقريراً لما سبق . { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَتَّخِذُونَكَ } ما يتخذونك . { إِلاَّ هُزُواً } إلا مهزوءاً به ويقولون : { أَهَـٰذَا ٱلَّذِى يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ } أي بسوء ، وإنما أطلقه لدلالة الحال فإن ذكر العدو لا يكون إلا بسوء . { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } بالتوحيد أو بإرشاد الخلق ببعث الرسل وإنزال الكتب رحمة عليهم أو بالقرآن . { هُمْ كَـٰفِرُونَ } منكرون فهم أحق أن يهزأ بهم ، وتكرير الضمير للتأكيد والتخصيص ولحيلولة الصلة بينه وبين الخبر .