Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 11-25)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإِفْكِ } بأبلغ ما يكون من الكذب من الإِفك ، وهو الصرف لأنه قول مأفوك عن وجهه ، والمراد ما أفك به على عائشة رضي الله تعالى عنها . وذلك أنه عليه الصلاة والسلام استصحبها في بعض الغزوات فأذن ليلة في القفول بالرحيل ، فمشت لقضاء حاجة ثم عادت إلى الرحل فلمست صدرها فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت لتلتمسه فظن الذي كان يرحلها أنها دخلت الهودج فرحله على مطيتها وسار ، فلما عادت إلى منزلها لم تجد ثمة أحداً فجلست كي يرجع إليها منشد ، وكان صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه قد عرس وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلها فعرفها فأناخ راحلته فركبتها فقادها حتى أتيا الجيش فاتهمت به . { عُصْبَةٌ مّنْكُمْ } جماعة منكم وهي من العشرة إلى الأربعين وكذلك العصابة ، يريد عبد الله بن أبي ، وزيد بن رفاعة ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم ، وهي خبر إن وقوله : { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ } مستأنف والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعائشة وصفوان رضي الله تعالى عنهم والهاء للإِفك . { بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } لاكتسابكم به الثواب العظيم وظهور كرامتكم على الله بإنزال ثماني عشرة آية في براءتكم ، وتعظيم شأنكم وتهويل الوعيد لمن تكلم فيكم والثناء على من ظن بكم خيراً . { لِكُلّ ٱمْرِىءٍ مّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ } لكل جزاء ما اكتسب بقدر ما خاض فيه مختصاً به . { وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ } معظمه وقرأ يعقوب بالضم وهو لغة فيه . { مِنْهُمْ } من الخائضين وهو ابن أبي فإنه بدأ به وأذاعه عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو هو وحسان ومسطح فإنهما شايعاه بالتصريح به { وَٱلَّذِي } بمعنى الذين . { لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } في الآخرة أو في الدنيا بأن جلدوا وصار ابن أبي مطروداً مشهوراً بالنفاق ، وحسان أعمى أشل اليدين ، ومسطح مكفوف البصر . { لَّوْلاَ } هلا . { إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً } بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى : { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } وإنما عدل فيه من الخطاب إلى الغيبة مبالغة في التوبيخ وإشعاراً بأن الإِيمان يقتضي ظن الخير بالمؤمنين والكف عن الطعن فيهم وذب الطاعنين عنهم كما يذبونهم عن أنفسهم . وإنما جاز الفصل بين { لَوْلاَ } وفعله بالظرف لأنه منزل منزلته من حيث إنه لا ينفك عنه وذلك يتسع فيه ما لا يتسع في غيره ، وذلك لأن ذكر الظرف أهم فإن التحضيض على أن لا يخلوا بأوله . { وَقَالُواْ هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ } كما يقول المستيقن المطلع على الحال . { لَّوْلاَ جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ } من جملة المقول تقريراً لكونه كذباً فإن ما لا حجة عليه كذب عند الله أي في حكمه ، ولذلك رتب الحد عليه . { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةِ } لولا هذه لامتناع الشيء لوجود غيره ، والمعنى لولا فضل الله عليكم في الدنيا بأنواع النعم التي من جملتها الإِمهال للتوبة { وَرَحْمَتُهُ } في الآخرة بالعفو والمغفرة المقدران لكم . { لَمَسَّكُمْ } عاجلاً . { فِيمَا أَفَضْتُمْ } خضتم . { فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } يستحقر دونه اللوم والجلد . { إِذْ } ظرف { لَمَسَّكُمْ } أو { أَفَضْتُمْ } . { تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } يأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه يقال تلقى القول كتلقفه وتلقنه ، قرىء « تتلقونه » على الأصل و { تَلَقَّوْنَهُ } من لقيه إذا لقفه و { تَلَقَّوْنَهُ } بكسر حرف المضارعة و { تَلَقَّوْنَهُ } من إلقائه بعضهم على بعض ، و { تَلَقَّوْنَهُ } و « تألقونه » من الألق والألق وهو الكذب ، و « تثقفونه » من ثقفته إذا طلبته فوجدته و « تقفونه » أي تتبعونه . { وَتَقُولُونَ بِأَفْوٰهِكُمْ } أي وتقولون كلاماً مختصاً بالأفواه بلا مساعدة من القلوب . { مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } لأنه ليس تعبيراً عن علم به في قلوبكم كقوله تعالى : { يَقُولُونَ بِأَفْوٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 167 ] { وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً } سهلاً لا تبعة له . { وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } في الوزر واستجرار العذاب ، فهذه ثلاثة آثام مترتبة علق بها مس العذاب العظيم ، تلقي الإِفك بألسنتهم والتحدث به من غير تحقق واستصغارهم لذلك وهو عند الله عظيم . { وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَا } ما ينبغي وما يصح لنا . { أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا } يجوز أن تكون الإِشارة إلى القول المخصوص وأن تكون إلى نوعه ، فإن قذف آحاد الناس محرم شرعاً فضلاً عن تعرض الصديقة ابنة الصديق حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . { سُبْحَـٰنَكَ } تعجب من ذلك الإِفك أو ممن يقول ذلك ، وأصله أن يذكر عند كل متعجب تنزيهاً لله تعالى من أن يصعب عليه مثله ثم كثر فاستعمل لكل متعجب ، أو تنزيه لله تعالى من أن تكون حرمة نبيه فاجرة فإن فجورها ينفر عنه ويخل بمقصود الزواج بخلاف كفرها فيكون تقريراً لما قبله وتمهيداً لقوله : { هَـٰذَا بُهْتَـٰنٌ عَظِيمٌ } لعظمة المبهوت عليه فإن حقارة الذنوب وعظمها باعتبار متعلقاتها . { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ } كراهة أن تعودوا أو في أن تعودوا . { أَبَدًا } ما دمتم أحياء مكلفين . { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فإِن الإِيمان يمنع عنه وفيه تهييج وتقريع . { وَيُبَيّنُ لَكُمُ الأَيَـٰتِ } الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب كي تتعظوا وتتأدبوا . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بالأحوال كلها . { حَكِيمٌ } في تدابره ولا يجوز الكشخنة على نبيه ولا يقرره عليها . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ } يريدون . { أَن تَشِيعَ } أن تنتشر . { ٱلْفَـٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةِ } بالحد والسعير إلى غير ذلك . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } ما في الضمائر . { وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } فعاقبوا في الدنيا على ما دل عليه الظاهر والله سبحانه يعاقب على ما في القلوب من حب الإِشاعة . { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب للدلالة على عظم الجريمة ولذا عطف قوله : { وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } على حصول فضله ورحمته عليهم وحذف الجواب وهو مستغنى عنه بذكره مرة . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } بإشاعة الفاحشة ، وقرىء بفتح الطاء وقرأ نافع والبزي وأبو عمرو وأبو بكر وحمزة بسكونها . { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ } بيان لعلة النهي عن اتباعه ، و « الفحشاء » ما أفرط قبحه ، و « المنكر » ما أنكره الشرع . { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } بتوفيق التوبة الماحية للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها { مَا زَكَى } ما طهر من دنسها . { مِنكُم مّنْ أَحَدٍ أَبَداً } آخر الدهر . { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء } بحمله على التوبة وقبولها . { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } لمقالهم . { عَلِيمٌ } بنياتهم . { وَلاَ يَأْتَلِ } ولا يحلف افتعال من الألية ، أو ولا يقصر من الألو ، ويؤيد الأول أنه قرىء ولا « يتأل » . وأنه نزل في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقد حلف أن لا ينفق على مسطح بعد وكان ابن خالته وكان من فقراء المهاجرين . { أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ } في الدين . { وَٱلسَّعَةِ } في المال . وفيه دليل على فضل أبي بكر وشرفه رضي الله تعالى عنه . { أَن يُؤْتُواْ } على أن لا { يُؤْتُواْ } ، أو في { أَن يُؤْتُواْ } . وقرىء بالتاء على الالتفات . { أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } صفات لموصوف واحد ، أي ناساً جامعين لها لأن الكلام فيمن كان كذلك ، أو لموصوفات أقيمت مقامها فيكون أبلغ في تعليل المقصود . { وَلْيَعْفُواْ } عما فرط منهم . { وَلْيَصْفَحُواْ } بالإِغماض عنه . { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم . { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } مع كمال قدرته فتخلقوا بأخلاقه " روي أنه عليه الصلاة والسلام قرأها على أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال : بلى أحب ورجع إلى مسطح نفقته " . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } العفائف . { ٱلْغَـٰفِلَـٰتِ } عما قذفن به . { ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } بالله وبرسوله استباحة لعرضهن وطعناً في الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين كابن أبي . { لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةِ } لما طعنوا فيهن . { وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } لعظم ذنوبهم ، وقيل هو حكم كل قاذف ما لم يتب ، وقيل مخصوص بمن قذف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لا توبة له ، ولو فتشت وعيدات القرآن لم تجد أغلظ مما نزل في إفك عائشة رضي الله تعالى عنها . { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ } ظرف لما في لهم من معنى الاستقرار لا للعذاب لأنه موصوف ، وقرأ حمزة والكسائي بالياء للتقدم والفصل . { أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعترفون بها بإنطاق الله تعالى إياها بغير اختيارهم ، أو بظهوره آثاره عليها وفي ذلك مزيد تهويل للعذاب . { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ } جزاءهم المستحق . { وَيَعْلَمُونَ } لمعاينتهم الأمر . { أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } الثابت بذاته الظاهر ألوهيته لا يشاركه في ذلك غيره ولا يقدر على الثواب والعقاب سواه ، أو ذو الحق البين أي العادل الظاهر عدله ومن كان هذا شأنه ينتقم من الظالم للمظلوم لا محالة .