Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 1-10)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مكية وآيها سبع وسبعون آية { بسم الله الرحمن الرحيم } { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } تكاثر خيره من البركة وهي كثرة الخير ، أو تزايد على كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله ، فإن البركة تتضمن معنى الزيادة ، وترتيبه عن إنزاله { ٱلْفُرْقَانَ } لما فيه من كثرة الخير أو لدلالته على تعاليه . وقيل دام من بروك الطير على الماء ومنه البركة لدوام الماء فيها ، وهو لا يتصرف فيه ولا يستعمل إلا لله تعالى و { ٱلْفُرْقَانَ } مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما سمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل بتقريره أو المحق والمبطل بإعجازه أو لكونه مفصولاً بعضه عن بعض في الإِنزال ، وقرىء « على عباده » وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته كقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ } [ النور : 34 ] أو الأنبياء على أن { ٱلْفُرْقَانَ } اسم جنس للكتب السماوية . { لِيَكُونَ } العبد أو الفرقان . { لّلْعَـٰلَمِينَ } للجن والإِنس . { نَذِيراً } منذراً أو إنذاراً كالنكير بمعنى الإِنكار ، هذه الجملة وإن لم تكن معلومة لكنها لقوة دليلها أجريت مجرى المعلوم وجعلت صلة . { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } بدل من الأول أو مدح مرفوع أو منصوب . { وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } كزعم النصارى . { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ } كقول الثنوية أثبت له الملك مطلقاً ونفى ما يقوم مقامه وما يقاومه فيه ثم نبه على ما يدل عليه فقال : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } أحدثه إحداثاً مراعى فيه التقدير حسب إرادته كخلقه الإِنسان من مواد مخصوصة وصور وأشكال معينة . { فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } فقدره وهيأه لما أراد منه من الخصائص والأفعال ، كتهيئة الإِنسان للإِدراك والفهم والنظر والتدبير واستنباط الصنائع المتنوعة ومزاولة الأعمال المختلفة إلى غير ذلك ، أو { فَقَدَّرَهُ } للبقاء إلى أجل مسمى . وقد يطلق الخلق لمجرد الإِيجاد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق فيكون المعنى وأوجد كل شيء فقدره في إيجاده حتى لا يكون متفاوتاً . { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً } لما تضمن الكلام إثبات التوحيد والنبوة أخذ في الرد على المخالفين فيهما . { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } لأن عبدتهم ينحتونهم ويصورونهم . { وَلاَ يَمْلِكُونَ } ولا يستطيعون . { لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً } دفع ضر . { وَلاَ نَفْعاً } ولا جلب نفع . { وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوراً } ولا يملكون إماتة أحد وإحياءه أولاً وبعثه ثانياً ومن كان كذلك فبمعزل عن الأُلوهية لعرائه عن لوازمها واتصافه بما ينافيها ، وفيه تنبيه على أن الإِله يجب أن يكون قادراً على البعث والجزاء . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ } كذب مصروف عن وجهه . { ٱفْتَرَاهُ } اختلقه . { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ } أي اليهود فإنهم يلقون إليه أخبار الأمم وهو يعبر عنها بعبارته ، وقيل جبر ويسار وعداس وقد سبق في قوله { إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ } [ النحل : 103 ] { فَقَدْ جَاءُو ظُلْماً } بجعل الكلام المعجز { إِفك } مختلقاً متلقفاً من اليهود . { وَزُوراً } بنسبة ما هو بريء منه إليه وأتى وجاء يطلقان بمعنى فعل فيعديان تعديته . { وَقَالُواْ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ما سطره المتقدمون . { ٱكْتَتَبَهَا } كتبها لنفسه أو استكتبها ، وقرىء على البناء للمفعول لأنه أمي وأصله : اكتتبها كاتب له ، فحذف اللام وأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كاتب ثم حذف الفاعل وبني الفعل للضمير فاستتر فيه . { فَهِىَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } ليحفظها فإنه أمي لا يقدر أن يكرر من الكتاب أو لتكتب . { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسّرَّ فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } لأنه أعجزكم عن آخِركم بفصاحته وتضمنه أخباراً عن مغيبات مستقبلة وأشياء مكنونة لا يعلمها إلا عالم الأسرار فكيف تجعلونه { أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } . { إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } فلذلك لا يعجل في عقوبتكم على ما تقولون مع كمال قدرته عليها واستحقاقكم أن يصب عليكم العذاب صباً . { وَقَالُواْ مَّالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ } ما لهذا الذي يزعم الرسالة وفيه استهانة وتهكم . { يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ } كما نأكل . { وَيَمْشِي فِي ٱلاْسْوَاقِ } لطلب المعاش كما نمشي ، والمعنى إن صح دعواه فما باله لم يخالف حاله حالنا ، وذلك لعمههم وقصور نظرهم على المحسوسات فإن تميز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية وإنما هو بأحوال نفسانية كما أشار إليه تعالى بقوله { قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [ الكهف : 110 ] { لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } لنعلم صدقه بتصديق الملك . { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ } فيستظهر به ويستغني عن تحصيل المعاش . { أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } هذا على سبيل التنزل أي إن لم يلق إليه كنز فلا أقل من أن يكون له بستان كما للدهاقين والمياسير فيتعيش بريعه ، وقرأ حمزة والكسائي بالنون والضمير للكفار . { وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ } وضع { ٱلظَّـٰلِمُونَ } موضع ضميرهم تسجيلاً عليهم بالظلم فيما قالوه . { إِن تَتَّبِعُونَ } ما تتبعون . { إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا } سحر فغلب على عقله ، وقيل ذا سحر وهو الرئة أي بشراً لا ملكاً . { ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ } أي قالوا فيك الأقوال الشاذة واخترعوا لك الأحوال النادرة . { فُضَلُّواْ } عن الطريق الموصل إلى معرفة خواص النبي والمميز بينه وبين المتنبي فخبطوا خبط عشواء . { فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } إلى القدح في نبوتك أو إلى الرشد والهدى . { تَبَارَكَ ٱلَّذِى إِن شَاء جَعَلَ لَكَ } في الدنيا . { خَيْراً مّن ذٰلِكَ } مما قالوا لكن أخره إلى الآخرة لأنه خير وأبقى . { جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } بدل من { خَيْرًا } . { وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } عطف على محل الجزاء ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر بالرفع لأن الشرط إذا كان ماضياً جاز في جزائه الجزم والرفع كقوله : @ وَإِنَّ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْغَبَةٍ يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرَمُ @@ ويجوز أن يكون استئنافاً بوعد ما يكون له في الآخرة ، وقرىء بالنصب على أنه جواب بالواو .