Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 11-20)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوية وظنوا أن الكرامة إنما هي بالمال فطعنوا فيك لفقرك ، أو فلذلك كذبوك لا لما تمحلوا من المطاعن الفاسدة ، أو فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب ويصدقونك بما وعد الله لك في الآخرة ، أو فلا تعجب من تكذيبهم إياك فإنه أعجب منه . { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } ناراً شديدة الاستعار ، وقيل هو اسم لجهنم فيكون صرفه باعتبار المكان . { إِذَا رَأَتْهُمْ } إِذا كانت بمرأى منهم كقوله عليه السلام " لا تتراءى ناراهما " أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى على المجاز والتأنيث لأنه بمعنى النار أو جهنم . { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } هو أقصى ما يمكن أن يرى منه . { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } صوت تغيظ ، شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره وهو صوت يسمع من جوفه ، هذا وإن الحياة لما لم تكن مشروطة عندنا بالبنية أمكن أن يخلق الله فيها حياة فترى وتتغيظ وتزفر . وقيل إن ذلك لزبانيتها فنسب إليها على حذف المضاف . { وَإَذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً } في مكان ومنها بيان تقدم فصار حالاً . { ضَيِّقاً } لزيادة العذاب فإن الكرب مع الضيق والروح مع السعة ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها كعرض السموات والأرض . { مُقْرَّنِينَ } قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل . { دَعَوْاْ هُنَالِكَ } في ذلك المكان . { ثُبُوراً } هلاكاً أي يتمنون الهلاك وينادونه فيقولون تعال يا ثبوراه فهذا حينك . { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وٰحِداً } أي يقال لهم ذلك . { وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً } لأن عذابكم أنواع كثيرة كل نوع منها ثبور لشدته ، أو لأنه يتجدد لقوله تعالى : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [ النساء : 56 ] أو لأنه لا ينقطع فهو في كل وقت ثبور . { قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } الإِشارة إلى العذاب والاستفهام والتفضيل والترديد للتقريع مع التهكم أو إلى الـ { كَنْزٌ } أو الـ { جَنَّةُ } ، والراجع إلى الموصول محذوف وإضافة الـ { جَنَّةُ } إلى { ٱلْخُلْدِ } للمدح أو للدلالة على خلودها ، أو التمييز عن جنات الدنيا . { كَانَتْ لَهُمْ } في علم الله أو اللوح ، أو لأن ما وعده الله تعالى في تحققه كالواقع . { جَزَاءً } على أعمالهم بالوعد . { وَمَصِيراً } ينقلبون إليه ، ولا يمنع كونها جزاء لهم أن يتفضل بها على غيرهم برضاهم مع جواز أن يراد بالمتقين من يتقي الكفر والتكذيب لأنهم في مقابلتهم . { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ } ما يشاؤونه من النعيم ، ولعله تقصر همم كل طائفة على ما يليق برتبته إذ الظاهر أن الناقص لا يدرك شأو الكامل بالتشهي ، وفيه تنبيه على أن كل المرادات لا تحصل إلا في الجنة . { خَـٰلِدِينَ } حال من أحد ضمائرهم . { كَانَ عَلَىٰ رَبّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } الضمير في { كَانَ } لـ { مَا يَشَآءُونَ } والوعد الموعود أي : كان ذلك موعداً حقيقاً بأن يسأل ويطلب ، أو مسؤولاً سأله الناس في دعائهم { رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } [ آل عمران : 194 ] أو الملائكة بقولهم { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ } [ غافر : 8 ] وما في { عَلَىٰ } من معنى الوجوب لامتناع الخلف في وعده تعالى ولا يلزم منه الإِلجاء إلى الإِنجاز ، فإن تعلق الإِرادة بالوعود مقدم على الوعد الموجب للإِنجاز . { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } للجزاء ، وقرىء بكسر الشين وقرأ ابن كثير ويعقوب وحفص بالياء . { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعم كل معبود سواه تعالى ، واستعمال { مَا } إما لأن وضعه أعم ولذلك يطلق لكل شبح يرى ولا يعرف ، أو لأنه أريد به الوصف كأنه قيل ومعبودهم أو لتغليب الأصنام تحقيراً أو اعتباراً لغلبة عبادها ، أو يخص الملائكة وعزيراً والمسيح بقرينة السؤال والجواب ، أو الأصنام ينطقها الله أو تتكلم بلسان الحال كما قيل في كلام الأيدي والأرجل . { فَيَقُولُ } أي للمعبودين وهو على تلوين الخطاب ، وقرأ ابن عامر بالنون . { أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَـؤُلاَء أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } لإِخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد النصيح ، وهو استفهام تقريع وتبكيت للعبدة ، وأصله { أأضللتم } أو { ضَلُّواْ } فغير النظم ليلي حرف الاستفهام المقصود بالسؤال وهو المتولي للفعل دونه لأنه لا شبهه فيه وإلا لما توجه العتاب ، وحذف صلة الضل مبالغة . { قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ } تعجباً مما قيل لهم لأنهم إما ملائكة أو أنبياء معصومون ، أو جمادات لا تقدر على شيء أو إشعاراً بأنهم الموسومون بتسبيحه وتوحيده فكيف يليق بهم إضلال عبيده ، أو تنزيهاً لله تعالى عن الأنداد . { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا } ما يصح لنا . { أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء } للعصمة أو لعدم القدرة فكيف يصح لنا أن ندعو غيرنا أن يتولى أحداً دونك ، وقرىء { نَّتَّخِذَ } على البناء للمفعول من اتخذ الذي له مفعولان كقوله تعالى : { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً } [ النساء : 125 ] ومفعوله الثاني { مِنْ أَوْلِيَاء } و { مِنْ } للتبعيض وعلى الأول مزيدة لتأكيد النفي . { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَاءَهُمْ } بأنواع النعم فاستغرقوا في الشهوات . { حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذّكْرَ } حتى غفلوا عن ذكرك أو التذكر لآلائك والتدبر في آياتك ، وهو نسبة للضلال إليهم من حيث إنه بكسبهم وإسناد له إلى ما فعل الله بهم فحملهم عليه ، وهو عين ما ذهبنا إليه فلا ينتهض حجة علينا للمعتزلة . { وَكَانُواْ } في قضائك . { قَوْماً بُوراً } هالكين مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع ، أو جمع بائر كعائذ وعوذ . { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } التفات إلى العبدة بالاحتجاج والإِلزام على حذف القول والمعنى فقد كذبكم المعبودون . { بِمَا تَقُولُونَ } في قولكم إنهم آلهة أو هؤلاء أضلونا والباء بمعنى في ، أو مع المجرور بدل من الضمير ، وعن ابن كثير بالياء أي : { كَذَّبُوكُمْ } بقولهم { سُبْحَـٰنَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا } . { فَمَا يَسْتَطِيعُونَ } أي المعبودون وقرأ حفص بالتاء على خطاب العابدين . { صَرْفاً } دفعاً للعذاب عنكم ، وقيل حيلة من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال . { وَلاَ نَصْراً } يعينكم عليه . { وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ } أيها المكلفون . { نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً } هي النار والشرط وإن عم كل من كفر أو فسق لكنه في اقتضاء الجزاء مقيد بعدم المزاحم وفاقاً ، وهو التوبة والإِحباط بالطاعة إجماعاً وبالعفو عندنا . { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } أي إلا رسلاً إنهم فحذف الموصوف لدلالة المرسلين عليه وأقيمت الصفة مقامه كقوله تعالى : { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] ويجوز أن تكون حالاً اكتفى فيها بالضمير وهو جواب لقولهم { مَّالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } [ الفرقان : 7 ] وقرىء { يَمْشُونَ } أي تمشيهم حوائجهم أو الناس . { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ } أيها الناس . { لِبَعْضٍ فِتْنَةً } ابتلاء ومن ذلك ابتلاء الفقراء بالأغنياء ، والمرسلين بالمرسل إليهم ومناصبتهم لهم العداوة وإيذائهم لهم ، وهو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قالوه بعد نقضه ، وفيه دليل على القضاء والقدر . { أَتَصْبِرُونَ } علة للجعل والمعنى { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } لنعلم أيكم يصبر ونظيره قوله تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [ هود : 7 ] أو حث على الصبر على ما افتتنوا به . { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } بمن يصبر أو بالصواب فيما يبتلى به وغيره .