Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 35-46)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَـٰرُونَ وَزِيراً } يوازره في الدعوة وإعلاء الكلمة ولا ينافي ذلك مشاركته في النبوة ، لأن المتشاركين في الأمر متوازرون عليه . { فَقُلْنَا ٱذْهَبَا إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ } يعني فرعون وقومه . { بِئَايَٰتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } أي فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم ، فاقتصر على حاشيتي القصة اكتفاء بما هو المقصود منها وهو إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم والتعقيب باعتبار الحكم لا الوقوع ، وقرىء « فدمرتهم » « فدمراهم فدمرانهم » على التأكيد بالنون الثقيلة . { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ } كذبوا نوحاً ومن قبله ، أو نوحاً وحده ولكن تكذيب واحد من الرسل كتكذيب الكل أو بعثة الرسل مطلقاً كالبراهمة . { أَغْرَقْنَـٰهُمْ } بالطوفان . { وَجَعَلْنَـٰهُمْ } وجعلنا إغراقهم أو قصتهم . { لِلنَّاسِ ءَايَةً } عبرة . { وَأَعْتَدْنَا لِلظَّـٰلِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } يحتمل التعميم والتخصيص فيكون وضعاً للظاهر موضع المضمر تظليماً لهم . { وَعَاداً وَثَمُودَ } عطف على هم في { جَعَلْنَـٰهُمْ } أو على « الظالمين » لأن المعنى ووعدنا الظالمين ، وقرأ حمزة وحفص « وثمود » على تأويل القبيلة . { وَأَصْحَـٰبُ ٱلرَّسِّ } قوم كانوا يعبدون الأصنام فبعث الله تعالى إليهم شعيباً فكذبوه ، فبينما هم حول الرس وهي البئر الغير المطوية فانهارت فخسف بهم وبديارهم . وقيل { ٱلرَّسّ } قرية بفلج اليمامة كان فيها بقايا ثمود فبعث إليهم نبي فقتلوه فهلكوا . وقيل الأخدود وقيل بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار ، وقيل هم أصحاب حنظلة بن صفوان النبي ابتلاهم الله تعالى بطير عظيم كان فيها من كل لون ، وسموها عنقاء لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فتخ أو دمخ وتنقض على صبيانهم فتخطفهم إذا أعوزها الصيد ، ولذلك سميت مغرباً فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة ثم أنهم قتلوه فأهلكوا . وقيل هم قوم كذبوا نبيهم ورسوه أي دسوه في بئر . { وَقُرُوناً } وأهل أعصار قيل القرن أربعون سنة وقيل سبعون وقيل مائة وعشرون . { بَيْنَ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما ذكر . { كَثِيراً } لا يعلمها إلا الله . { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ } بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين إنذاراً وإعذاراً فلما أصروا أهلكوا كما قال : { وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } فتتناه تفتيتاً ومنه التبر لفتات الذهب والفضة ، { وَكُلاًّ } الأول منصوب بما دل عليه { ضَرَبْنَا } كأنذرنا والثاني بـ { تَبَّرْنَا } لأنه فارغ . { وَلَقَدْ أَتَوْا } يعني قريشاً مروا مراراً في متاجرهم إلى الشام . { عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } يعني سدوم عظمى قرى قوم لوط أمطرت عليها الحجارة . { أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا } في مرار مرورهم فيتعظوا بما يرون فيها من آثار عذاب الله . { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } بل كانوا كفرة لا يتوقعون نشوراً ولا عاقبة فلذلك لم ينظروا ولم يتعظوا فمروا بها كما مرت ركابهم ، أو لا يأملون نشوراً كما يأمله المؤمنون طمعاً في الثواب ، أو لا يخافونه على اللغة التهامية . { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } ما يتخذونك إلا موضع هزء أو مهزوءاً به . { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } محكي بعد قول مضمر والإِشارة للاستحقار ، وإخراج بعث الله رسولاً في معرض التسليم يجعله صلة وهم على غاية الإِنكار واستهزاء ولولاه لقالوا أهذا الذي زعم أنه بعثه الله رسولاً . { إِن } إنه . { كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا } ليصرفنا عن عبادتها بفرط اجتهاده في الدعاء إلى التوحيد وكثرة ما يوردها مما يسبق إلى الذهن بأنها حجج ومعجزات . { لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } ثبتنا عليها واستمسكنا بعبادتها و { لَوْلاَ } في مثله تقيد الحكم المطلق من حيث المعنى دون اللفظ . { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } كالجواب لقولهم { وَإِن كَادُواْ لَيُضِلُّنَا } فإنه يفيد نفي ما يلزمه ويكون الموجب له ، وفيه وعيد ودلالة على أنه لا يهملهم وإن أمهلهم . { أَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } بأن أطاعه وبنى عليه دينه لا يسمع حجة ولا يبصر دليلاً ، وإنما قدم المفعول الثاني للعناية به . { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } حفيظاً تمنعه عن الشرك والمعاصي وحاله هذا فالاستفهام الأول للتقرير والتعجيب والثاني للإِنكار . { أَمْ تَحْسَبُ } بل أتحسب . { أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ } فتجدي لهم الآيات أو الحجج فتهتم بشأنهم وتطمع في إيمانهم ، وهو أشد مذمة مما قبله حتى حق بالإِضراب عنه إليه ، وتخصيص الأكثر لأنه كان منهم من آمن ومنهم من عقل الحق وكابر استكباراً وخوفاً على الرئاسة . { إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَـٰمِ } في عدم انتفاعهم بقرع الآيات آذانهم وعدم تدبرهم فيما شاهدوا من الدلائل والمعجزات . { بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } من الأنعام لأنها تنقاد لمن يتعهدها وتميز من يحسن إليها ممن يسيء إليها ، وتطلب ما ينفعها وتتجنب ما يضرها وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه من إساءة الشيطان ، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار ، ولأنها إن لم تعتقد حقاً ولم تكتسب خيراً لم تعتقد باطلاً ولم تكتسب شراً ، بخلاف هؤلاء ولأن جهالتها لا تضر بأحد وجهالة هؤلاء تؤدي إلى هيج الفتن وصد الناس عن الحق ، ولأنها غير متمكنة من طلب الكمال فلا تقصير منها ولا ذم وهؤلاء مقصرون ومستحقون أعظم العقاب على تقصيرهم . { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبّكَ } ألم تنظر إلى صنعه . { كَيْفَ مَدَّ ٱلظّلَّ } كيف بسطه أو ألم تنظر إلى الظل كيف مده ربك ، فغير النظم إشعاراً بأنه المعقول من هذا الكلام لوضوح برهانه وهو دلالة حدوثه وتصرفه على الوجه النافع بأسباب ممكنة على أن ذلك فعل الصانع الحكيم كالمشاهد المرئي فكيف بالمحسوس منه ، أو ألم ينته علمك إلى أن ربك كيف مد الظل وهو فيما بين طلوع الفجر والشمس وهو أطيب الأحوال ، فإن الظلمة الخالصة تنفر الطبع وتسد النظر وشعاع الشمس : يسخن الجو ويبهر البصر ، ولذلك وصف به الجنة فقال { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } [ الواقعه : 30 ] { وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً } ثابتاً من السكنى أو غير متقلص من السكون بأن يجعل الشمس مقيمة على وضع واحد . { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } فإنه لا يظهر للحس حتى تطلع فيقع ضوؤها على بعض الأجرام ، أو لا يوجد ولا يتفاوت إلا بسبب حركتها . { ثُمَّ قَبَضْنَـٰهُ إِلَيْنَا } أي أزلناه بإيقاع الشمس موقعه لما عبر عن أحداثه بالمد بمعنى التسيير عبر عن إزالته بالقبض إلى نفسه الذي هو في معنى الكف . { قَبْضاً يَسِيراً } قليلاً قليلاً حسبما ترتفع الشمس لينتظم بذلك مصالح الكون ويتحصل به ما لا يحصى من منافع الخلق ، و { ثُمَّ } في الموضعين لتفاضل الأمور أو لتفاضل مبادىء أوقات ظهورها ، وقيل { مَدَّ ٱلظّلَّ } لما بنى السماء بلا نير ، ودحا الأرض تحتها فألقت عليها ظلها ولو شاء لجعله ثابتاً على تلك الحالة ، ثم خلق الشمس عليه دليلاً ، أي مسلطاً عليه مستتبعاً إياه كما يستتبع الدليل المدلول ، أو دليل الطريق من يهديه فإنه يتفاوت بحركتها ويتحول بتحولها ، { ثُمَّ قَبَضْنَـٰهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } شيئاً فشيئاً إلى أن تنتهي غاية نقصانه ، أو { قَبْضاً } سهلاً عند قيام الساعة بقبض أسبابه من الأجرام المظلة والمظل عليها .