Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 21-34)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ } لا يأملون . { لِقَاءَنَا } بالخير لكفرهم بالبعث ، أولا يخافون { لِقَاءنَا } بالشر على لغة تهامة ، وأصل اللقاء الوصول إلى الشيء ومنه الرؤية فإنه وصول إلى المرئي ، والمراد به الوصول إلى جزائه ويمكن أن يراد به الرؤية على الأول . { لَوْلاَ } هلا . { أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلَٰـئِكَةُ } فتخبرنا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل فيكونوا رسلاً إلينا . { أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } فيأمرنا بتصديقه واتباعه . { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِي أَنفُسِهِمْ } أي في شأنها حتى أرادوا لها ما يتفق لأفراد من الأنبياء الذين هم أكمل خلق الله في أكمل أوقاتها وما هو أعظم من ذلك . { وَعَتَوْا } وتجاوزوا الحد في الظلم . { عُتُوّاً كَبِيراً } بالغاً أقصى مراتبه حيث عاينوا المعجزات القاهرة فأعرضوا عنها ، واقترحوا لأنفسهم الخبيثة ما سدت دونه مطامح النفوس القدسية ، واللام جواب قسم محذوف وفي الاستئناف بالجملة حسن وإشعار بالتعجب من استكبارهم وعتوهم كقوله : @ وَجَارَةُ جَسَّاسٍ أَبأنا بِنَابِهَا كُلَيْباً عَلَتْ نَاب كُلَيْب بوَاؤهَا @@ { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَٰـئِكَةَ } ملائكة الموت أو العذاب ، و { يَوْمَ } نصب باذكر أو بما دل عليه . { لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ } فإنه بمعنى يمنعون البشرى أو يعدمونها ، و { يَوْمَئِذٍ } تكرير أو خبر و { لّلْمُجْرِمِينَ } تبيين أو خبر ثان أو ظرف لما يتعلق به اللام ، أو لـ { بُشْرىً } إن قدرت منونة غير مبنية مع { لا } فإنها لا تعمل ، وللـ { مُّجْرِمِينَ } إما عام يتناول حكمه حكمهم من طريق البرهان ولا يلزم عن نفي البشرى لعامة المجرمين حينئذ نفي البشرى بالعفو والشفاعة في وقت آخر ، وإما خاص وضع موضع ضميرهم تسجيلاً على جرمهم وإشعاراً بما هو المانع للبشرى والموجب لما يقابلها . { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } عطف على المدلول أي ويقول الكفرة حينئذ ، هذه الكلمة استعاذة وطلباً من الله تعالى أن يمنع لقاءهم وهي مما كانوا يقولون عند لقاء عدو أو هجوم مكروه ، أو تقولها الملائكة بمعنى حراماً عليكم الجنة أو البشرى . وقرىء { حجْراً } بالضم وأصله الفتح غير أنه لما اختص بموضع مخصوص غير كقعدك وعمرك ولذلك لا يتصرف فيه ولا يظهر ناصبه ، ووصفه بمحجوراً للتأكيد كقولهم : موت مائت . { وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً } أي وعمدنا إلى ما عملوا في كفرهم من المكارم كقرى الضيف وصلة الرحم وإغاثة الملهوف فأحبطناه لفقد ما هو شرط اعتباره ، وهو تشبيه حالهم وأعمالهم بحال قوم استعصوا على سلطانهم فقدم إلى أشيائهم فمزقها وأبطلها ولم يبق لها أثراً ، والـ { هَبَاء } غبار يرى في شعاع يطلع من الكوة من الهبوة وهي الغبار ، و { مَّنثُوراً } صفته شبه عملهم المحبط بالهباء في حقارته وعدم نفعه ثم بالمنثور منه في انتشاره بحيث لا يمكن نظمه أو تفرقه نحو أغراضهم التي كانوا يتوجهون به نحوها ، أو مفعول ثالث من حيث إنه كالخبر بعد الخبر كقوله تعالى : { كُونُواْ قِرَدَةً خَـٰسِئِينَ } [ البقرة : 65 ] { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } مكاناً يستقر فيه أكثر الأوقات للتجالس والتحادث . { وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } مكاناً يؤوى إليه للاسترواح بالأزواج والتمتع بهن تجوزاً له من مكان القيلولة على التشبيه ، أو لأنه لا يخلو من ذلك غالباً إذ لا نوم في الجنة وفي أحسن رمز إلى ما يتميز به مقيلهم من حسن الصور وغيره من التحاسين ، ويحتمل أن يراد بأحدهما المصدر أو الزمان إشارة إلى أن مكانهم وزمانهم أطيب ما يتخيل من الأمكنة والأزمنة ، والتفضيل إما لإِرادة الزيادة مطلقاً أو بالإِضافة إلى ما للمترفين في الدنيا . روي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار . { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاءُ } أصله تتشقق فحذفت التاء ، وأدغمها ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب . { بِٱلْغَمَـٰمِ } بسبب طلوع الغمام منها وهو الغمام المذكور في قوله { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ } [ البقرة : 210 ] { وَنُزِّلَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ تَنزِيلاً } في ذلك الغمام بصحائف أعمال العباد ، وقرأ ابن كثير « وننزل » وقرىء و « نزلت » « وأنزل » { وَنُزِّلَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } بحذف نون الكلمة . { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } الثابت له لأن كل ملك يبطل يومئذ ولا يبقى إلا ملكه فهو الخبر و { لِلرَّحْمَـٰنِ } صلته ، أو تبيين و { يَوْمَئِذٍ } مفعول { ٱلْمَلِكُ } لا { ٱلْحَقّ } لأنه متأخر أو صفته والخبر { يَوْمَئِذٍ } أو { لِلرَّحْمَـٰنِ } . { وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ عَسِيراً } شديداً . { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ } من فرط الحسرة ، وعض اليدين وأكل البنان وحرق الأسنان ونحوها كنايات عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفهما ، والمراد بـ { ٱلظَّـٰلِمِ } الجنس . وقيل عقبة بن أبي معيط كان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعاه إلى ضيافته فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل ، وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال صبأت فقال : لا ، ولكن آلى أن لا يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحيت منه فشهدت له ، فقال لا أرضى منك إلا أن تأتيه فتطأ قفاه وتبزق في وجهه ، فوجده ساجداً في دار الندوة ففعل ذلك ، فقال عليه الصلاة والسلام : " لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف ، فأسر يوم بدر " فأمر علياً فقتله وطعن أبَياً بِأُحُدْ في المبارزة فرجع إلى مكة ومات . { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } طريقاً إلى النجاة أو طريقاً واحداً وهو طريق الحق ولم تتشعب بي طرق الضلالة . { يَا وَيْلَتَى } وقرىء بالياء على الأصل . { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } يعني من أضله وفلان كناية عن الأعلام كما أن هنا كناية عن الأجناس . { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ } عن ذكر الله أو كتابه أو موعظة الرسول ، أو كلمة الشهادة . { بَعْدَ إِذْ جَاءنِي } وتمكنت منه . { وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ } يعني الخليل المضل أو إبليس لأنه حمله على مخالته ومخالفة الرسول ، أو كل من تشيطن من جن وإنس . { لِلإِنْسَـٰنِ خَذُولاً } يواليه حتى يؤديه إلى الهلاك ثم يتركه ولا ينفعه ، فعول من الخذلان . { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ } محمد يومئذ أو في الدنيا بثاً إلى الله تعالى . { قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِي } قريشاً . { ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً } بأن تركوه وصدوا عنه ، وعنه عليه الصلاة والسلام " من تعلم القرآن وعلق مصحفه ولم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقاً به يقول : يا رب عبدك هذا اتخذني مهجوراً اقض بيني وبينه " أو هجروا ولغوا فيه إذا سمعوه أو زعموا أنه هجر وأساطير الأولين ، فيكون أصله { مَهْجُوراً } فيه فحذف الجار ويجوز أن يكون بمعنى الهجر كالمجلود والمعقول ، وفيه تخويف لقومه فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب . { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِيّ عَدُوّاً مّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } كما جعلناه لك فاصبر كما صبروا ، وفيه دليل على أنه خالق الشر ، والعدو يحتمل الواحد والجمع . { وَكَفَىٰ بِرَبّكَ هَادِياً } إلى طريق قهرهم . { وَنَصِيراً } لك عليهم . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءَانُ } أي أنزل عليه كخبر بمعنى أخبر لئلا يناقض قوله : { جُمْلَةً وٰحِدَةً } دفعة واحدة كالكتب الثلاثة ، وهو اعتراض لا طائل تحته لأن الإِعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو مفرقاً مع أن للتفريق فوائد منها ما أشار إليه بقوله : { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } أي كذلك أنزلناه مفرقاً فتقوى بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه ، لأن حاله يخالف حال موسى وداود وعيسى حيث كان عليه الصلاة والسلام أمياً وكانوا يكتبون ، فلو ألقي عليه جملة لعيل بحفظه ، ولعله لم يستتب له فإن التلقف لا يتأتى إلا شيئاً فشيئاً ، ولأن نزوله بحسب الوقائع يوجب مزيد بصيرة وغوص في المعنى ، ولأنه إذا نزل منجماً وهو يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك قوة قلبه ، ولأنه إذا نزل به جبريل حالاً بعد حال يثبت به فؤاده ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ ومنها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية ، فإنه يعين على البلاغة ، وكذلك صفة مصدر محذوف والإِشارة إلى إنزاله مفرقاً فإنه مدلول عليه بقوله { لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءانُ جُمْلَةً وٰحِدَةً } ويحتمل أن يكون من تمام كلام الكفرة ولذلك وقف عليه فيكون حالاً والإِشارة إلى الكتب السابقة ، واللام على الوجهين متعلق بمحذوف . { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } وقرأناه عليك شيئاً بعد شيء على تؤدة وتمهل في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين وأصل الترتيل في الأسنان وهو تفليجها . { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } سؤال عجيب كأنه مثل في البطلان يريدون به القدح في نبوتك . { إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ } الدامغ له في جوابه . { وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } وبما هو أحسن بياناً أو معنى من سؤالهم ، أو { لا يَأْتُونَكَ } بحال عجيبة يقولون هلا كانت هذه حاله إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا وما هو أحسن كشفاً لما بعثت له . { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ } أي مقلوبين أو مسحوبين عليها ، أو متعلقة قلوبهم بالسفليات متوجهة وجوههم إليها . وعنه عليه الصلاة والسلام " يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف ، صنف على الدواب وصنف على الأقدام وصنف على الوجوه " وهو ذم منصوب أو مرفوع أو مبتدأ خبره . { أُوْلَٰـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً } والمفضل عليه هو الرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة قوله تعالى : { قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [ المائدة : 60 ] كأنه قيل إن حاملهم على هذه الأسئلة تحقير مكانه وتضليل سبيله ولا يعلمون حالهم ليعلموا أنهم شر مكانًا وأضل سبيلاً ، وقيل إنه متصل بقوله { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } ووصف السبيل بالضلال من الإسناد المجازي للمبالغة .