Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 16-42)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أفرد الرسول لأنه مصدر وصف به فإنه مشترك بين المرسل والرسالة ، قال الشاعر : @ لَقَدْ كَذبَ الوَاشُونَ مَا فُهْتُ عِنْدَهُم بِسِرٍ وَلاَ أَرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ @@ ولذلك ثنى تارة وأفرد أخرى ، أو لاتحادهما للأخوة أو لوحدة المرسل والمرسل به ، أو لأنه أراد أن كل واحد منا . { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرٰءيلَ } أي أرسل لتضمن الرسول معنى الإِرسال المتضمن معنى القول ، والمراد خلهم ليذهبوا معنا إلى الشام . { قَالَ } أي فرعون لموسى بعد ما أتياه فقالا له ذلك . { أَلَمْ نُرَبٍِّكَ فِينَا } في منازلنا . { وَلِيداً } طفلاً سمي به لقربه من الولادة . { وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } قيل لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج إلى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله ثلاثين ، ثم بقي بعد الغرق خمسين . { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ } يعني قتل القبطي ، وبخه به معظماً إياه بعدما عدد عليه نعمته ، وقرىء فعلتك بالكسر لأنها كانت قتلة بالوكز . { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } بنعمتي حتى عمدت إلى قتل خواصي ، أو ممن تكفرهم الآن فإنه عليه الصلاة والسلام كان يعايشهم بالتقية فهو حال من إحدى التاءين ، ويجوز أن يكون حكماً مبتدأ عليه بأنه من الكافرين بآلهيته أو بنعمته لما عاد عليه بالمخالفة ، أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم . { قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالّينَ } من الجاهلين وقد قرىء به ، والمعنى من الفاعلين فعل أولي الجهل والسفه ، أو من الخاطئين لأنه لم يتعمد قتله ، أو من الذاهلين عما يؤول إليه الوكز لأنه أراد به التأديب ، أو الناسين من قوله تعالى : { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا } [ البقرة : 282 ] { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبّي حُكْماً } حكمة . { وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } رد أولاً بذلك ما وبخه به قدحاً في نبوته ثم كر على ما عد عليه من النعمة ولم يصرح برده لأنه كان صدقاً غير قادح في دعواه ، بل نبه على أنه كان في الحقيقة نقمة لكونه مسبباً عنها فقال : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرٰءيلَ } أي وتلك التربية نعمة تمنها علي ظاهراً ، وهي في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل وقصدهم بذبح أبنائهم ، فإنه السبب في وقوعي إليك وحصولي في تربيتك . وقيل إنه مقدر بهمزة الإِنكار أي تلك نعمة تمنها علي وهي { أَنْ عَبَّدتَّ } ، ومحل { أَنْ عَبَّدتَّ } الرفع على أنه خبر محذوف أو بدل { نِعْمَة } أو الجر بإضمار الباء أو النصب بحذفها . وقيل تلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة و { أَنْ عَبَّدتَّ } عطف بيانها والمعنى : تعبيدك بني إسرائيل نعمة { تَمُنُّهَا } علي ، وإنما وحد الخطاب في تمنها وجمع فيما قبله لأن المنة كانت منه وحده ، والخوف والفرار منه ومن ملئه . { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } لما سمع جواب ما طعن به فيه ورأى أنه لم يرعو بذلك شرع في الاعتراض على دعواه فبدأ بالاستفسار عن حقيقة المرسل . { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } عرفه بأظهر خواصه وآثاره لما امتنع تعريف الأفراد إلا بذكر الخواص والأفعال وإليه أشار بقوله : { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } أي إن كنتم موقنين الأشياء محققين لها علمتم أن هذه الأجرام المحسوسة ممكنة لتركبها وتعددها وتغير أحوالها ، فلها مبدىء واجب لذاته وذلك المبدىء لا بد وأن يكون مبدأ لسائر الممكنات ما يمكن أن يحس بها وما لا يمكن وإلا لزم تعدد الواجب ، أو استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محال ثم ذلك الواجب لا يمكن تعريفه إلا بلوازمه الخارجية لامتناع التعريف بنفسه وبما هو داخل فيه لاستحالة التركيب في ذاته . { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } جوابه سألته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله ، أو يزعم أنه { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } وهي واجبة متحركة لذاتها كما هو مذهب الدهرية ، أو غير معلوم افتقارها إلى مؤثر . { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } عدولاً إلى ما لا يمكن أن يتوهم فيه مثله ويشك في افتقاره إلى مصور حكيم ويكون أقرب إلى الناظر وأوضح عند التأمل . { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } أسأله عن شيء ويجيبني عن آخر ، وسماه رسولاً على السخرية . { قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا } تشاهدون كل يوم أنه يأتي بالشمس من المشرق ويحركها على مدار غير مدار اليوم الذي قبله حتى يبلغها إلى المغرب على وجه نافع تنتظم به أمور الكائنات . { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } إن كان لكم عقل علمتم أن لا جواب لكم فوق ذلك لاينهم أولاً ، ثم لما رأى شدة شكيمتهم خاشنهم وعارضهم بمثل مقالهم . { قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِى لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } عدولاً إلى التهديد عن المحاجة بعد الانقطاع وهكذا ديدن المعاند المحجوج ، واستدل به على ادعائه الألوهية وإنكاره الصانع وأن تعجبه بقوله { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } من نسبة الربوبية إلى غيره ، ولعله كان دهرياً اعتقد أن من ملك قطراً أو تولى أمره بقوة طالعه استحق العبادة من أهله ، واللام في { ٱلْمَسْجُونِينَ } للعهد أي ممن عرفت حالهم في سجوني فإنه كان يطرحهم في هوة عميقة حتى يموتوا ولذلك جعل أبلغ من لأسجننك . { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } أي أتفعل ذلك ولو جئتك بشيء يبين صدق دعواي ، يعني المعجزة فإنها الجامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته والدلالة على صدق مدعي نبوته ، فالواو للحال وليها الهمزة بعد حذف الفعل . { قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } في أن لك بينة أو في دعواك ، فإن مدعي النبوة لا بُدَّ له من حجة . { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } ظاهر ثعبانيته واشتقاق الثعبان من ثعبت الماء فانثعب إذا فجرته فانفجر . { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّـٰظِرِينَ } روي أن فرعون لما رأى الآية الأولى قال فهل غيرها ، فأخرج يده قال فما فيها فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق . { قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ } مستقرين حوله فهو ظهر وقع موقع الحال . { إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرٌ عَلِيمٌ } فائق في علم السحر . { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } بهره سلطان المعجزة حتى حطه عن دعوى الربوبية إلى مؤامرة القوم وائتمارهم وتنفيرهم عن موسى وإظهار الاستشعار عن ظهوره واستيلائه على ملكه . { قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } أي أخر أمرهما . وقيل إحبسهما . { وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ } شرطاً يحشرون السحرة . { يَأْتُوكَ بِكُلّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } يفضلون عليه في هذا الفن وأمالها ابن عامر وأبو عمرو والكسائي ، وقرىء « بكل ساحر » . { فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } لما وقت به من ساعات يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة . { وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ } فيه استبطاء لهم في الاجتماع حثاً على مبادرتهم إليه كقول تأبط شراً : @ هَلْ أَنْتَ بَاعِثٌ دِينَارٍ لحَاجَتِنَا أَوْ عَبْدَ رَبٍّ أَخَا عَوْنِ بن مِخْرَاقِ @@ أي ابعث أحدهما إلينا سريعاً . { لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَـٰلِبِينَ } لعلنا نتبعهم في دينهم إن غلبوا والترجي باعتبار الغلبة المقتضية للاتباع ، ومقصودهم الأصل أن لا يتبعوا موسى لا أن يتبعوا السحرة فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يتبعوا موسى عليه الصلاة والسلام . { فَلَمَّا جَاء ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } التزم لهم الأجر والقربة عنده زيادة عليه إن أغلبوا فإذا على ما يقتضيه من الجواب والجزاء ، وقرىء { نِعْمَ } بالكسر وهما لغتان .