Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 61-94)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَمَّا تَرَآءَ ٱلْجَمْعَانِ } تقاربا بحيث رأى كل واحد منهما الآخر ، وقرىء « تراءت الفئتان » { قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } لملحقون ، وقرىء » لَمُدْرَكُونَ « من أدرك الشيء إذا تتابع ففني ، أي : لمتتابعون في الهلاك على أيديهم . { قَالَ كَلاَّ } لن يدركوكم فإن الله وعدكم بالخلاص منهم . { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي } بالحفظ والنصرة . { سَيَهْدِينِ } طريق النجاة منهم ، روي أن مؤمن آل فرعون كان بين يدي موسى فقال : أين أمرت فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون ، فقال : أمرت بالبحر ولعلي أومر بما أصنع . { فَأَوْحَينَا إِلَى مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } بحر القلزم أو النيل . { فَٱنفَلَقَ } أي فضرب فانفلق وصار اثني عشر فرقاً بينها مسالك . { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } كالجبل المنيف الثابت في مقره فدخلوا في شعابها كل سبط في شعب . { وَأَزْلَفْنَا } وقربنا . { ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } فرعون وقومه حتى دخلوا على أثرهم مداخلهم . { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } بحفظ البحر على تلك الهيئة إلى أن عبروا . { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } بإطباقه عليهم . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } وأية آية . { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } وما تنبه عليها أكثرهم إذ لم يؤمن بها أحد ممن بقي في مصر من القبط ، وبنو إسرائيل بعد ما نجوا سألوا بقرة يعبدونها واتخذوا العجل وقالوا { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ البقرة : 55 ] { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } المنتقم من أعدائه . { ٱلرَّحِيمِ } بأوليائه . { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ } على مشركي العرب . { نَبَأَ إِبْرٰهِيمَ } . { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } سألهم ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة . { قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَـٰكِفِينَ } فأطالوا جوابهم بشرح حالهم معه تبجحاً به وافتخاراً ، و « نظل » ها هنا بمعنى ندوم . وقيل كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل . { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ } أيسمعون دعاءكم أو يسمعونكم تدعون فحذف ذلك لدلالة . { إِذْ تَدْعُونَ } عليه وقرىء » يَسْمَعُونَكُمْ « أي يسمعونكم الجواب عن دعائكم ومجيئه مضارعاً مع { إِذْ } على حكاية الحال الماضية استحضاراً لها . { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ } على عبادتكم لها . { أَوْ يَضُرُّونَ } من أعرض عنها . { قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } أضربوا عن أن يكون لهم سمع أو يتوقع منهم ضر أو نفع ، والتجأوا إلى التقليد . { قَالَ أَفَرَءَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } فإن التقدم لا يدل على الصحة ولا ينقلب به الباطل حقاً . { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي } يريد أنهم أعداء لعابديهم من حيث إنهم يتضررون من جهتهم فوق ما يتضرر الرجل من جهة عدوه ، أو إن المغري بعبادتهم أعدى أعدائهم وهو الشيطان ، لكنه صور الأمر في نفسه تعريضاً لهم فإنه أنفع في النصح من التصريح ، وإشعاراً بأنها نصيحة بدأ بها نفسه ليكون أدعى إلى القبول ، وإفراد العدو لأنه في الأصل مصدر أو بمعنى النسب . { إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } استثناء منقطع أو متصل على أن الضمير لكل معبود عبدوه وكان من آبائهم من عبد الله . { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } لأنه يهدي كل مخلوق لما خلق له من أمور المعاش والمعاد كما قال تعالى { وَٱلَّذِى قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [ الأعلى : 3 ] هداية مدرجة من مبدأ إيجاده إلى منتهى أجله يتمكن بها من جلب المنافع ودفع المضار ، مبدؤها بالنسبة إلى الإِنسان هداية الجنين إلى امتصاص دم الطمث من الرحم ، ومنتهاها الهداية إلى طريق الجنة والتنعم بلذائذها ، والفاء للسببية إن جعل الموصول مبتدأ وللعطف إن جعل صفة رب العالمين فيكون اختلاف النظم لتقدم الخلق واستمرار الهداية وقوله : { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } على الأول مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه وكذا اللذان بعده ، وتكرير الموصول على الوجهين للدلالة على أن كل واحدة من الصلات مستقلة باقتضاء الحكم . { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } عطف على { يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } لأنه من روادفهما من حيث إن الصحة والمرض في الأغلب يتبعان المأكول والمشروب ، وإنما لم ينسب المرض إليه تعالى لأن المقصود تعديد النعم ، ولا ينتقض بإسناد الإِماتة إليه فإن الموت من حيث إنه لا يحسن به لا ضرر فيه وإنما الضرر في مقدماته وهي المرض ، ثم إنه لأهل الكمال وصلة إلى نيل المحاب التي تستحقر دونها الحياة الدنيوية وخلاص من أنواع المحن والبليات ، ولأن المرض في غالب الأمر إنما يحدث بتفريط من الإِنسان في مطاعمه ومشاربه وبما بين الأخلاط والأركان من التنافي والتنافر ، والصحة إنما تحصل باستحفاظ اجتماعها والاعتدال المخصوص عليها قهراً وذلك بقدرة الله العزيز العليم . { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } في الآخرة . { وَٱلَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِينِ } ذكر ذلك هضماً لنفسه وتعليماً للأمة أن يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر ، وطلب لأن يغفر لهم ما يفرط منهم واستغفاراً لما عسى يندر منه من الصغائر ، وحمل الخطيئة على كلماته الثلاث : { إِنّي سَقِيمٌ } ، { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } ، وقوله « هي أختي » ، ضعيف لأنها معاريض وليست خطايا . { رَبّ هَبْ لِي حُكْماً } كما في العلم والعمل أستعد به لخلافة الحق ورياسة الخلق . { وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّـٰلِحِينَ } ووفقني للكمال في العمل لأنتظم به في عداد الكاملين في الصلاح الذين لا يشوب صلاحهم كبير ذنب ولا صغيره . { وَٱجْعَل لّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلاْخِرِينَ } جاهاً وحسن صيت في الدنيا يبقى أثره إلى يوم الدين ، ولذلك ما من أمة إلا وهم محبون له مثنون عليه ، أو صادقاً من ذريتي يجدد أصل ديني ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم . { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } في الآخرة وقد مر معنى الوراثة فيها . { وَٱغْفِرْ لأَبِي } بالهداية والتوفيق للإِيمان . { إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّالّينَ } طريق الحق وإن كان هذا الدعاء بعد موته فلعله كان لظنه أنه كان يخفي الإِيمان تقية من نمرود ولذلك وعده به ، أو لأنه لم يمنع بعد من الاستغفار للكفار . { وَلاَ تُخْزِنِى } بمعاتبتي على ما فرطت ، أو بنقص رتبتي عن رتبة بعض الوراث ، أو بتعذيبي لخفاء العاقبة وجواز التعذيب عقلاً ، أو بتعذيب والدي ، أو يبعثه في عداد الضالين وهو من الخزي بمعنى الهوان ، أو من الخزاية بمعنى الحياء . { يَوْمِ يُبْعَثُونَ } الضمير للعباد لأنهم معلومون أو لـ { ٱلضَّالّينَ } . { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } أي لا ينفعان أحداً إلا مخلصاً سليم القلب عن الكفر وميل المعاصي وسائر آفاته ، أو لا ينفعان إلا مال من هذا شأنه وبنوه حيث أنفق ماله في سبيل البر ، وأرشد بنيه إلى الحق وحثهم على الخير وقصد بهم أن يكونوا عباد الله مطيعين شفعاء له يوم القيامة . وقيل الاستثناء مما دل عليه المال والبنون أي لا ينفع غنى إلاَّ غناه . وقيل منقطع والمعنى لكن سلامة { مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } تنفعه . { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } بحيث يرونها من الموقف فيتبجحون بأنهم المحشورون إليها . { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } فيرونها مكشوفة ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها ، وفي اختلاف الفعلين ترجيح لجانب الوعد . { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أين آلهتكم الذين تزعمون أنهم شفعاؤكم . { هَلْ يَنصُرُونَكُمْ } بدفع العذاب عنكم . { أَوْ يَنتَصِرُونَ } بدفعه عن أنفسهم لأنهم وآلهتهم يدخلون النار كما قال : { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } أي الآلهة وعبدتهم ، والكبكبة تكرير الكب لتكرير معناه كأن من ألقي في النار ينكب مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها .