Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 95-154)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } متبعوه من عصاة الثقلين ، أو شياطينه . { أَجْمَعُونَ } تأكيد للـ { جُنُودُ } إن جعل مبتدأ خبره ما بعده أو للضمير و { مَا } عطف عليه وكذا الضمير المنفصل وما يعود إليه في قوله : { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } على أن الله ينطق الأصنام فتخاصم العبدة ويؤيده الخطاب في قوله : { إِذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي في استحقاق للعبادة ، ويجوز أن تكون الضمائر للعبد كما في { قَالُواْ } والخطاب للمبالغة في التحسر والندامة ، والمعنى أنهم مع تخاصمهم في مبدأ ضلالهم معترفون بانهماكهم في الضلالة متحسرون عليها . { وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِينَ } كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء . { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } إِذِ الأَخِلاَّء يومئذ بعضهم لبعض عدو إِلاَّ المتقين ، أو فما لنا من شافعين ولا صديق ممن نعدهم شفعاء وأصدقاء ، أو وقعنا في مهلكة لا يخلصنا منها شافع ولا صديق ، وجمع الشافع وحدةالـ { صَدِيقٍ } لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الـصديق ، أو لأن الـ { صَدِيقٍ } الواحد يسعى أكثر مما يسعى الشفعاء ، أو لإِطلاق الـ { صَدِيقٍ } على الجمع كالعدو لأنه في الأصل مصدر كالحنين والصهيل . { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } تمن للرجعة أقيم فيه « لو » مقام ليت لتلاقيهما في معنى التقدير ، أو شرط حذف جوابه . { فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } جواب التمني أو عطف على { كَرَّةٌ } أي : لو أن لنا أن نكر فنكون من المؤمنين . { إِنَّ فِي ذَلك } أي فيما ذكر من قصة إبراهيم . { لآيَةً } لحجة وعظة لمن أراد أن يستبصر بها ويعتبر ، فإنها جاءت على أنظم ترتيب وأحسن تقرير ، يتفطن المتأمل فيها لغزارة علمه لما فيها من الإِشارة إلى أصول العلوم الدينية والتنبيه على دلائلها وحسن دعوته للقوم وحسن مخالفته معهم وكمال إشفاقه عليهم وتصور الأمر في نفسه ، وإطلاق الوعد والوعيد على سبيل الحكاية تعريضاً وإيقاظاً لهم ليكون أدعى لهم إلى الاستماع والقبول . { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ } أكثر قومه . { مُّؤْمِنِينَ } به . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } القادر على تعجيل الانتقام . { ٱلرَّحِيمِ } بالإِمهال لكي يؤمنوا هم أو أحد من ذريتهم . { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } الـ { قَوْمٌ } مؤنثة ولذلك تصغر على قويمة وقد مر الكلام في تكذيبهم المرسلين . { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ } لأنه كان منهم . { أَلاَ تَتَّقُونَ } الله فتتركوا عبادة غيره . { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } مشهور بالأمانة فيكم . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } فيما آمركم به من التوحيد والطاعة لله سبحانه . { وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ } على ما أنا عليه من الدعاء والنصح . { مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } كرره للتأكيد والتنبيه على دلالة كل واحد من أمانته وحسم طمعه على وجوب طاعته فيما يدعوهم إليه فكيف إذا اجتمعا ، وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص بفتح الياء في { أَجْرِيَ } في الكلمات الخمس . { قَالُواْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } الأقلون جاهاً ومالاً جمع الأرذل على الصحة ، وقرأ يعقوب « وأتباعك » وهو جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال ، وهذا من سخافة عقلهم وقصور رأيهم على الحطام الدنيوية ، حتى جعلوا اتباع المقلين فيها مانعاً عن اتباعهم وإيمانهم بما يدعوهم إليه ودليلاً على بطلانه ، وأشاروا بذلك إلى أن اتباعهم ليس عن نظر وبصيرة وإنما هو لتوقع مال ورفعة فلذلك : { قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } إنهم عملوه إخلاصاً أو طمعاً في طعمة وما عليَّ إلا اعتبار الظاهر . { إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّي } ما حسابهم على بواطنهم إلا على الله فإنه المطلع عليها . { لَوْ تَشْعُرُونَ } لعلمتم ذلك ولكنكم تجهلون فتقولون ما لا تعلمون . { وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } جواب لما أوهم قولهم من استدعاه طردهم وتوقيف إيمانهم عليه حيث جعلوا اتباعهم المانع عنه وقوله : { إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } كالعلة له أي ما أنا إلا رجل مبعوث لإِنذار المكلفين عن الكفر والمعاصي سواء كانوا أعزاء أو أذلاء فكيف يليق بي في طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء ، أو ما عليَّ إلا إنذاركم إنذاراً بيناً بالبرهان الواضح فلا عليَّ أن أطردهم لاسترضائكم . { قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰ نُوحٌ } عما تقول . { لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُرْجُومِينَ } من المشتومين أو المضروبين بالحجارة . { قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } إظهاراً لما يدعو عليهم لأجله وهو تكذيب الحق لا تخويفهم له واستخفافهم عليه . { فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً } فاحكم بيني وبينهم من الفتاحة . { وَنَجّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } من قصدهم أو شؤم عملهم . { فَأَنجَيْنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } المملوء . { ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ } بعد إنجائه . { ٱلْبَـٰقِينَ } من قومه . { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } شاعت وتواترت . { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } . { كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ } أنثه باعتبار القبيلة وهو في الأصل اسم أبيهم . { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } . { وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } تصدير القصص بها دلالة على أن البعثة مقصورة على الدعاء إلى معرفة الحق والطاعة فيما يقرب المدعو إلى ثوابه ويبعده عن عقابه ، وكان الأنبياء متفقين على ذلك وإن اختلفوا في بعض التفاريع مبرئين عن المطامع الدنيئة والأغراض الدنيوية . { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ } بكل مكان مرتفع ، ومنه ريع الأرض لارتفاعها . { ءايَةً } علماً للمارة . { تَعْبَثُونَ } ببنائها إذ كانوا يهتدون بالنجوم في أسفارهم فلا يحتاجون إليها أو بروج الحمام ، أو بنياناً يجتمعون إليه للعبث بمن يمر عليهم ، أو قصوراً يفتخرون بها . { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ } مآخذ الماء وقيل قصوراً مشيدة وحصوناً . { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } فتحكمون بنيانها . { وَإِذَا بَطَشْتُمْ } بسيف أو سوط . { بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } متسلطين غاشمين بلا رأفة ولا قصد تأديب ونظر في العاقبة . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } بترك هذه الأشياء . { وَأَطِيعُونِ } فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم . { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ } كرره مرتباً على إمداد الله تعالى إياهم بما يعرفونه من أنواع النعم تعليلاً وتنبيهاً على الوعد عليه بدوام الإِمداد والوعيد على تركه بالإِنقطاع ، ثم فصل بعض تلك النعم كما فصل بعض مساويهم المدلول عليها إجمالاً بالإِنكار في { أَلاَ تَتَّقُونَ } مبالغة في الإِيقاظ والحث على التقوى فقال : { أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَـٰمٍ وَبَنِينَ وَجَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } ثم أوعدهم فقال : { إِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } في الدنيا والآخرة ، فإنه كما قدر على الإِنعام قدر على الإِنتقام . { قَالُواْ سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مّنَ ٱلْوٰعِظِينَ } فإنا لا نرعوي عما نحن عليه ، وتغيير شق النفي عما تقتضيه المقابلة للمبالغة في قلة اعتدادهم بوعظه . { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين ، أو ما خلقنا هذا إلا خلقهم نحيا ونموت مثلهم ولا بعث ولا حساب ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة » خُلُقُ ٱلاْوَّلِينَ « بضمتين أي ما هذا الذي جئت به إلا عادة الأولين كانوا يلفقون مثله ، أو ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا خلق الأولين وعادتهم ونحن بهم مقتدون ، أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة قديمة لم تزل الناس عليها . { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } على ما نحن عليه . { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ } بسبب التكذيب بريح صرصر . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَـٰلِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } . { وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِيمَا هَا هُنَا ءَامِنِينَ } إنكار لأن يتركوا كذلك أو تذكير للنعمة في تخلية الله إياهم وأسباب تنعمهم آمنين ثم فسره بقوله : { فِي جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } . { وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } لطيف لين للطف الثمر ، أو لأن النخل أنثى وطلع وإناث النخل ألطف وهو ما يطلع منها كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو ، أو متدل منكسر من كثرة الحمل ، وإفراد الـ { نَخْلٍ } لفضله على سائر أشجار الجنات أو لأن المراد بها غيرها من الأشجار . { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَـٰرِهِينَ } بطرين أو حاذقين من الفراهة وهي النشاط ، فإن الحاذق يعمل بنشاط وطيب قلب . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو « فرهين » وهو أبلغ من « فارهين » . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } استعير الطاعة التي هي انقياد الأمر لامتثال الأمر ، أو نسب حكم الآمر إلى أمره مجازاً . { ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } وصف موضح لإِسرافهم ولذلك عطف : { وَلاَ يُصْلِحُونَ } على يفسدون دلالة على خلوص فسادهم . { قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } الذين سحروا كثيراً حتى غلب على عقلهم ، أو من ذوي السحر وهي الرئة أي من الأناسي فيكون : { مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا } تأكيداً له . { فَأْتِ بِئَايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } في دعواك .