Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 55-69)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } تكرماً . { وَقَالُواْ } للاغين . { لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } متاركة لهم وتوديعاً ، أو دعاء لهم بالسلامة عما هم فيه . { لاَ نَبْتَغِى ٱلْجَـٰهِلِينَ } لا نطلب صحبتهم ولا نريدها . { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } لا تقدر على أن تدخلهم في الإِسلام . { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاءُ } فيدخله في الإِسلام . { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } بالمستعدين لذلك . والجمهور على " أنها نزلت في أبي طالب فإنه لما احتضر جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ، قال : يا ابن أخي قد علمت إنك لصادق ولكن أكره أن يقال خدع عند الموت " { وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } نخرج منها . نزلت في الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب وإنما نحن أكلة رأس أن يتخطفونا من أرضنا فرد الله عليهم بقوله : { أَوَ لَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَماً ءَامِناً } أو لم نجعل مكانهم حرماً ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه يتناحر العرب حوله وهم آمنون فيه . { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ } يحمل إليه ويجمع فيه ، وقرأ نافع ويعقوب في رواية بالتاء . { ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } من كل أوب . { رّزْقاً مّن لَّدُنَّا } فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف نعرضهم للتخوف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } جهلة لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعلموه ، وقيل إنه متعلق بقوله { مّن لَّدُنَّـا } أي قليل منهم يتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله ، وأكثرهم لا يعلمون إذ لو علموا لما خافوا غيره ، وانتصاب { رِزْقاً } على المصدر من معنى { يُجْبَىٰ } ، أو حال من الـ { ثَمَرٰتِ } لتخصصها بالإِضافة ، ثم بين أن الأمر بالعكس فإنهم أحقاء بأن يخافوا من بأس الله على ما هم عليه بقوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } أي وكم من أهل قرية كانت حالهم كحالهم في الأمن وخفض العيش حتى أشروا فدمر الله عليهم وخرب ديارهم . { فَتِلْكَ مَسَـٰكِنُهُمْ } خاوية . { لَمْ تُسْكَن مّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً } من السكنى إذ لا يسكنها إلا المارة يوماً أو بعض يوم ، أو لا يبقى من يسكنها من شؤم معاصيهم . { وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوٰرِثِينَ } منهم إذ لم يخلفهم أحد يتصرف تصرفهم في ديارهم وسائر متصرفاتهم ، وانتصاب { مَعِيشَتَهَا } بنزع الخافض أو بجعلها ظرفاً بنفسها كقولك : زيد ظني مقيم ، أو بإضمار زمان مضاف إليها أو مفعولاً على تضمين بطرت معنى كفرت . { وَمَا كَانَ رَبُّكَ } وما كانت عادته . { مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا } في أصلها التي هي أعمالها ، لأن أهلها تكون أفطن وأنبل . { رَسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِنَا } لإِلزام الحجة وقطع المعذرة . { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَـٰلِمُونَ } بتكذيب الرسل والعتو في الكفر . { وَمَا أُوتِيتُم مّن شَىْء } من أسباب الدنيا . { فَمَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا } تتمتعون وتتزينون به مدة حياتكم المنقضية . { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } وهو ثوابه . { خَيْرٌ } في نفسه من ذلك لأنه لذة خاصة وبهجة كاملة . { وَأَبْقَىٰ } لأنه أبدى . { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، وقرأ أبو عمرو بالياء وهو أبلغ في الموعظة . { أَفَمَن وَعَدْنَـٰهُ وَعْداً حَسَناً } وعداً بالجنة فإن حسن الوعد بحسن الموعود . { فَهُوَ لاَقِيهِ } مدركه لا محالة لامتناع الخلف في وعده ، ولذلك عطفه بالفاء المعطية معنى السببية . { كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَـٰعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } الذي هو مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب مستعقب بالتحسر على الانقطاع . { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } للحساب أو العذاب ، و { ثُمَّ } للتراخي في الزمان أو الرتبة ، وقرأ نافع وابن عامر في رواية والكسائي { ثُمَّ هُوَ } بسكون الهاء تشبيهاً للمنفصل بالمتصل ، وهذه الآية كالنتيجة للتي قبلها ولذلك رتبت عليها بالفاء . { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } عطف على يوم القيامة أو منصوب باذكر . { فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } أي الذين كنتم تزعمونهم شركائي ، فحذف المفعولان لدلالة الكلام عليهما . { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } بثبوت مقتضاه وحصول مؤداه وهو قوله تعالى : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] وغيره من آيات الوعيد . { رَبَّنَا هَـؤُلاءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَا } أي { هَـؤُلاء ٱلَّذِينَ } أغويناهم فحذف الراجع إلى الموصول . { أَغْوَيْنَـٰهُمْ كَمَا غَوَيْنَا } أي { أَغْوَيْنَـٰهُمْ } فغووا غياً مثل ما غوينا ، وهو استئناف للدلالة على أنهم غووا باختيارهم وأنهم لم يفعلوا بهم إلا وسوسة وتسويلاً ، ويجوز أن يكون { ٱلَّذِينَ } صفة و { أَغْوَيْنَـٰهُمْ } الخبر لأجل ما اتصل به فإفادة زيادة على الصفة وهو إن كان فضلة لكنه صار من اللوازم . { تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ } منهم ومما اختاره من الكفر هوى منهم ، وهو تقرير للجملة المتقدمة ولذلك خلت عن العاطف وكذا . { مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } أي ما كانوا يعبدوننا ، وإنما كانوا يعبدون أهواءهم . وقيل { مَا } مصدرية متصلة بـ { تَبَرَّأْنَا } أي تبرأنا من عبادتهم إيانا . { وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ } من فرط الحيرة . { فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } لعجزهم عن الإِجابة والنصرة . { وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } لازماً بهم . { لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ } لوجه من الحيل يدفعون به العذاب ، أو إلى الحق لما رأوا العذاب { لَوْ } للتمني أي تمنوا أنهم كانوا مهتدين . { وَيَوْمَ يُنَـٰدِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } عطف على الأول فإنه تعالى يسأل أولاً عن إشراكهم به ثم عن تكذيبهم الأنبياء . { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـاء يَوْمَئِذٍ } فصارت الأنباء كالعمي عليهم لا تهتدي إليهم ، وأصله فعموا عن الأنباء لكنه عكس مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الذهن إنما يقبض ويرد عليه من خارج فإذا أخطأه لم يكن له حيلة إلى استحضاره ، والمراد بالأنباء ما أجابوا به الرسل أو ما يعمها وغيرها ، فإذا كانت الرسل يتعتعون في الجواب عن مثل ذلك من الهول ويفوضون إلى علم الله تعالى فما ظنك بالضلال من أممهم ، وتعدية الفعل بعلى لتضمنه معنى الخفاء . { فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ } لا يسأل بعضهم بعضاً عن الجواب لفرط الدهشة والعلم بأنه مثله في العجز . { فَأَمَّا مَن تَابَ } من الشرك . { وَآمَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } . وجمع بين الإِيمان والعمل الصالح . { فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } عند الله وعسى تحقيق على عادة الكرام ، أو ترج من التائب بمعنى فليتوقع أن يفلح . { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } لا موجب عليه ولا مانع له . { مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } أي التخير كالطيرة بمعنى التطير ، وظاهرة نفي الاختيار عنهم رأساً والأمر كذلك عند التحقيق ، فإن اختيار العباد مخلوق باختيار الله منوط بدواع لا اختيار لهم فيها ، وقيل المراد أنه ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه ولذلك خلا عن العاطف ، ويؤيده ما روي أنه نزل في قولهم { لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] وقيل { مَا } موصولة مفعول لـ { يختار } والراجع إليه محذوف والمعنى : ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة أي الخير والصلاح . { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ } تنزيه له أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره اختيار . { وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } عن إشراكهم أو مشاركة ما يشركونه . { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ } كعداوة الرسول وحقده . { وَمَا يُعْلِنُونَ } كالطعن فيه .