Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 9-20)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ } أي لفرعون حين أخرجته من التابوت . { قُرَّتُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ } هو قرة عين لنا لأنهما لما رأياه أخرج من التابوت أحباه ، أو لأنه كانت له ابنة برصاء وعالجها الأطباء بريق حيوان بحري يشبه الإِنسان فلطخت برصها بريقه فبرئت ، وفي الحديث أنه قال : لك لا لي . ولو قال هو لي كما هو لك لهداه الله كما هداها . { لاَ تَقْتُلُوهُ } خطاب بلفظ الجمع للتعظيم . { عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا } فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع ، وذلك لما رأت من نور بين عينيه وارتضاعه إبهامه لبناً وبرء البرصاء بريقه . { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } أو نتبناه فإنه أهل له . { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } حال من الملتقطين أو من القائلة والمقول له أي وهم لا يشعرون أنهم على الخطأ في التقاطه أو في طمع النفع منه والتبني له ، أو من أحد ضميري نتخذه على أن الضمير للناس أي { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أنه لغيرنا وقد تبنيناه . { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } صفراً من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون كقوله تعالى : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } [ إبراهيم : 43 ] أي خلاء لا عقول فيها ، ويؤيده أنه قرىء « فرغاً » من قولهم دماؤهم بينهم فرغ أي هدر ، أو من الهم لفرط وثوقها بوعد الله تعالى أو سماعها أن فرعون عطف عليه وتبناه . { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ } أنها كادت لتظهر بموسى أي بأمره وقصته من فرط الضجر أو الفرح لتبنيه . { لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } بالصبر والثبات . { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } من المصدقين بوعد الله ، أو من الواثقين بحفظه لا بتبني فرعون وعطفه . وقرىء موسى إجراء للضمة في جوار الواو مجرى ضمتها في استدعاء همزها همز واو وجوه وهو علة الربط ، وجواب { لَوْلاَ } محذوف دل عليه ما قبله . { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ } مريم . { قُصّيهِ } اتبعي أثره وتتبعي خبره . { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } عن بعد وقرىء « عن جانب » « وعن جنب » وهو بمعناه . { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أنها تقص أو أنها أخته . { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } ومنعناه أن يرتضع من المرضعات ، جمع مرضع أو مرضع وهو الرضاع ، أو موضعه يعني الثدي . { مِن قَبْلُ } من قبل قصها أثره . { فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ } لأجلكم . { وَهُمْ لَهُ نَـٰصِحُونَ } لا يقصرون في إرضاعه وتربيته ، روي أن هامان لما سمعه قال : إنها لتعرفه وأهله فخذوها حتى تخبر بحاله ، فقالت : إنما أردت وهم للملك ناصحون ، فأمرها فرعون أن تأتي بمن يكفله فأتت بأمها وموسى على يد فرعون يبكي وهو يعلله ، فلما وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال لها : من أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك ؟ فقالت : إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أوتى بصبي إلا قبلني فدفعه إليها وأجرى عليها ، فرجعت به إلى بيتها من يومها ، وهو قوله تعالى : { فَرَدَدْنَـٰهُ إِلَىٰ أُمّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } بولدها . { وَلاَ تَحْزَنْ } بفراقه . { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } علم مشاهدة . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أن وعده حق فيرتابون فيه ، أو أن الغرض الأصلي من الرد علمها بذلك وما سواه تبع ، وفيه تعريض بما فرط منها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون . { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } مبلغه الذي لا يزيد عليه نشؤه وذلك من ثلاثين إلى أربعين سنة فإن العقل يكمل حينئذ . وروي أنه لم يبعث نبي إلا على رأس الأربعين سنة . { وَٱسْتَوَىٰ } قده أو عقله . { آتَيْنَاهُ حُكْمًا } أي نبوة . { وَعِلْماً } بالدين ، أو علم الحكماء والعلماء وسمتهم قبل استنبائه ، فلا يقول ولا يفعل ما يستجهل فيه ، وهو أوفق لنظم القصة لأن الاستنباء بعد الهجرة في المراجعة . { وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك الذي فعلنا بموسى وأمه . { نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } على إحسانهم . { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ } ودخل مصر آتياً من قصر فرعون وقيل منف أو حائين ، أو عين شمس من نواحيها . { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا } في وقت لا يعتاد دخولها ولا يتوقعونه فيه ، قيل كان وقت القيلولة وقيل بين العشاءين . { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوّهِ } أحدهما ممن شايعه على دينه وهم بنو إسرائيل والآخر من مخالفيه وهم القبط ، والإِشارة على الحكاية . { فَٱسْتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِى } هو { مِنْ عَدُوّهِ } فسأله أن يغيثه بالإِعانة ولذلك عدى بـ { عَلَىٰ } وقرىء « استعانه » . { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ } فضرب القبطي بجمع كفه ، وقرىء فلكزه أي فضرب به صدره . { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } فقتله وأصله فأنهى حياته من قوله { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } [ الحجر : 66 ] { قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } لأنه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مأموناً فيهم فلم يكن له اغتيالهم ، ولا يقدح ذلك في عصمته لكونه خطأ ، وإنما عده من عمل الشيطان وسماه ظلماً واستغفر منه على عادتهم في استعظام محقرات فرطت منهم . { إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } ظاهر العداوة . { قَالَ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى } بقتله . { فَٱغْفِرْ لِى } ذنبي . { فَغَفَرَ لَهُ } لاستغفاره . { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ } لذنوب عباده . { ٱلرَّحِيمِ } بهم . { قَالَ رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } قسم محذوف الجواب أي أقسم بإنعامك علي بالمغفرة وغيرها لأتوبن . { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لّلْمُجْرِمِينَ } أو استعطاف أي بحق إنعامك على أعصمني فلن أكون معيناً لمن أدت معاونته إلى جرم . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أنه لم يستثن فابتلي به مرة أخرى ، وقيل معناه بما أنعمت علي من القوة أعين أولياءك فلن أستعملها في مظاهرة أعدائك . { فَأَصْبَحَ فِى ٱلْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ } يترقب الاستقادة . { فَإِذَا ٱلَّذِى ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ } يستغيثه مشتق من الصراخ . { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ } بين الغواية لأنك تسببت لقتل رجل وتقاتل آخر . { فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا } لموسى والإِسرائيلي لأنه لم يكن على دينهما ولأن القبط كانوا أعداء لبني إسرائيل . { قَالَ يَـا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ } قاله الإِسرائيلي لأنه لما سماه غوياً ظن أنه يبطش عليه ، أو القبطي وكأنه توهم من قوله أنه الذي قتل القبطي بالأمس لهذا الإسرائيلي . { إِن تُرِيدُ } ما تريد . { إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِى ٱلأَرْضِ } تطاول على الناس ولا تنظر في العواقب . { وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } بين الناس فتدفع التخاصم بالتي هي أحسن ، ولما قال هذا انتشر الحديث وارتقى إلى فرعون وملئه وهموا بقتله فخرج مؤمن آل فرعون وهو ابن عمه ليخبره كما قال تعالى : { وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ } يسرع صفة رجل ، أو حال منه إذا جعل من أقصى المدينة صفة له لا صلة لجاء لأن تخصيصه بها يلحقه بالمعارف . { قَالَ يَـا مُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } يتشاورون بسببك ، وإنما سمي التشاور ائتماراً لأن كلاً من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر . { فَٱخْرُجْ إِنّى لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } اللام للبيان وليس صلة لـ { ٱلنَّـٰصِحِينَ } لأن معمول الصلة لا يتقدم الموصول .