Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 1-10)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ بسم الله الرحمن الرحيم } { الم } سبق القول فيه ، ووقوع الاستفهام بعده دليل استقلاله بنفسه أو بما يضمر معه . { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ } الحسبان مما يتعلق بمضامين الجمل للدلالة على جهة ثبوتها ولذلك اقتضى مفعولين متلازمين أو ما يسد مسدهما كقوله : { أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } فإن معناه أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم { آمنا } ، فالترك أول مفعوليه وغير مفتونين من تمامه ولقولهم { آمنا } هو الثاني كقولك : حسبت ضربه للتأديب ، أو أنفسهم متروكين غير مفتونين لقولهم { مِنَ } بل يمتحنهم الله بمشاق التكاليف ، كالمهاجرة والمجاهدة ورفض الشهوات ووظائف الطاعات وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ليتميز المخلص من المنافق والثابت في الدين من المضطرب فيه ، ولينالوا بالصبر عليها عوالي الدرجات ، فإن مجرد الإِيمان وإن كان عن خلوص لا يقتضي غير الخلاص من الخلود في العذاب . روي أنها نزلت في ناس من الصحابة جزعوا من أذى المشركين ، وقيل في عمار وقد عذب في الله تعالى ، وقيل في مهجع مولى عمر بن الخطاب رماه عامر بن الحضرمي بسهم يوم بدر فقتله فجزع عليه أبواه وامرأته . { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } متصل بـ { أَحَسِبَ } أو بـ { لاَ يُفْتَنُونَ } ، والمعنى أن ذلك سنة قديمة جارية في الأمم كلها فلا ينبغي أن يتوقع خلافه . { فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَـٰذِبِينَ } فليتعلقن علمه بالامتحان تعلقاً حالياً يتميز به الذين صدقوا في الإِيمان والذين كذبوا فيه ، وينوط به ثوابهم وعقابهم ولذلك قيل المعنى وليميزن أو ليجازين ، وقرىء « وليعلمن » من الإِعلام أي وليعرفنهم الله الناس أو لَيَسِمَنَّهُمْ بِسِمَةٍ يَعرفون بها يوم القيامة كبياض الوجوه وسوادها . { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَاتِ } الكفر والمعاصي فإن العمل يعم أفعال القلوب والجوارح . { أَن يَسْبِقُونَا } أن يفوتونا فلا نقدر أن نجازيهم على مساويهم وهو ساد مسد مفعولي { حَسِبَ } لاشتماله على مسند ومسند إليه ويجوز أن يضمن { حَسِبَ } معنى قدر أو أم منقطعة والإِضراب فيها لأن هذا الحسبان أبطل من الأول ولهذا عقبه بقوله : { سَاء مَا يَحْكُمُونَ } أي بئس الذي يحكمونه ، أو حكماً يحكمونه حكمهم هذا فحذف المخصوص بالذم . { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ٱللَّهِ } في الجنة ، وقيل المراد بلقاء الله الوصول إلى ثوابه ، أو إلى العاقبة من الموت والبعث والحساب والجزاء على تمثيل حاله بحال عبد قدم على سيده بعد زمان مديد وقد اطلع السيد على أحواله ، فأما أن يلقاه ببشر لما رضي من أفعاله أو بسخط لما سخط منها . { فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ } فإن الوقت المضروب للقائه . { لأَتٍ } لجاء وإذا كان وقت اللقاء آتياً كان اللقاء كائناً لا محالة ، فليبادر ما يحقق أمله ويصدق رجاءه أو ما يستوجب به القربة والرضا . { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لأقوال العباد . { ٱلْعَلِيمُ } بعقائدهم وأفعالهم . { وَمَن جَاهَدَ } نفسه بالصبر على مضض الطاعة والكف عن الشهوات . { فَإِنَّمَا يُجَـٰهِدُ لِنَفْسِهِ } لأن منفعته لها . { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فلا حاجة به إلى طاعتهم ، وإنما كلف عباده رحمة عليهم ومراعاة لصلاحهم . { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ } الكفر بالإِيمان والمعاصي بما يتبعها من الطاعات . { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِى كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي أحسن جزاء أعمالهم . { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } بإيتائهما فعلاً ذا حسن ، أو كأنه في ذاته حسن لفرط حسنه ووصى يجري مجرى أمر معنى وتصرفاً . وقيل هو بمعنى قال أي وقلنا له أحسن بوالديك { حَسَنًا } ، وقيل { حَسَنًا } منتصب بفعل مضمر على تقدير قول مفسر للتوصية أي قلنا أولهما أو افعل بهما { حَسَنًا } وهو أوفق لما بعده وعليه يحسن الوقف على { بِوٰلِدَيْهِ } ، وقرىء { حَسَنًا } و « إحساناً » . { وَإِن جَـٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } بإلهيته عبر عن نفيها بنفي العلم بها إشعاراً بأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه وإن لم يعلم بطلانه فضلاً عما علم بطلانه . { فَلاَ تُطِعْهُمَا } في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر قبل . { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } مرجع من آمن منكم ومن أشرك ومن بر بوالديه ومن عق . { فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } بالجزاء عليه ، والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه حمنة ، فإنها لما سمعت بإسلامه حلفت أنها لا تنتقل من الضح ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد ولبثت ثلاثة أيام كذلك وكذا التي في « لقمان » و « الأحقاف » . { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى ٱلصَّـٰلِحِينَ } في جملتهم والكمال في الصلاح منتهى درجات المؤمنين ومتمنى أنبياء الله المرسلين ، أو في مدخلهم وهو الجنة . { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَا أُوذِىَ فِى ٱللَّهِ } بأن عذبهم الكفرة على الإِيمان . { جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ } ما يصيبه من أذيتهم في الصرف عن الإِيمان . { كَعَذَابِ ٱللَّهِ } في الصرف عن الكفر . { وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مّن رَّبِّكَ } فتح وغنيمة . { لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } في الدين فأشركونا فيه ، والمراد المنافقون أو قوم ضعف إيمانهم فارتدوا من أذى المشركين ويؤيد الأول . { أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } من الإِخلاص والنفاق .