Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 47-57)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِٱلْبَيّنَاتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } بالتدمير . { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ } إشعار بأن الانتقام لهم وإظهار لكرامتهم حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم ، وعنه عليه الصلاة والسلام " ما من امرىء مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم ثم تلا ذلك " وقد يوقف على { حَقّاً } على أنه متعلق بالانتقام . { ٱللَّهُ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرّيَـٰحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ } متصلاً تارة . { فِى ٱلسَّمَاءِ } في سمتها . { كَيْفَ يَشَاءُ } سائراً أو واقفاً مطبقاً وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك . { وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً } قطعاً تارة أخرى ، وقرأ ابن عامر بالسكون على أنه مخفف أو جمع كسفة أو مصدر وصف به . { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ } المطر . { يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } في التارتين . { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } يعني بلادهم وأراضيهم . { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } لمجيء الخصب . { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } المطر . { مِن قَبْلِهِ } تكرير للتأكيد والدلالة على تطاول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم ، وقيل الضمير للمطر أو السحاب أو الإِرسال . { لَمُبْلِسِينَ } لآيسين . { فَٱنظُرْ إِلَىٰ أَثَرِ رَحْمَتَ ٱللَّهِ } أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار ولذلك جمعه ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص . { كَيْفَ يُحْيِي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } وقرىء بالتاء على إسناده إلى ضمير الرحمة . { إِنَّ ذٰلِكَ } يعني إن الذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها . { لَمُحْيِي الْمَوْتَى } لقادر على إحيائهم فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية ، كما أن إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية ، هذا ومن المحتمل أن يكون من الكائنات الراهنة ما يكون من مواد تفتت وتبددت من جنسها في بعض الأعوام السالفة . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } لأن نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على سواء . { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً } فرأوا الأثر أو الزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم ، وقيل السحاب لأنه إذا كان { مُصْفَـرّاً } لم يمطر واللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وقوله : { لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } جواب سد مسد الجزاء ولذلك فسر بالاستقبال . وهذه الآية ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم ، فإن النظر السوي يقتضي أن يتوكلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولا ييأسوا من رحمته ، وأن يبادروا إلى الشكر والاستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وأن يصبروا على بلائه إذا ضرب زرعهم بالاصفرار ولا يكفروا نعمه . { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } وهم مثلهم لما سدوا عن الحق مشاعرهم . { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } قيد الحكم به ليكون أشد استحالة ، فإن الأصم المقبل وإن لم يسمع الكلام يفطن منه بواسطة الحركات شيئاً ، وقرأ ابن كثير بالياء مفتوحة ورفع « ٱلصُّمُّ » . { وَمَا أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْىِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمْ } سماهم عمياً لفقدهم المقصود الحقيقي من الأبصار أو لعمى قلوبهم ، وقرأ حمزة وحده « تهدي العمي » . { إِنْ تُسْمِع إِلاَّ مَن يُؤْمِن بِآيَاتِنَا } فإن إيمانهم يدعوهم إلى تلقي اللفظ وتدبر المعنى ، ويجوز أن يراد بالمؤمن المشارف للإِيمان . { فَهُم مُّسْلِمُونَ } لما تأمرهم به . { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ } أي ابتدأكم ضعفاء وجعل الضعف أساس أمركم كقوله { خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ ضَعِيفاً } [ النساء : 28 ] أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة . { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً } وذلك إذا بلغتم الحلم أو تعلق بأبدانكم الروح . { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً } إذا أخذ منكم السن ، وفتح عاصم وحمزة الضاد في جميعها والضم أقوى لقول ابن عمر رضي الله عنهما : قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ضعف فأقرأني من ضُعف " وهما لغتان كالفقر والفُقر والتنكير مع التكرير لأن المتأخر ليس عين المتقدم . { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } من ضعف وقوة وشبيبة وشيبة . { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } فإن الترديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره دليل العلم والقدرة . { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } القيامة سميت بها لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا ، أو لأنها تقع بغتة وصارت علماً بها بالغلبة كالكوكب للزهرة . { يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ } في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء الدنيا والبعث وانقطاع عذابهم ، وفي الحديث " ما بين فناء الدنيا والبعث أربعون " وهو محتمل الساعات والأيام والأعوام . { غَيْرَ سَاعَةٍ } استقلوا مدة لبثهم إضافة إلى مدة عذابهم في الآخرة أو نسياناً . { كَذٰلِكَ } مثل ذلك الصرف عن الصدق والتحقيق . { كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } يصرفون في الدنيا . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَـٰنَ } من الملائكة والإِنسَ . { لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } في علمه أو قضائه ، أو ما كتبه لكم أي أوجبه أو اللوح أو القرآن وهو قوله : { وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ } . { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ } ردوا بذلك ما قالوه وحلفوا عليه . { فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ } الذي أنكرتموه . { وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أنه حق لتفريطكم في النظر ، والفاء لجواب شرط محذوف تقديره : إن كنتم منكرين البعث فهذا يومه ، أي فقد تبين بطلان إنكاركم . { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ تنفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ } وقرأ الكوفيون بالياء لأن المعذرة بمعنى العذر ، أو لأن تأنيثها غير حقيقي وقد فصل بينهما . { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } لا يدعون إلى ما يقتضي إعتابهم أي إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته أي استرضاني فأرضيته .