Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 12-19)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ } يعني لقمان بن باعوراء من أولاد آزر ابن أخت أيوب أو خالته ، وعاش حتى أدرك داود عليه الصلاة والسلام وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعثه ، والجمهور على أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً . والحكمة في عرف العلماء : استكمال النفس الإِنسانية باقتباس العلوم النظرية ، واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها . ومن حكمته أنه صحب داود شهوراً وكان يسرد الدرع فلم يسأله عنها فلما أتمها لبسها وقال : نعم لبوس الحرب أنت فقال : الصمت حكم وقليل فاعله ، وأن داود عليه السلام قال له يوماً كيف أصبحت فقال أصبحت في يدي غيري ، فتفكر داود فيه فصعق صعقة . وأنه أمره بأن يذبح شاة ويأتي بأطيب مضغتين منها فأتى باللسان والقلب ، ثم بعد أيام أمره بأن يأتي بأخبث مضغتين منها فأتى بهما أيضاً فسأله عن ذلك فقال : هما أطيب شيء إذا طابا وأخبث شيء إذا خبثا . { أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } لأن أشكر أو أي أشكر فإن إيتاء الحكمة في معنى القول . { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } لأن نفعه عائد إليها وهو دوام النعمة واستحقاق مزيدها . { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ } لا يحتاج إلى الشكر . { حَمِيدٌ } حقيق بالحمد وإن لم يحمد ، أو محمود ينطق بحمده جميع مخلوقاته بلسان الحال . { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ } أنعم أو أشكم أو ما ثان . { وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَىَّ } تصغير إشفاق ، وقرأ ابن كثير هنا وفي { يٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ } بإسكان الياء ، وحفص فيهما وفي { يٰبُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ } بفتح الياء ومثله البزي في الأخير وقرأ الباقون في الثلاثة بكسر الياء . { لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ } قيل كان كافراً فلم يزل به حتى أسلم ، ومن وقف على { لاَ تُشْرِكْ } جعل بالله قسماً . { إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا منه ومن لا نعمة منه . { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ بِوٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً } ذات وهن أو تهن وهنا { عَلَىٰ وَهْنٍ } أي تضعف ضعفاً فوق ضعف فإنها لا تزال يتضاعف ضعفها والجملة في موضع الحال ، وقرىء بالتحريك يقال وهن يهن وهنا ووهن يوهن وهنا . { وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ } وفطامه في انقضاء عامين وكانت ترضعه في تلك المدة ، وقرىء « وفصله في عامين » وفيه دليل على أن أقصى مدة الرضاع حولان . { أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ } تفسير لـ { وَصَّيْنَا } أو علة له أو بدل من والديه بدل الاشتمال ، وذكر الحمل والفصال في البين اعتراض مؤكد للتوصية في حقها خصوصاً ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام لمن قال مَنْ أُبِرّ " أمك ثم أمك ثم أمك ثم قال بعد ذلك أباك " { إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ } فأحاسبك على شكرك وكفرك . { وَإِن جَـٰهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } باستحقاقه الإِشراك تقليداً لهما ، وقيل أراد بنفي العلم به نفيه . { فَلاَ تُطِعْهُمَا } في ذلك . { وَصَـٰحِبْهُمَا فِى ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } صحاباً معروفاً يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم . { وَٱتَّبِعْ } في الدين { سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ } بالتوحيد والإِخلاص في الطاعة . { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } مرجعك ومرجعهما . { فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } بأن أجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما ، والآيتان معترضتان في تضاعيف وصية لقمان تأكيداً لما فيها من النهي عن الشرك كأنه قال : وقد وصينا بمثل ما وصى به ، وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك فإنهما مع أنهما تلو الباري في استحقاق التعظيم والطاعة لا يجوز أن يستحقاه في الإِشراك فما ظنك بغيرهما ( روي ) نزولهما في سعد بن أبي وقاص وأمه مكثت لإسلامه ثلاثاً لم تطعم فيها شيئاً ، ولذلك قيل من أناب إليه أبو بكر رضي الله عنه فإنه أسلم بدعوته . { يٰبُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ } أي أن الخصلة من الإِحسان أو الإِساءة إن تك مثلاً في الصغر كحبة الخردل . ورفع نافع { مِثْقَالَ } على أن الهاء ضمير القصة وكان تامة وتأنيثها لإِضافة المثقال إلى الحبة كقول الشاعر : @ كمـا شـرقـت صـدر القنـاة مـن الـدم @@ أو لأن المراد به الحسنة أو السيئة . { فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ أَوْ فِى ٱلأَرْضِ } في أخفى مكان وأحرزه كجوف صخرة أو أعلاه كمحدب السموات أو أسفله كمقعر الأرض . وقرىء بكسر الكاف من وكن الطائر إذا استقر في وكنته . { يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ } يحضرها فيحاسب عليها . { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ } يصل علمه إلى كل خفي . { خَبِيرٌ } عالم بكنهه . { يٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ } تكميلاً لنفسك . { وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } تكِميلاً لغيرك . { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ } من الشدائد سيما في ذلك . { إِنَّ ذٰلِكَ } إشارة إلى الصبر أو إلى كل ما أمر به . { مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } مما عزمه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب مصدر أطلق للمفعول ، ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل من قوله { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } أي جد . { وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } لا تمله عنهم ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون من الصعر وهو داء يعتري البعير فيلوي عنقه . وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي « وَلاَ تصاعر » ، وقرىء « وَلاَ تُصَعّرْ » والكل واحد مثل علاه وأعلاه وعالاه . { وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأَرْضِ مَرَحًا } أي فرحاً مصدر وقع موقع الحال أي تمرح مرحاً أو لأجل المرح وهو البطر . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } علة للنهي وتأخير الـ { فَخُورٌ } وهو مقابل للمصعر خده والمختال للماشي مرحاً لتوافق رؤوس الآي . { وَٱقْصِدْ فِى مَشْيِكَ } توسط فيه بين الدبيب والإِسراع . وعنه عليه الصلاة والسلام : " سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن " ، وقول عائشة في عمر رضي الله عنهما كان إذا مشى أسرع فالمراد ما فوق دبيب المتماوت ، وقرىء بقطع الهمزة من أقصد الرامي إذا سدد سهمه نحو الرمية . { وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ } وانقص منه واقصر . { إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوٰتِ } أوحشها . { لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } والحمار مثل في الذم سيما نهاقه ولذلك يكنى عنه فيقال طويل الأذنين ، وفي تمثيل الصوت المرتفع بصوته ثم إخراجه مخرج الإِستعارة مبالغة شديدة وتوحيد الصوت لأن المراد تفضيل الجنس في النكير دون الآحاد أو لأنه مصدر في الأصل .