Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 1-8)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مكية وقيل إلا قوله : ويرى الذين أوتوا العلم الآية ، وآيها أربع وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } خلقاً ونعمة ، فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته وعلى تمام نعمته . { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلاْخِرَةِ } لأن ما في الآخرة أيضاً كذلك ، وليس هذا من عطف المقيد على المطلق فإن الوصف بما يدل على أنه المنعم بالنعم الدنيوية قيد الحمد بها ، وتقديم الصلة للاختصاص فإن النعم الدنيوية قد تكون بواسطة من يستحق الحمد لأجلها ولا كذلك نعم الآخرة . { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } الذي أحكم أمور الدارين . { ٱلْخَبِيرُ } ببواطن الأشياء . { يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِى ٱلأَرْضِ } كالغيث ينفذ في موضع وينبع في آخر ، وكالكنوز والدفائن والأموات . { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } كالحيوان والنبات والفلزات وماء العيون . { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاء } كالملائكة والكتب والمقادير والأرزاق والأنداء والصواعق . { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } كالملائكة وأعمال العباد والأبخرة والأدخنة . { وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ } للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها ، أو في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائتة للحصر . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ } إنكار لمجيئها أو استبطاء استهزاء بالوعد به . { قُلْ بَلَىٰ } رد لكلامهم وإثبات لما نفوه . { وَرَبّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ } تكرير لإِيجابه مؤكداً بالقسم مقرراً لوصف المقسم به بصفات تقرر إمكانه وتنفي استبعاده على ما مر غير مرة ، وقرأ حمزة والكسائي « علام الغيب » للمبالغة ، ونافع وابن عمر ورويس « عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ » بالرفع على أنه خبر محذوف أو مبتدأ خبره . { لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } وقرأ الكسائي « لاَ يَعْزُبُ » بالكسر . { وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } جملة مؤكدة لنفي العزوب ، ورفعهما بالابتداء ويؤيده القراءة بالفتح على نفي الجنس ، ولا يجوز عطف المرفوع على { مِثْقَالَ } والمفتوح على { ذَرَّةٍ } بأنه فتح في موضع الجر لامتناع الصرف لأن الاستثناء يمنعه ، اللهم إلا إذا جعل الضمير في { عَنْهُ } للغيب وجعل المثبت في اللوح خارجاً عنه لظهوره على المطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب شيء إلا مسطوراً في اللوح . { لِّيَجْزِيَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } علة لقوله { لَتَأْتِيَنَّكُمْ } وبيان لما يقتضي إتيانها . { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } لا تعب فيه ولا مَنٌ عليه . { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِى ءَايَـٰتِنَا } بإبطال وتزهيد الناس فيها . { مُعَـٰجِزِينَ } مسابقين كي يفوتونا . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { مُعَـٰجِزِينَ } أي مثبطين عن الإِيمان من أراده . { أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّن رّجْزٍ } من سَيِّءِ العذاب . { أَلِيمٌ } مؤلم ، ورفعه ابن كثير ويعقوب وحفص . { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } ويعلم أولو العلم من الصحابة ومن شايعهم من الأمة ، أو من مسلمي أهل الكتاب . { ٱلَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } القرآن . { هُوَ ٱلْحَقُّ } ومن رفع { ٱلْحَقّ } جعل هو مبتدأ و { ٱلْحَقّ } خبره والجملة ثاني مفعولي { يَرَىٰ } ، وهو مرفوع مستأنف للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات . وقيل منصوب معطوف على { لِيَجْزِىَ } أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق عياناً كما علموه الآن برهاناً { وَيَهْدِى إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } الذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال بعضهم لبعض . { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ } يعنون محمداً عليه الصلاة والسلام . { يُنَبّئُكُمْ } يحدثكم بأعجب الاعاجيب . { إِذَا مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ } إنكم تنشؤون خلقاً جديداً بعد أن تمزق أجسادكم كل تمزيق وتفريق بحيث تصير تراباً ، وتقديم الظرف للدلالة على البعد والمبالغة فيه ، وعامله محذوف دل عليه ما بعده فإن ما قبله لم يقارنه وما بعده مضاف إليه ، أو محجوب بينه وبينه بأن و { مُمَزَّقٍ } يحتمل أن يكون مكاناً بمعنى إذا مزقتم وذهبت بكم السيول كل مذهب وطرحتم كل مطرح وجديد بمعنى فاعل من جد كحديد من حد ، وقيل بمعنى مفعول من جد النساج الثوب إذا قطعه . { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ } جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه ، واستدل بجعلهم إياه قسيم الافتراء غير معتقدين صدقه على أن بين الصدق والكذب واسطة ، وهو كل خبر لا يكون عن بصيرة بالمخبر عنه وضعفه بين لأن الافتراء أخص من الكذب . { بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِى ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلَـٰلِ ٱلْبَعِيدِ } رد من الله تعالى عليهم ترديدهم وإثبات لهم ما هو أفظع من القسمين ، وهو الضلال البعيد عن الصواب بحيث لا يرجى الخلاص منه وما هو مؤداه من العذاب ، وجعله رسيلاً له في الوقوع ومقدماً عليه في اللفظ للمبالغة في استحقاقهم له ، والبعد في الأصل صفة الضال ووصف الضلال به على الإسناد المجازي .