Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 9-15)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مّنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ } تذكير بما يعاينونه مما يدل على كمال قدرة الله وما يحتمل فيه إزاحة لاسَتحالتهم الإِحياء حتى جعلوه افتراء وهزؤاً ، وتهديداً عليها والمعنى أعموا فلم ينظروا إلى ما أحاط بجوانبهم من السماء والأرض ولم يتفكروا أهم أشد خلقاً ، أم السماء ، وإنا { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً } ، لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات . وقرأ حمزة والكسائي « يَشَإِ » و « يَخْسِفَ » و « يسقط » بالياء لقوله : { فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ } . والكسائي وحده بإدغام الفاء في الباء وحفص « كِسَفًا » بالتحريك . { إِنَّ فِى ذَلِكَ } النظر والتفكر فيهما وما يدلان عليه . { لآيَةً } لدلالة . { لّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } راجع إلى ربه فإنه يكون كثير التأمل في أمره . { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } أي على سائر الأنبياء وهو ما ذكر بعد ، أو على سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن . { يٰجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ } رجعي معه التسبيح أو النوحة على الذنب ، وذلك إما بخلق صوت مثل صوته فيها أو بحملها إياه على التسبيح إذا تأمل ما فيها ، أو سيري معه حيث سار . وقرىء « أوبي » من الأوب أي ارجعي في التسبيح كلما رجع فيه ، وهو بدل من { فَضْلاً } أو من { ءَاتَيْنَا } بإضمار قولنا أو قلنا . { وَٱلطَّيْرَ } عطف على محل الجبال ويؤيده القراءة بالرفع عطفاً على لفظها تشبيهاً للحركة البنائية العارضة بالحركة الإِعرابية أو على { فَضْلاً } ، أو مفعول معه لـ { أَوّبِى } وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بالعطف على ضميره وكان الأصل : ولقد آتينا داود منا فضلاً تأويب الجبال والطير ، فبدل بهذا النظم لما فيه من الفخامة والدلالة على عظم شأنه وكبرياء سلطانه ، حيث جعل الجبال والطيور كالعقلاء المنقادين لأمره في نفاذ مشيئته فيها . { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير إحماء وطرق بإِلانته أو بقوته . { أَنِ ٱعْمَلْ } أمرناه أن اعمل فـ { أنِ } مفسرة أو مصدرية . { سَـٰبِغَـٰتٍ } دروعاً واسعات ، وقرىء « صابغات » وهو أول من اتخذها . { وَقَدّرْ فِى ٱلسَّرْدِ } وقدر في نسجها بحيث يتناسب حلقها ، أو قدر مساميرها فلا تجعلها دقاقاً فتقلق ولا غلاظاً فتنخرق . ورد بأن دروعه لم تكن مسمرة ويؤيده قوله : { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } . { وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً } الضمير فيه لداود وأهله . { إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فأجازيكم عليه . { وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرّيحَ } أي وسخرنا له الريح ، وقرىء { ٱلرّيحُ } بالرفع أي ولسليمان الريح مسخرة وقرىء « الرياح » . { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك ، وقرىء « غدوتها » « وروحتها » . { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } النحاس المذاب أساله له من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ، ولذلك سماه عيناً وكان ذلك باليمن . { وَمِنَ ٱلْجِنّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ } عطف على { ٱلرّيحَ } { وَمِنَ ٱلْجِنّ } حال مقدمة ، أو جملة { مِنْ } مبتدأ وخبر . { بِإِذْنِ رَبّهِ } بأمره . { وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ } ومن يعدل منهم . { عَنْ أَمْرِنَا } عما أمرناه من طاعة سليمان ، وقرىء { يَزِغْ } من أزاغه . { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } عذاب الآخرة . { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَـٰرِيبَ } قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها . { وَتَمَـٰثِيَ } وصوراً هي تماثيل للملائكة والأنبياء على ما اعتادوا من العبادات ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وحرمة التصاوير شرع مجدد . روي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما . { وَجِفَانٍ } وصحاف . { كَٱلْجَوَابِ } كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية وهي من الصفات الغالبة كالدابة . { وَقُدُورٍ رسِيَـٰتٍ } ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها . { ٱعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شَـٰكِراً } حكاية عما قيل لهم { وشكراً } نصب على العلة أي : اعملوا له واعبدوه شكراً ، أو المصدر لأن العمل له شكراً أو الوصف له أو الحال أو المفعول به . { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ } المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته ومع ذلك لا يوفى حقه ، لأن توفيقه الشكر نعمة تستدعي شكراً آخر لا إلى نهايته ، ولذلك قيل الشكور من يرعى عجزه عن الشكر . { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ } أي على سليمان . { مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ } ما دل الجن وقيل آله . { إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ } أي الأرضة أضيفت إلى فعلها ، وقرىء بفتح الراء وهو تأثر الخشبة من فعلها يقال : أرضت الأرضة الخشبة أرضاً فأرضت أرضاً مثل أكلت القوادح الأسنان أكلاً فأكلت أكلاً . { تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ } عصاه من نسأت البعير إذا طردته لأنها يطرد بها ، وقرىء بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلباً وحذفاً على غير قياس إذ القياس إخراجها بين بين ، و { منساءته } على مفعالة كميضاءة في ميضاة و { مِنسَأَتَهُ } أي طرف عصاه مستعار من سأة القوس ، وفيه لغتان كما في قحة وقحة ، وقرأ نافع وأبو عمرو « مِنسَأَتَهُ » بألف بدلاً من الهمزة وابن ذكوان بهمزة ساكنة وحمزة إذا وقف جعلها بين بين . { فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ } علمت الجن بعد التباس الأمر عليهم . { أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته حينما وقع فلم يلبثوا حولاً في تسخيره إلى أن خرَّ ، أو ظهرت الجن وأن بما في حيزه بدل منه أي ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب . وذلك أن داود أسس بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليهما الصلاة والسلام فمات قبل تمامه ، فوصى به إلى سليمان عليه السلام فاستعمل الجن فيه فلم يتم بعد إذ دنا أجله وأعلم به ، فأراد أن يعمي عليهم موته ليتموه فدعاهم فبنوا عليه صرحاً من قوارير ليس له باب ، فقام يصلي متكئاً على عصاه فقبض روحه وهو متكىء عليها ، فبقي كذلك حتى أكلتها الأرضة فخرَّ ثم فتحوا عنه وأرادوا أن يعرفوا وقت موته ، فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت يوماً وليلة مقداراً فحسبوا على ذلك فوجدوه قد مات منذ سنة ، وكان عمره ثلاثاً وخمسين سنة وملك وهو ابن ثلاثة عشرة سنة ، وابتدأ عمارة بيت المقدس لأربع مضين من ملكه . { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ } لأولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ومنع الصرف عنه ابن كثير وأبو عمرو لأنه صار اسم القبيلة ، وعن ابن كثير قلب همزته ألفاً ولعله أخرجه بين بين فلم يؤده الراوي كما وجب . { فِى مَسَـٰكِنِهِمْ } في مواضع سكناهم ، وهي باليمن يقال لها مأرب . بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام ، وقرأ حمزة وحفص بالإِفراد والفتح ، والكسائي بالكسر حملاً على ما شذ من القياس كالمسجد والمطلع . { ءَايَةً } علامة دالة على وجود الصانع المختار ، وأنه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة مجاز للمحسن والمسيء معاضدة للبرهان السابق كما في قصتي داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام . { جَنَّتَانِ } بدل من { ءايَةً } أو خبر محذوف تقديره الآية جنتان ، وقرىء بالنصب على المدح والمراد جماعتان من البساتين . { عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله كل واحدة منهما في تقاربها وتضامنها كأنها جنة واحدة ، أو بستاناً كُلِ رجل منهم عن يمين مسكنه وعن شماله . { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ } حكاية لما قال لهم نبيهم ، أو لسان الحال أو دلالة بأنهم كانوا أحقاء بأن يقال لهم ذلك . { بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } استئناف للدلالة على موجب الشكر ، أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور فرطات من يشكره . وقرىء الكل بالنصب على المدح . قيل كانت أخصب البلاد وأطيبها لم يكن فيها عاهة ولا هامة .