Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 1-6)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مكية وآيها خمس وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم { ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } مبدعهما من الفطر بمعنى الشق كأنه شق العدم بإخراجهما منه ، والإِضافة محضة لأنه بمعنى الماضي . { جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً } وسائط بين الله وبين أنبيائه والصالحين من عباده ، يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإِلهام والرؤيا الصادقة ، أو بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه . { أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ } ذوي أجنحة متعددة متفاوتة بتفاوت ما لهم من المراتب ينزلون بها ويعرجون ، أو يسرعون بها نحو ما وكلهم الله عليه فيتصرفون فيه على أمرهم به ، ولعله لم يرد به خصوصية الإِعداد ونفي ما زال عليها ، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام رأى جبريل ليلة المعراج وله ستمائة جناح { يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } استئناف للدلالة على أن تفاوتهم في ذلك بمقتضى مشيئته ومؤدى حكمته لا أمر تستدعيه ذواتهم ، لأن اختلاف الأصناف ، والأنواع بالخواص والفصول إن كان لذواتهم المشتركة لزم تنافي لوازم الأمور المتفقة وهو محال ، والآية متناولة زيادات الصور والمعاني كملاحة الوجه وحسن الصوت وحصافة العقل وسماحة النفس . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } وتخصيص بعض الأشياء بالتحصيل دون بعض ، إنما هو من جهة الإرادة . { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ } ما يطلق لهم ويرسل وهو من تجوز السبب للمسبب . { مِن رَّحْمَةِ } كنعمة وأمن وصحة وعلم ونبوة . { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } يحبسها . { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } يطلقه ، واختلاف الضميرين لأن الموصول الأول مفسر بالرحمة والثاني مطلق بتناولها والغضب ، وفي ذلك إشعار بأن رحمته سبقت غضبه . { مِن بَعْدِهِ } من بعد إمساكه . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب على ما يشاء ليس لأحد أن ينازعه فيه . { ٱلْحَكِيمُ } لا يفعل إلا بعلم وإتقان . ثم لما بين أنه الموجد للملك والملكوت والمتصرف فيهما على الإِطلاق أمر الناس بشكر إنعامه فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } احفظوها بمعرفة حقها والاعتراف بها وطاعة موليها ، ثم أنكر أن يكون لغيره في ذلك مدخل فيستحق أن يشرك به بقوله : { هَلْ مِنْ خَـٰلِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مّنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى إشراك غيره به ، ورفع { غَيْر } للحمل على محل { مِنْ خَـٰلِقٍ } بأنه وصف أو بدل ، فإن الاستفهام بمعنى النفي ، أو لأنه فاعل { خَـٰلِقٌ } وجره حمزة والكسائي حملاً على لفظه ، وقد نصب على الاستثناء ، و { يَرْزُقُكُمْ } صفة لـ { خَـٰلِقٌ } أو استئناف مفسر له أو كلام مبتدأ ، وعلى الأخير يكون إطلاق { هَلْ مِنْ خَـٰلِقٍ } مانعاً من إطلاقه على غير الله . { وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ } أي فتأس بهم في الصبر على تكذيبهم ، فوضع { فَقَدْ كُذّبَتْ } موضعه استغناء بالسبب عن المسبب ، وتنكير رسل للتعظيم المقتضي زيادة التسلية والحث على المصابرة . { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } فيجازيك وإياهم على الصبر والتكذيب . { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } بالحشر والجزاء . { حَقٌّ } لا خلف فيه . { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها . { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإِصرار على المعصية ، فإنها وإن أمكنت لكن الذنب بهذا التوقع كتناول السم اعتماداً على دفع الطبيعة . وقرىء بالضم وهو مصدر أو جمع كقعود . { إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ } عداوة عامة قديمة . { فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } في عقائدكم وأفعالكم وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم . { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ } تقرير لعداوته وبيان لغرضه في دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى الدنيا .