Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 1-10)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مكية وآيها مائة واثنتان وثمانون آية بسم الله الرحمن الرحيم { وَٱلصَّـٰفَّـٰتِ صَفَّا * فَٱلزجِرٰتِ زَجْراً * فَٱلتَّـٰلِيَـٰتِ ذِكْراً } أقسم بالملائكة الصافين في مقام العبودية ، على مراتب باعتبارها تفيض عليهم الأنوار الإِلهية ، منتظرين لأمر الله الزاجرين الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به فيها ، أو الناس عن المعاصي بإلهام الخير ، أو الشياطين عن التعرض لهم التالين آيات الله وجلايا قدسه على أنبيائه وأولياءه ، أو بطوائف الأجرام المرتبة كالصفوف المرصوصة والأرواح المدبرة لها والجواهر القدسية المستغرقة في بحار القدس { يُسَبّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } [ الأنبياء : 20 ] أو بنفوس العلماء الصافين في العبادات الزاجرين عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح التالين آيات الله وشرائعه ، أو بنفوس الغزاة الصافين في الجهاد الزاجرين الخيل ، أو العدو التالين ذكر الله لا يشغلهم عنه مباراة العدو والعطف لاختلاف الذوات ، أو الصفات والفاء لترتيب الوجود كقوله : @ يا لهف زيابة للحارث الصـ ـابح فالغانم فالآيب @@ فإن الصف كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر ، أو الإِشاقة إلى قبول الخير والتلاوة إفاضته أو الرتبة كقوله عليه الصلاة والسلام " رحم الله المحلقين فالمقصرين " غير أنه لفضل المتقدم على المتأخر وهذا للعكس ، وأدغم أبو عمرو وحمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا . { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } جواب للقسم والفائدة فيه تعظيم المقسم به وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف في كلامهم ، وأما تحقيقه فبقوله تعالى . { رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَـٰرِقِ } فإن وجودها وانتظامها على الوجه الأكمل مع إمكان غيره دليل على وجود الصانع الحكيم ووحدته على ما مر غير مرة ، { وَرَبُّ } بدل من واحد أو خبر ثان أو خبر محذوف وما بينهما يتناول أفعال العباد فيدل على أنها من خلقه ، و { ٱلْمَشَـٰرِقِ } مشارق الكواكب أو مشارق الشمس في السنة وهي ثلاثمائة وستون مشرقاً ، تشرق كل يوم في واحد وبحسبها تختلف المغارب ، ولذلك اكتفى بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة ، وما قيل إنها مائة وثمانون إنما يصح لو لم تختلف أوقات الانتقال . { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَاءَ ٱلدُّنْيَا } القربى منكم . { بِزِينَةٍ ٱلْكَوٰكِبِ } بزينة هي { ٱلْكَوٰكِبِ } والإِضافة للبيان ، ويعضده قراءة حمزة ويعقوب وحفص بتنوين « زينة » وجر { ٱلْكَوٰكِبِ } على إبدالها منه ، أو بزينة هي لها كأضوائها وأوضاعها ، أو بأن زينا { ٱلْكَوٰكِبِ } فيها على إضافة المصدر إلى المفعول فإنها كما جاءت اسماً كالليقة جاءت مصدراً كالنسبة ويؤيده قراءة أبي بكر بالتنوين ، والنصب على الأصل أو بأن زينتها { ٱلْكَوٰكِبِ } على إضافته إلى الفاعل وركوز الثوابت في الكرة الثامنة وما عدا القمر من السيارات في الست المتوسطة بينها وبين السماء الدنيا أن تحقق لم يقدح في ذلك ، فإن أهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة متلألئة على سطحها الأزرق بأشكال مختلفة . { وَحِفْظاً } منصوب بإضمار فعله ، أو العطف على « زينة » باعتبار المعنى كأنه قال إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء الدنيا وحفظاً . { مّن كُلّ شَيْطَـٰنٍ مَّارِدٍ } خارج من الطاعة برمي الشهب . { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأعْلَىٰ } كلام مبتدأ لبيان حالهم بعد ما حفظ السماء عنهم ، ولا يجوز جعله صفة لكل شيطان فإنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون ، ولا علة للحفظ على حذف اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذف أن وأهدرها كقوله : @ ألا أيهـذا الـزاجـري أحضـر الـوغـى @@ فإن اجتماع ذلك منكر والضمير لـ { كُلٌّ } باعتبار المعنى ، وتعدية السماع بإلى لتضمنه معنى الإِصغاء مبالغة لنفيه وتهويلاً لما يمنعهم عنه ، ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي « وحفص » بالتشديد من التسمع وهو طلب السماع و { ٱلْمَلأِ ٱلأعْلَىٰ } الملائكة وأشرافهم . { وَيُقْذَفُونَ } ويرمون . { مِن كُلّ جَانِبٍ } من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده . { دُحُوراً } علة أي للدحور وهو الطرد أو مصدر لأنه والقذف متقاربان ، أو حال بمعنى مدحورين أو منزوع عنه الباء جمع دحر ، وهو ما يطرد به ويقويه القراءة بالفتح وهو يحتمل أيضاً أن يكون مصدراً كالقبول أو صفة له أي قذفاً دحوراً . { وَلَهُمْ عَذَابُ } أي عذاب آخر . { وَاصِبٌ } دائم أو شديد وهو عذاب الآخرة . { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } استثناء من واو { يَسْمَعُونَ } ومن بدل منه ، والخطف الاختلاس والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة ولذلك عرف الخطفة ، وقرىء « خَطِفَ » بالتشديد مفتوح الخاء ومكسروها وأصلهما اختطف . { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ } أتبع بمعنى تبع ، والشهاب ما يرى كأن كوكباً انقض ، وما قيل إنه بخار يصعد إلى الأثير فيشتعل فتخمين إن صح لم يناف ذلك إذ ليس فيه ما يدل على أنه ينقض من الفلك ولا في قوله { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَاءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِين } [ الملك : 5 ] فإن كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض وزينة للسماء من حيث إنه يرى كأنه على سطحه ، ولا يبعد أن يصير الحادث كما ذكر في بعض الأوقات رجماً لشياطين تتصعد إلى قرب الفلك للتسمع ، وما روي أن ذلك حدث بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام إن صح فلعل المراد كثرة وقوعه ، أو مصيره { دُحُوراً } . واختلف في أن المرجوم يتأذى به فيرجع أو يحترق به لكن قد يصيب الصاعد مرة وقد لا يصيب كالموج لراكب السفينة ولذلك لا يرتدعون عنه رأساً ، ولا يقال إن الشيطان من النار فلا يحترق ، لأنه ليس من النار الصرف كما أن الإِنسان ليس من التراب الخالص مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها . { ثَاقِبٌ } مضيء كأنه يثقب الجو بضوئه .