Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 1-8)

Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مكية إلا قوله : قل يا عبادي الآية وآيها خمس وسبعون أو اثنتان وسبعون آية بسم الله الرحمن الرحيم { تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } خبر محذوف مثل هذا أو مبتدأ خبره . { مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } وهو على الأول صلة لـ { تَنزِيلَ } ، أو خبر ثان أو حال عمل فيها الإِشارة أو الـ { تَنزِيلَ } ، والظاهر أن { ٱلْكِتَـٰبِ } على الأول السورة وعلى الثاني القرآن ، وقرىء « تَنزِيلَ » بالنصب على إضمار فعل نحو اقرأ أو الزم . { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ } ملتبساً بالحق أو بسبب إثبات الحق وإظهاره وتفصيله . { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدّينِ } ممحصاً له الدين من الشرك والرياء ، وقرىء برفع « ٱلدّين » عن الاستئناف لتعليل الأمر وتقديم الخبر لتأكيد الاختصاص المستفاد من اللام كما صرح به مؤكداً وإجراؤه مجرى المعلوم المقرر لكثرة حججه وظهور براهينه فقال : { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدّينُ ٱلْخَالِصُ } أي ألا هو الذي وجب اختصاصه بأن يخلص له الطاعة ، فإنه المتفرد بصفات الألوهية والاطلاع على الأسرار والضمائر . { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } يحتمل المتخذين من الكفرة والمتخذين من الملائكة وعيسى والأصنام على حذف الراجع وإضمار المشركين من غير ذكر لدلالة المساق عليهم ، وهو مبتدأ خبره على الأول . { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } بإضمار القول . { إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } وهو متعين على الثاني ، وعلى هذا يكون القول المضمر بما في حيزه حالاً أو بدلاً من الصلة و { زُلْفَىٰ } مصدر أو حال ، وقرىء « قالوا ما نعبدهم » و « ما نعبدكم إلا لتقربونا إلى الله » حكاية لما خاطبوا به آلهتهم و { نَعْبُدُهُمْ } بضم النون اتباعاً . { فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الدين بإدخال المحق الجنة والمبطل النار والضمير للكفرة ومقابليهم ، وقيل لهم ولمعبوديهم فإنهم يرجون شفاعتهم وهم يلعنونها . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى } لا يوفق للاهتداء إلى الحق . { مَنْ هُوَ كَـٰذِبٌ كَـفَّارٌ } فإنهما فاقدا البصيرة . { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } كما زعموا . { لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء } إذ لا موجود سواه إلا هو مخلوقه لقيام الدلالة على امتناع وجود واجبين ووجوب استناد ما عدا الواجب إليه ، ومن البين أن المخلوق لا يماثل الخالق فيقوم مقام الوالد له ثم قرر ذلك بقوله : { سُبْحَـٰنَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوٰحِدُ ٱلْقَهَّارُ } فإن الألوهية الحقيقية تتبع الوجوب المستلزم للواحدة الذاتية ، وهي تنافي المماثلة فضلاً عن التوالد لأن كل واحد من المثلين مركب من الحقيقة المشتركة ، والتعين المخصوص والقهارية المطلقة تنافي قبول الزوال المحوج إلى الولد ، ثم استدل على ذلك بقوله : { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقّ يُكَوّرُ ٱلَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱلَّيْلِ } يغشى كل واحد منهما الآخر كأنه يلفه عليه لف اللباس باللابس ، أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفافة ، أو يجعله كاراً عليه كروراً متتابعاً تتابع أكوار العمامة . { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } هو منتهى دوره أو منقطع حركته . { إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ } القادر على كل ممكن الغالب على كل شيء . { ٱلْغَفَّارُ } حيث لم يعاجل بالعقوبة وسلب ما في هذه الصنائع من الرحمة وعموم المنفعة . { خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } استدلال آخر بما أوجده في العالم السفلي مبدوء به من خلق الإِنسان لأنه أقرب وأكثر دلالة وأعجب ، وفيه على ما ذكره ثلاث دلالات : خلق آدم أولاً من غير أب وأم ، ثم خلق حواء من قصيراه ، ثم تشعيب الخلق الفائت للحصر منهما . و { ثُمَّ } للعطف على محذوف هو صفة { نَفْسٌ } مثل خلقها أو على معنى واحدة أي من نفس وحدت ثم جعل منها زوجها فشفعها بها ، أو على { خَلَقَكُمْ } لتفاوت ما بين الآيتين ، فإن الأولى عادة مستمرة دون الثانية . وقيل أخرج من ظهره ذريته كالذر ثم خلق منها حواء . { وَأَنزَلَ لَكُمْ } وقضى أو قسم لكم ، فإن قضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث كتبت في اللوح المحفوظ ، أو أحدث لكم بأسباب نازلة كأشعة الكواكب والأمطار . { مّنَ ٱلأَنْعَـٰمِ ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } ذكر وأنثى من الإِبل والبقر والضأن والمعز . { يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُـمْ } بيان لكيفية خلق ما ذكر من الأناسي والأنعام إظهاراً لما فيها من عجائب القدرة ، غير أنه غلب أولي العقل أو خصهم بالخطاب لأنهم المقصودون . { خَلْقاً مّن بَعْدِ خَلْقٍ } حيواناً سوياً من بعد عظام مكسوة لحماً من بعد عظام عارية من بعد مضغ من بعد علق من بعد نطف . { فِى ظُلُمَـٰتٍ ثَلَـٰثٍ } ظلمة البطن والرحم والمشيمة ، أو الصلب والرحم والبطن . { ذٰلِكُمْ } الذي هذه أفعاله . { ٱللَّهُ رَبُّكُمُ } هو المستحق لعبادتكم والمالك . { لَهُ ٱلْمُلْكُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إذ لا يشاركه في الخلق غيره . { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } يعدل بكم عن عبادته إلى الإشراك . { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } عن إِيمانكم . { وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ } لاستضرارهم به رحمة عليهم . { وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ } لأنه سبب فلا حكم ، وقرأ ابن كثير ونافع في رواية وأبو عمرو والكسائي بإشباع ضمة الهاء لأنها صارت بحذف الألف موصولة بمتحرك ، وعن أبي عمرو ويعقوب إسكانها وهو لغة فيها . { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } بالمحاسبة والمجازاة . { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } فلا تخفى عليه خافية من أعمالكم . { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } لزوال ما ينازع العقل في الدلالة على أن مبدأ الكل منه . { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ } أعطاه من الخول وهو التعهد ، أو الخول وهو الافتخار . { نِعْمَةً مّنْهُ } من الله . { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ } أي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه ، أو ربه الذي كان يتضرع إليه و { مَا } ؛ مثل الذي في قوله : { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ الليل : 3 ] { مِن قَبْلُ } من قبل النعمة . { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء ، والضلال والإِضلال لما كانا نتيجة جعله صح تعليله بهما وإن لم يكونا غرضين . { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً } أمر تهديد فيه إشعار بأن الكفر نوع تشه لا سند له ، وإقناط للكافرين من التمتع في الآخرة ولذلك علله بقوله : { إِنَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ } على سبيل الاستئناف للمبالغة .