Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 9-18)
Tafsir: Anwār at-tanzīl wa-asrār at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ } قائم بوظائف الطاعات . { أَنَاءَ اللَّيْلِ } ساعاته وأم متصلة بمحذوف تقديره الكافر خير « أم من هو قانت » ، أو منقطعة والمعنى بل { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ } كمن هو بضده ، وقرأ الحجازيان وحمزة بتخفيف الميم بمعنى أمن هو قانت لله كمن جعل له أنداداً . { سَـٰجِداً وَقَائِماً } حالان من ضمير { قَانِتٌ } ، وقرئا بالرفع على الخبر بعد الخبر والواو للجمع بين الصفتين { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ } في موضع الحال أو الاستئناف للتعليل . { قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم . وقيل تقرير للأول على سبيل التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون . { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } بأمثال هذه البيانات ، وقرىء « يذكر » بالإِدغام . { قُلْ يٰ عِبَادِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } بلزوم طاعته . { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } أي للذين أحسنوا بالطاعات في الدنيا مثوبة حسنة في الآخرة . وقيل معناه للذين أحسنوا حسنة في الدنيا هي الصحة والعافية ، وفي هذه بيان لمكان { حَسَنَةٌ } . { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } فمن تعسر عليه التوفر على الإِحسان في وطنه فليهاجر إلى حيث يتمكن منه . { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ } على مشاق الطاعات من احتمال البلاء ومهاجرة الأوطان لها . { أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } أجراً لا يهتدي إليه حساب الحساب ، وفي الحديث إنه " ينصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج فيوفون بها أجورهم ، ولا ينصب لأهل البلاء بل يصب عليهم الأجر صباً حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل " { قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدّينَ } موحداً له . { وَأُمِرْتُ لأِنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } وأمرت بذلك لأجل أن أكون مقدمهم في الدنيا والآخرة ، لأن قصب السبق في الدين بالإِخلاص أو لأنه أول من أسلم وجهه لله من قريش ومن دان بدينهم ، والعطف لمغايرة الثاني الأول بتقييده بالعلة ، والإشعار بأن العبادة المقرونة بالإِخلاص وإن اقتضت لذاتها أن يؤمر بها فهي أيضاً تقتضيه لما يلزمها من السبق في الدين ، ويجوز أن تجعل اللام مزيدة كما في أردت لأن أفعل فيكون أمر بالتقدم في الإِخلاص والبدء بنفسه في الدعاء إليه بعد الأمر به . { قُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى } بترك الإخلاص والميل إلى ما أنتم عليه من الشرك والرياء . { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } لعظمة ما فيه . { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى } أمر بالإِخبار عن إخلاصه وأن يكون مخلصاً له دينه بعد الأمر بالإِخبار عن كونه مأموراً بالعبادة والإِخلاص خائفاً عن المخالفة من العقاب قطعاً لأطماعهم ، ولذلك رتب عليه قوله : { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مّن دُونِهِ } تهديداً وخذلاناً لهم . { قُلْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ } الكاملين في الخسران . { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } بالضلال . { وَأَهْلِيهِمْ } بالإِضلال . { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } حين يدخلون النار بدل الجنة لأنهم جمعوا وجوه الخسران . وقيل وخسروا أهليهم لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم ، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهاباً لا رجوع بعده . { أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } مبالغة في خسرانهم لما فيه من الاستئناف والتصدير بـ { أَلاَ } ، وتوسيط الفصل وتعريف الخسران ووصفه بـ { ٱلْمُبِينُ } . { لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ ٱلنَّارِ } شرح لخسرانهم . { وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } أطباق من النار هي ظلل للآخرين . { ذٰلِكَ يُخَوّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ } ذلك العذاب هو الذي يخوفهم به ليتجنبوا ما يوقعهم فيه . { يَا عِبَادِ فَٱتَّقُونِ } ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي . { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ } البالغ غاية الطغيان فعلوت منه بتقديم اللام على العين بني للمبالغة في المصدر كالرحموت ، ثم وصف به للمبالغة في النعت ولذلك اختص بالشيطان . { أَن يَعْبُدُوهَا } بدل اشتمال منه . { وَأَنَابُواْ إِلَى ٱللَّهِ } وأقبلوا إليه بشراشرهم عما سواه . { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } بالثواب على ألسنة الرسل ، أو الملائكة عند حضور الموت . { فَبَشّرْ عِبَادِ } . { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } وضع فيه الظاهر موضع ضمير { ٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ } للدلالة على مبدأ اجتنابهم وأنهم نقاد في الدين يميزون بين الحق والباطل ويؤثرون الأفضل فالأفضل . { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ } لدينه . { وَأُوْلَـئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } العقول السليمة عن منازعة الوهم والعادة ، وفي ذلك دلالة على أن الهداية تحصل بفعل الله وقبول النفس لها .